تحقق السلطات القضائية التشادية، حاليًا، في واقعة العثور قبل أيام على جثث 44 سجينًا من مسلحي جماعة “بوكو حرام”، كانوا مودعين في سجن تابع لقوات الشرطة، واكتشف الحراس أنهم لقوا حتفهم داخل الزنزانة المغلقة، وظهرت عليهم جميعًا أعراض تسمم حاد.

sss

وكشف الأطباء الشرعيون بعد تشريح أربع جثامين من بين الـ 44 جثة التي عُثر عليها الخميس الماضي، عن أن السجناء الموتى تناولوا مادة كيمائية سامة حصلوا عليها من خارج السجن، أودت بحياتهم، ما يشير إلى فرضية “الانتحار الجماعي”، وأنهم سمموا أنفسهم بمحض إرادتهم، بعد تعرضهم لمعاملة وحشية من قبل السجّانين، ومنع الطعام والشراب عنهم لمدة طويلة.

 

وذكرت النيابة العامة التشادية أن السجناء الذين اعتُقلوا مؤخرًا خلال عملية شنتها القوات التشادية ضد الجماعة، أُعلن عن انتهائها في الثامن من أبريل الجاري، عُثر عليهم داخل زنزانتهم في العاصمة “نجامينا”، وأنهم كانوا في انتظار إحالتهم إلى التحقيقات.

وقال يوسف توم، المدعي العام، إن “نتيجة تشريح الأربع جثث كشفت عن أن الضحايا تناولوا مادة قاتلة، تسببت في أزمة قلبية لدى بعضهم واختناق شديد لدى البعض الآخر”، موضحًا أن فريقًا من الشرطة ووكلاء النيابة توجه إلى المكان بعد إشعار رسمي بالواقعة الغريبة من إدارة السجن.

المدعي العام: نتيجة تشريح الأربع جثث كشفت عن أن الضحايا تناولوا مادة قاتلة، تسببت في أزمة قلبية لدى بعضهم واختناق شديد لدى البعض الآخر

وأضاف المدعي العام أن هؤلاء السجناء الموتى كانوا ضمن 58 عنصرًا من “بوكو حرام”، اعتقلوا خلال العملية العسكرية واسعة النطاق التي شنها الجيش التشادي في أواخر مارس الماضي ضد الجماعة بعد أن كثفت هجماتها في منطقة بحيرة تشاد.

وتم نقل مسلحي “بوكو حرام” ومعظمهم من الشباب، إلى نجامينا مساء الثلاثاء الماضي، وتسليمهم إلى السلطات القضائية. وكان يُفترض بعد ذلك أن يُدلوا بشهاداتهم، وأن تجري محاكمتهم أمام محكمة جنائية.

وفيما أكد مصدر أمني أن السجناء الـ 58 وضعوا في زنزانة واحدة، ولم يحصلوا على ما يأكلون ولا ما يشربون على مدار يومين، قال محمد نور أجمد إيبيدو، الأمين العام لـ “الاتفاقية التشادية للدفاع عن حقوق الإنسان” إن “ما حصل أمر فظيع”، متهمًا المسؤولين عن السجن بحبس السجناء في زنزانة صغيرة، وتجويعهم وحرمانهم من الماء لأنهم متهمون بالانتماء إلى بوكو حرام”.

في المقابل، نفت الحكومة رسميًا هذه الاتهامات. وأكد جمعة عربي، وزير العدل التشادي، أنه “لم يحدث أي سوء معاملة”. وأضاف الوزير: “وجدنا مواد سامة في معدهم، فهل هذا انتحار جماعي أو شيء آخر؟ لا نزال نبحث عن أجوبة”.

مذبحة جزيرة “بوما”

في 25 مارس الماضي، ارتكبت “بوكو حرام” مذبحة مروعة في صفوف الجيش التشادي، ففي هجوم مباغت على ثكنات الجيش بمنطقة جزيرة “بوما”، قتل مئات المسلحين التابعين للجماعة وأصابوا 139 ضابطًا وجنديًا. وهي المجزرة التي روّعت مواطني عدة دول مجاورة لتشاد، منها نيجيريا وتشاد والكاميرون، وكان لها صدى دولي واسع النطاق.   

وقال الرئيس التشادي إدريس ديبي، أثناء تفقده موقع الهجوم، إن 92 جنديًا قتلوا و47 أصيبوا في هجوم نفذه مسلحو الجماعة، وهو أكبر عدد يسقط في هجوم يستهدف الجيش. ووقع الهجوم في جزيرة بوما، بمنطقة بحيرة تشاد بغرب البلاد، حيث تقاتل قوات من تشاد ونيجيريا والنيجر مسلحي التنظيم منذ أعوام.

