أحدث مسلسل “أم هارون”، المقرر عرضه مع أول شهر رمضان الكريم، اعتبارًا من الجمعة المقبل، جدلًا واسعًا، وتحوّل الأمر إلى معركة سياسية على مسلسل لم يعرض منه إلا المقطع الترويجي “البرومو”، غير أن هذا المقطع كان فيما يبدو كافيًا لاتهام صُنّاع المسلسل بالدعوة إلى “التطبيع مع إسرائيل”.

sss

وأكد منتقدو المسلسل أنه عمل لا مبرر له في هذا التوقيت على الإطلاق، خصوصًا في ظل التطورات الأخيرة التي تلت ما يسمى “صفقة القرن” الأمريكية، وما يتعرض له الفلسطينيون من ممارسات عنصرية بعد انتشار فيروس كورونا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلى حد أن بعضهم اعتبر المسلسل “جائحة جديدة”.

 

يحكي المسلسل، الذي تقوم ببطولته الممثلة الكويتية المعروفة حياة الفهد، قصة سيدة يهودية بنفس الاسم عاشت في الكويت خلال الأربعينيات من القرن الماضي، وكانت منبوذة اجتماعيًا بسبب ديانتها. والغريب أن “حياة الفهد” نفسها لم تُخفِ عنصريتها ضد الوافدين الذين ساهموا ببناء الكويت، وتودُّ رميهم في الصحراء. والعمل من تأليف علي شمس ومحمد شمس، وإخراج محمد جمال العدل. وهو من إنتاج شبكة “إم بي سي” السعودية وستقوم ببثه على قنواتها.

ويصوّر العمل الدرامي حياة “أم هارون” الممرضة التي تنقلت بين إيران والعراق والبحرين والكويت، وعملت لسنوات طويلة في مجال توليد النساء. كما يصوّر اليهود على أنهم “جزء من النسيج الاجتماعي الكويتي” قبل أن يتم إجلاؤهم في العام 1947، وكيف تعرضوا لـ “الظلم” بسبب تحميلهم وزر إنشاء دولة “إسرائيل” في المنطقة، رغم أنهم مواطنون كويتيون.

 

مقدمة لتطبيع ثقافي

وصلت أصداء معركة “أم هارون” إلى حركة “حماس” الفلسطينية، حيث قال رأفت مرة، القيادي في الحركة عبر حسابه في موقع “تويتر”: “إن المسلسل هو تمرير للمشروع الصهيوني بأهدافه السياسية والثقافية إلى عمق المجتمع الخليجي. ونهاية أي تطبيع مع الاحتلال هي الدمار والتخريب. هذا هو هدف التطبيع: الحقد والقتل البطيء.. والتدمير الداخلي”.

ورأى بعض نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في الكويت والسعودية وفلسطين والأردن ومصر، أن أحداث المسلسل تتمحور حول الدعوة لـ “التعايش” مع العدو الصهيوني، وذلك من خلال طرحه للقضية على أنها قضية ذات طابع ديني، حيث يتم فيه “تمييع الصراع مع العدو”.

 

وتساءل أحد المغردين عن “الأهداف المستفادة من مسلسل يحكي قصة يهودية تعاني في الخليج؟ هل تبث إسرائيل مسلسلات عن قصة مسلم في سجونها، أو بيت هدمته على أصحابه لمستوطنيها، أو قصة آلاف الأسر الفلسطينية التي مزقت أجسادهم طائراتها؟ هل تتفاخر شاشاتها بمنظر محمد الدرّة وهي تُمطره بالرصاص؟”.

وانتقد سعد السعيدي، بشدة قصة هذا المسلسل، متسائلا: “ما الرسالة والهدف الذي يريد أن يوصلها هذا المسلسل؟ صحيح هناك فرق بين الديانة اليهودية والصهيونية، لكن هذا الفرق ليس واضحا للعوام. أظنه مقدمة لتطبيع ثقافي، وزرع فكرة في العقل الباطن، وكأن الأمر طبيعي!”.

 

ورأى الناشط سامي الحشان أن “هذا العمل تم انتاجه لتمكين إسرائيل من دخول دول الخليج بدلا من أمريكا. وللعلم نحن نعطيهم أدلة وهم مستقبلا سوف يطالبون بتعويضات عن يهود الدول العربية، فقبل عام صدر حكم بأمريكا يطالب بولندا بدفع تعويضات لليهود، ما أثار غضب بولندا، وبن غوريون كان قد طالب بتعويض ليهود خيبر”.

