رُبَ ضارةٍ نافعة.. وفي كل محنة منحة؛ ينطبق هذا تماماً على كل ما يتعلق بموضوع أبحاث سنوات النقل (والصف الثالث الإعدادي هذا العام بشكل استثنائي)، نعم أقول هذا وأنا مطمئنة تماماً لهذهِ التجربة.

sss

في أول الأمر أخذت بعض الوقت لأفهم التفاصيل، وفي الحقيقة لم أفزع على الإطلاق، لأنه لا شئ أصلاً أسوأ من امتحان لمدة ساعتين أو أقل يحسم مصير طالب في الانتقال من سنة دراسية إلى أُخرى! ليس هذا رأيي فحسب، بل أيضاً رأي الطلاب الذين عانوا على مدار سنوات دراستهم من آلية تعليمية لا تُنصِف المبدع، ولا تكترث لمن يريد أن يخرج من طابور الحفظ والتلقين، طلاب عانوا من خوف التعرض لأي عارض يتسبب في ضعف تركيزهم يوم الامتحان.

هل كان أمر استبدال امتحانات آخر العام، للسنوات من الثالث الابتدائي إلى الثاني الإعدادي مُخططاً له من قبل أزمة فيروس كورونا المستجد؟ في الأغلب :نعم؛ فقرار تطبيق نظام الأبحاث هذا العام بشكل مفاجئ لتفادي الآثار السلبية لانتشار الفيروس على العملية التعليمية، والخروج بأقل الخسائر الممكنة، والتيسير على الطلاب وأسرهم، صحبه قرار آخر بسريان هذا النظام أيضاً بشكل مستمر من العام المقبل، وأياً كانت العقبات التي ستواجه تطبيق هذا النظام على أرض الواقع، فهي في رأيي تحديات لا أكثر، لابد أن تواجه أي جديد، أما التحديات التي توجهه هذا العام بسبب تطبيقه بشكل مفاجئ؛ فهي في رأيي جاءت لصالحه لا العكس، لماذا؟ ببساطة لأن هذا النظام كان سيواجه المعارضة في كل الأحوال، ومعارضة أولياء الأمور قبل المعلمين، وللأسف كثير منهم ينتمون لفئة قادرة على متابعة أبنائها، لكنها ومن فترة طويلة، اعتبرت العملية التعليمية تخص المدرسة وحدها، دون رغبة حتى في الاطلاع على ما يفعله أبنائهم، ما خلق فجوة حقيقية بين جيل كامل وأولياء أمورهم، صحيح أن هؤلاء الأهالي ينفقون الكثير على التعليم، بل لنقل حتى أنه البند الأهم في ميزانية أغلب الأسر المصرية، لكنهم يعتبرون أن مهمتهم قد انتهت عند حد الإنفاق، وهو ما جعلهم غير متفاعلين مع التجديد، وغير راغبين في الخروج من صندوق التعليم النمطي، وحدهم الذين ينفقون كل ما يملكون في مدارس تنفذ أنظمة مختلفة، هم الذين يعرفون قدر هذهِ التجربة ويشجعونها.
ربما أنني محظوظة أن ابني الذي سَيُطَبق عليه هذا النظام هو في الصف الرابع الابتدائي، وأن البحث المطلوب منه سيكون أبسط بالتأكيد ممن هم أكبر منه، لكنني أيضاً واجهت بعض الارتباك، ثم انتظرت لأتأكد من صحة فهمي لتفاصيل الأمر، خاصةً وأن الوزارة تعلن كل يوم عن جديد متعلق به، وهو أكثر ما يشعرني بالاطمئنان، لأنه يعني ببساطة أن المسألة تخضع للتقييم والتعديل، وأن الهدف الأسمى هو مصلحة الطلاب، والتخفيف عن أولياء الأمور، وبكل تأكيد فهي فرصة ذهبية لتطبيق فكرة جديدة واتتها الظروف كي تمر بمرحلة التجريب قبل التنفيذ النهائي العام المقبل، وبعد أن تأكدت من أن الهلع لا داعي له، قررت مشاركة رأيي مع الجميع عبر منصة الفيسبوك، لأن هذا واجبي كمواطنة مصرية، وكأم ترغب في استمرار تطبيق هذا النظام الرائع، الذي سينقل أبنائنا إلى المستقبل، في وقت يعاني العالم كله من الارتباك، عن نفسي كنت أساعد ابني في المذاكرة بالطريقة نفسها التي يتطلبها البحث، لذا لم أفزع ولا هو، ليس هذا فحسب، بل أنني أراها أيضاً فرصةً حقيقية لإظهار التكاتف والتكافل بين كل فئات المجتمع المصري، هذا أمر عشته ورأيته في طفولتي وبداية شبابي، وسعيدة جداً وللغاية أن أرى فرصةً جديدة كي يعود هذا المناخ العام إلى المجتمع المصري.
وبصراحة أنا أرى الأمر بتفائل كبير، بل وسعادة حقيقية، وبكثير من الأمل، فكل ما حدث ويحدث في هذا الأمر يعكس جسارة ورؤية وعزيمة وقدرة على التنفيذ، في لحظة يتواجد فيها وزير تعليم جرئ ومقاتل ودعم من الدولة للتجربة بكل قوة، هي لحظة أتمنى أن يقدرها الجميع حق قدرها لمصلحتنا جميعاً، كي يكون أبنائنا غير اعتماديين ولا متكاسلين فهم يستحقون منا ثقةً فيهم أعظم من ذلك.
“عندي مشكلة كبيرة في فهم الناس اللي عندها ذعر من موضوع “الأبحاث” المطلوبة للنجاح في العام الدراسي، او شايفين إنها حاجة بلا جدوى! لا بجد يا جماعة انتو معانا على الكوكب؟! الموضوع ببساطة إنه كل طالب له انه يختار بين 4 موضوعات من المنهج الدراسي، ويكتب فيهم عدد محدود من الكلمات (وفقاً للسنة الدراسية) في محاور محددة سلفاً بناء على خلفية دراسته في العربي والرياضيات والعلوم والدراسات الاجتماعية، وله إنه يكتبها بالعربي او اي لغة بيدرس بيها، لأ وإيه كمان.. له حق استخدام اي مصادر سواء كتاب المدرسة او المكتبة الرقمية او اي موقع يدور فيه على المعلومات في جوجل، وإيه بقى. له انه يكتبه بخط الايد ويسلمه في المدرسة، او على الكمبيوتر ويرفعه على موقع Edmodo.. يعني ايشي خيال يا ناس بجد! يعني بغض النظر عن ان ده “اشيك” ختام للسنة الدراسية في الظرف اللي إحنا فيه.. وان فيه دول تانية عملت خيارات قاسية عشان تحافظ على مخرجات السنة الدراسية، فالحقيقة فإن اللي بيحصل ده شئ عظيم قولاً واحداً.. وهيتسجل في التاريخ، إنه في عز أزمة زي دي قدرت مصر تعمل نقلة زي دي في نظامها التعليمي: تعليم عن بعد لكل الفئات+ موقع واحد لكل الطلبة يتواصلوا فيه مع الوزارة ومع مدارسهم تحت إشراف أولياء الأمور + مكتبة رقمية عظيمة، ده شئ بالتأكيد ماحصلش بين يوم وليلة! وعايزة اقولكم حاجة بس انتو مش واخدين بالكم منها: أصلا ده بقى أمر واقع، لأنه ده هيستمر للأبد ، فاستعدوا للتغيير وتقبلوه. ييجي واحد يقول لي : فيه ناس بسيطة ماتقدرش تتابع ده.. تمام جداً، دور حضرتك تساعدهم، والا ايه معنى التضامن الاجتماعي سيادتك؟ وإذا ما كانش ده وقته يبقى امتى؟ أنا عن نفسي اللي عمل حساب ادمودو لإبني هو مدرس اتطوع يعمل ده لطلبة المدرسة كلها تقريبا.. انا بس عملت لنفسي حساب المتابعة، اللي يقدر يساعد يمد إيده، ممكن تساعد اي حد حواليك مش قادر يعمل ده، اي قرية بسيطة اكيد فيها مدرس عنده ضمير وعايز يساعد اهل قريته، اي متطوعين.. أعضاء جمعيات أهلية..ان شالله حتى مبادرات تتعمل عشان الناس كلها تقدر تتفاعل مع الخطوة دي بنفس القدر. أما بالنسبة للطلبة.. فارجوكم ماحدش يقول لي.. يا حرام مش هيقدروا! نعم.. امال قعدتهم ع الموبايلات.. ومن كل الفئات على فكرة.. قعدتهم دي ماتخليهمش يدخلوا على منصة سهلة جداً.. يتواصلوا مع المدرسين ويعملوا بحث على المعلومات؟! دي تبقى مصيبة.. بس عارفين المشكلة الأكبر إيه؟ ان الأهالي عندها استعداد تطفح الكوتة وتدفع دروس خصوصية.. بس ماتقعدش مع ولادها تحاول تتفاعل معاهم ويجربوا.. اللي باقولكم عليهم دول من فئات متعلمة على فكرة.. كلنا بنتعب ونشقى ومطحونين ومضغوطين.. بس العلاقة مع ولادنا مش بس مصاريف بتندفع.. وده دورنا وفرض عين. إحنا برغم الظرف الشديد.. قصاد تحول كبيييير قوي.. هيخللي ولادنا في حتة تانية.. ومخرجات العملية التعليمية محترمة.. وبالوقت هتخف الضغوط علينا.. يا ريت بنتي كانت لحقت ده قبل ما تدخل دوامة دفعة التابلت.. خلونا نستمتع بتجربة تستحق الاحتفاء بيها والسعادة كمان.. وفعلا في كل محنة منحة.. وادينا استفدنا ان العام الدراسي نقص شهر ونص وارتحنا من دوشته ومصاريفه.. واولادنا بيتعلموا في البيت.. ماعادش العاجز إنه يروح المدرسة هيفوته حاجة بعد كده.. وإنه لأمر لو تعلمون عظيم.”

* المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها وليس بالضروة عن رأي الموقع.