الرئيس ديبي: شاركت في الكثير من العمليات العسكرية، لكن لم يسبق في تاريخنا أن فقدنا كل هذا العدد من الرجال دفعة واحدة

وأضاف الرئيس ديبي: “شاركت في الكثير من العمليات العسكرية، لكن لم يسبق في تاريخنا أن فقدنا كل هذا العدد من الرجال دفعة واحدة”. وعرض التلفزيون الرسمي مقطعًا للرئيس، وهو يسير بين حطام سيارات عسكرية محترقة، بعد أن أشعل فيها المسلحون النار، قبل فرارهم إلى معسكراتهم من موقع الهجوم الدموي.

وجاءت هذه المجزرة لتكشف عن نوايا “بوكو حرام” التي تأسست عام 2009، والتي تسعى إلى التمدد ميدانيًا، لترهيب قادة الدول التي تدفع بجيوش لمحاربتها، بدعم فرنسي وأوروبي كبير.

ومنذ تأسيسها كان هدف الجماعة المتشددة التي يعني اسمها “التعليم الغربي حرام”، هو إقامة “دولة خلافة” شمال نيجيريا، ولكن بعد أن تلقت ضربات موجعة من الجيش النيجيري، أصبحت قضية ذات بعدين إقليمي ودولي، خاصة مع تدخل جيوش دول أفريقية أخرى توجست بلدانها المُجاورة لنيجيريا من تداعيات هشاشة الوضع الأمني في البلاد، بدءًا من الجيش التشادي وصولًا للجيشيْن النيجيري والكاميروني.

 

بعد ذلك، أدى تورط جيشيّ تشاد والكاميرون في الحرب التي تخوضها الحكومة النيجيرية ضد “بوكو حرام”، إلى تحول البلديّن إلى أهداف مشروعة بالنسبة للجماعة التي تحاول جاهدة توسيع جغرافية وجودها في منطقة الساحل الأفريقي.

وفي عام 2013، بدأت الجماعة التي اكتسبت سمعة دموية بسبب عملياتها التخريبية، توسيع نطاق عملياتها في تشاد، وشنّ هجمات ضارية على قوات النيجر والكاميرون، وهو ما جعلها تحقق اختراقات عسكرية كبيرة في دول عدة، تشمل كل من مالي والنيجر ونيجيريا وبوركينا فاسو والسنغال.

كما بدأ التنظيم منذ 2015، شنّ هجمات مفاجئة بقوات شبه عسكرية مسلحة بأسلحة خفيفة ومتوسطة، في عدد من الدول المجاورة لنيجيريا بشكل خاص، مثل الكاميرون وتشاد والنيجر، حيث أسفرت هجماته في دول “حوض بحيرة تشاد” عن مقتل أكثر من ألفي شخص من العسكريين والمدنيين الأبرياء.

 

وسمح تدهور الأوضاع الأمنية في الساحل الأفريقي والمناطق المجاورة لـ “بوكو حرام” باحتلال بحيرة التشاد، إلى جانب مجموعات مسلحة أخرى، حيث استغلت الجماعة هذا المورد الحيوي لتركيز هجمات متوازية ضد الجيشيْن النيجيري والتشادي. وباحتلالها هذا الموقع الاستراتيجي الذي كان يؤمّن الموارد المائية لسكان التشاد، نجحت الجماعة في استدراج القوات التشادية وغيرها إلى هذه المنطقة، وتنفيذ عمليات انتقامية كبّدت الجيوش الوطنية للكاميرون والنيجر والتشاد ونيجيريا خسائر فادحة.

“منطقة حرب”

أطلق الجيش التشادي، بدعم فرنسي، في مطلع أبريل الحالي، عملية عسكرية كبرى ردًا على مذبحة جزيرة “بوما”. وأعلن الجيش إقليمين قرب بحيرة تشاد “منطقة حرب”، بما منح السلطات المحلية هناك مزيدًا من النفوذ للرد على جماعة “بوكو حرام”.

وصعّدت الحركة هجماتها خلال الأشهر الأولى من هذا العام في منطقة “بحيرة تشاد”، حيث تلتقي حدود كل من تشاد ونيجيريا والكاميرون والنيجر، مستغلة خبرة عناصرها المسلحة بطبيعة المنطقة الجغرافية التي تتميز بكثرة جزرها وأهوارها الصعبة.

وفي 10 أبريل الجاري، أعلنت تشاد عن أن جنودها قتلوا نحو 1000 متطرف في عملية واسعة النطاق على جزر في بحيرة تشاد استهدفت مقاتلي بوكو حرام. وقال المتحدث باسم الجيش التشادي الكولونيل عظيم برماندوا، مساء الخميس الماضي، إن 52 جنديًا قُتلوا أيضًا في المعارك وأصيب 196 آخرون، خلال ثمانية أيام من القتال ضد “بوكو حرام”. وأكد أن العملية طهّرت الجزر من المتطرفين في منطقة شاسعة بين تشاد ونيجيريا والنيجر والكاميرون، بما يحد من سيطرة الجماعة على أجزاء من هذه البلدان، ويدعوها إلى الانكماش في الأدغال حتى القضاء عليها بشكل نهائي.