 

وأعرب البعض عن تخوفه من تأثير مثل هذا العمل على موقف الشعب الكويتي الرافض للتطبيع، لا سيما أن الإعلان “البرومو” أوحى بأن المسلسل يبدي تعاطفاً مع اليهود المهجرين من الكويت. وقال أحدهم: من بين كل المآسي في تاريخنا، لم تجد MBC موضوعا لمسلسل رمضاني سوى “مأساة يهود الكويت”!

التعايش بين الأديان

في المقابل، دافع أحد المغردين بشكل عقلاني عن المسلسل قائلا: “لا أرى ضرورة للتحسس من مسلسل أم هارون، فاليهود عاشوا في بعض دول الخليج، وكذلك كانوا متجذرين في كثير من البلدان العربية. وقد نالهم الظلم والتعسف، وتم تحميلهم وزر إنشاء دولة الكيان الصهيوني، بعد مشاهدة المسلسل يجوز لنا تقييمه والحكم عليه إذا كان هدفه التطبيع، وهو مرفوض لدينا”.

 

الكاتب البحريني محمد شمس: نحن نريد أن نظهر التعايش بين الأديان السماوية، وأنه كان ذلك وقتا عاش فيه اليهود والمسيحيون والمسلمون كجيران في منطقة واحدة

وقال الكاتب البحريني محمد شمس الذي شارك في تأليف المسلسل مع أخيه “علي”: “نحن نريد أن نظهر التعايش بين الأديان السماوية. إنه كان ذلك وقتا عاش فيه اليهود والمسيحيون والمسلمون كجيران في منطقة واحدة. وقد توقعنا بالفعل هجوما، لكنني لا أعرف كيف يستطيع الناس الحكم على مسلسل حتى قبل أن يشاهدوه”.

ووجد بعض النشطاء أن هذا العمل يسلط الضوء على حقبة تاريخية كانت موجودة بالفعل في ماضي الكويت، وأن مهاجمة مثل هذه الأعمال إنما تعتبر محاولات لإخفاء الحقائق وطمس التاريخ.

ويقول الباحث علي العجيل: “لقد عاش اليهود فعلاً في الكويت، وبسبب ندرة المصادر التاريخية التي تتحدث عن وجودهم في الخليج عموماً، لا نعلم على وجه التحديد تاريخ قدوم اليهود إلى البلاد. لكن تشير أحد الإحصائيات التي ذكرها المستشرق الفرنسي فيتال كينيه في أحد كتبه، على وجود نحو 50 يهودياً من أصل 20 ألف نسمة في الكويت في عام 1890”.

 

ويذكر الباحث الكويتي يعقوب يوسف الإبراهيم أن تاريخ وجود اليهود في الكويت يعود إلى عام 1776، حيث هاجر يهود البصرة إلى الكويت بعد أن تم احتلال المدينة من قبل مؤسسي الدولة الزندية في إيران. وبدأت أعداد اليهود في الكويت بالتزايد في أواخر القرن التاسع عشر، حيث توافدت العائلات اليهودية من العراق إلى الكويت.

الباحث الكويتي يعقوب يوسف الإبراهيم: تاريخ وجود اليهود في الكويت يعود إلى عام 1776، حيث هاجر يهود البصرة إلى الكويت بعد أن تم احتلال المدينة من قبل مؤسسي الدولة الزندية في إيران

وامتهن غالبية اليهود في الكويت التجارة، وخصوصاً تجارة الذهب والأقمشة. وكان اليهود يشكلون أقلية صغيرة جدا إذ قُدّر عددهم بما يقارب 100 عائلة، من بينهم عائلات “الربين وعيزرا وصمويل وحصغير وخواجة ومحلب”، وغيرهم.

وبدأ اليهود أولى هجراتهم من البلاد بعد تبدل المزاج الشعبي العام من اليهود، ومع تسلم الشيخ سالم المبارك الصباح (1917-1921)، مقاليد الإمارة كتاسع حاكم للكويت، والذي عُرف عنه التدين، واتخذ إجراءات مشددة لمنع تقطير وتجارة الخمر، وهي المهن التي اشتهر بها اليهود، لتشكل هذه الخطوة نقطة تحول في أوضاعهم. أما موجة الهجرة الثانية، فقد بدأت في العام 1930 مع تصاعد ظاهرة الحركة الصهيونية وبدء الحشد للهجرة إلى فلسطين.

وشهد العام 1947، الهجرة الأخيرة لليهود من الكويت، وذلك حين أصدر أمير الكويت آنذاك الشيخ أحمد الجابر الصباح قراراً بإجلاء جميع العائلات اليهودية، على خلفية قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين.