شن تنظيم “داعش” في الآونة الأخيرة عددًا من الهجمات الإرهابية الدامية في سوريا والعراق، مستغلًا انشغال أجهزة الأمن في البلدين بتطبيق إجراءات مكافحة وباء كورونا، فيما أعلن الجيش الوطني الليبي، أمس الاثنين، عن نجاحه في القضاء على عناصر إرهابية “خطيرة”، متهمًا تركيا باستغلال أزمة كورونا لجلب مزيد من المسلحين إلى الأراضي الليبية.
sss
وأطلقت قوات الأمن عراقية، أمس، عملية عسكرية لتعقب خلايا تنظيم “داعش” شمال شرق مدينة “بعقوبة” مركز محافظة ديالي. انطلقت العملية من محورين، بإسناد من طيران الجيش لتفتيش البساتين والقرى الواقعة بين ناحيتي “أبي صيدا والعبارة” شمال شرق بعقوبة.
وأعلنت وزارة الدفاع العراقية، الأحد، عن مقتل مجموعة (لم تحدد عددها) من عناصر تنظيم “داعش”، في قصف نفذته مقاتلات من طراز “أف 16” على أوكار تابعة للتنظيم في منطقة الدور بمحافظة صلاح الدين.
واعتبر مراقبون أن قصف عناصر “داعش” باستخدام مقاتلات من طراز “أف 16” مؤشر على تصاعد نشاط التنظيم داخل الأراضي العراقية في الآونة الأخيرة، الأمر الذي استدعى الاستعانة بمقاتلات للقضاء على أحد الجيوب الإرهابية، بدلًا من تحرك قوات برية وتنفيذ عملية أمنية قد تتكبد خلالها القوات خسائر كبيرة في الأرواح.
في المقابل، نفّذ “داعش” سلسلة من الهجمات خلال هذا الشهر والأسبوع الأخير من مارس الماضي، حملت مؤشرات على أن قيادته الجديدة استطاعت تأمين تواصل مع بقايا التنظيم التي تفرقت بعد القضاء عليه في العراق. وشن التنظيم منذ مطلع شهر أبريل الحالي وحتى الآن، 18 هجومًا في مناطق عراقية عدة، شمالي وغربي البلاد، استهدفت قوات الأمن بالأساس.
“معارك يومية” ضد داعش
أكد عادل عبد المهدي رئيس حكومة تصريف الأعمال العراقية، أن قوات مكافحة الإرهاب في البلاد تخوض منذ نحو شهر “معارك يومية” ضد مسلحي تنظيم “داعش”.
عادل عبد المهدي: يوميًا لدينا معركة مع تنظيم “داعش”، نقدم فيها ضحايا ونقتل عددًا من الإرهابيين، ونعتقل كثيرين، ونمنعهم من القيام بعمليات إرهابية
وأضاف عبد المهدي، في كلمة نقلها التليفزيون العراقي، “يوميًا لدينا معركة مع تنظيم “داعش”، نقدم فيها ضحايا ونقتل عددًا من الإرهابيين، ونعتقل كثيرين، ونمنعهم من القيام بعمليات إرهابية”.
وعزا مسؤولون عسكريون عراقيون تصاعد هجمات “داعش” في البلاد مؤخرًا إلى تحقيقه نجاحًا في إعادة تأمين شبكة الاتصالات بين عناصره، التي تبعثرت بعد طرده من آخر المدن التي كان يسيطر عليها في هذا البلد نهاية عام 2017، وبين قيادات التنظيم الجديدة.
ومن بين أسباب عودة هجمات “داعش” في الآونة الأخيرة، فضلًا عن انشغال قوى الأمن بمكافحة وباء كورونا في البلاد، ما يرتبط أيضًا بعودة مطالبات إخراج الفصائل المسلحة ضمن “الحشد الشعبي” من المدن المحررة في العراق، وتسليم الملف للقوات النظامية، بعد سلسلة شكاوى من قبل السكان المحليين، لا سيما في محافظتي نينوى وصلاح الدين، إزاء ممارسة تلك الفصائل وتدخلها بحياة السكان العامة.
الدكتور أحمد الشريفي: العمليات الاستباقية التي يقوم بها الجيش العراقي، تدلل على أن خطر تنظيم “داعش” ما زال قائمًا، رغم أن ظهوره آنيًا ومفاجئًا
ويقاتل التنظيم حاليًا للعودة إلى وضعه قبل عام 2014 في العراق، وليس من أجل ما يصفه أرض التمكين، بل من أجل ترتيب أوضاعه وتعزيز مصادر تمويله الذاتي وتجنيده العناصر والتوسع بالعمليات، من هجمات تعرضية إلى عمليات نوعية، معتبرًا أن أزمة وباء كورونا صبّت كثيرًا في مصلحة داعش داخل العراق، فقد أوجدت له خواصر هشّة، على اعتبار أن القوات الأمنية انسحبت من المناطق المفتوحة وأطراف المدن نحو المناطق الحضرية المكتظة بالسكن، وهذا الخلل رصده التنظيم، وشن بناء عليه هجمات متفرقة.
من جانبه، قال الخبير العسكري والاستراتيجي الدكتور أحمد الشريفي: “إن العمليات الاستباقية التي يقوم بها الجيش العراقي، تدلل على أن خطر تنظيم “داعش” ما زال قائمًا، رغم أن ظهوره آنيًا ومفاجئًا.”
وأضاف الشريفي أن “عودة نشاط التنظيم الإرهابي جاءت بسبب عودة لعبة مصادر الطاقة، لذا عاد ظهور التنظيم بين محافظتي ديالى وكركوك، فالأولى معبرًا للطاقة، والثانية مصدرًا لها”.
تحديات أكثر تعقيدًا
منذ سقوط مدينة “الباغوز” آخر معاقل “داعش” في سوريا، أجرت الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” المتحالفة معها تعديلات على الاستراتيجية المتبعة من أجل الإبقاء على مرحلة جديدة من الضغوط على «داعش». وبعد فقدانه الأراضي التي كانت خاضعة لسيطرته، عاود بعض مسلحي التنظيم الانخراط في مجتمعات مدنية وفرّ كثيرون آخرون إلى داخل مناطق غير مأهولة ولا تخضع لسيطرة، حيث أعادوا تجميع صفوفهم فيها والإبقاء على شن أعمال تمرد.
ويرى المراقبون أن التصدي لهذه النسخة الجديدة الأكثر مرونة من «داعش» ينطوي على تحديات أكثر تعقيدًا بكثير عن قتال تنظيم إرهابي يعمل في العلن وداخل منطقة واضحة الحدود. ويتطلب التصدي لهذا العدو استغلالًا أكثر عمقًا لتكتيكات فرض القانون، وجهودًا كثيفة لجمع المعلومات الاستخباراتية، وجهود استطلاع كثيفة بالطيران، ونشر قوات مدربة تدريبًا جيدًا وتتميز بالمرونة في الخطوط الأمامية بحيث تكون على معرفة وثيقة ببيئات العمل المحلية.
ويبدو تهديد «داعش» على الجانب الغربي من نهر الفرات، داخل المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، وشكل الاستجابة له مختلفًا تمام الاختلاف. على مدار الفترة الماضي، وجد التنظيم لنفسه ملاذًا آمنًا وعمقًا استراتيجيًا داخل منطقة البادية الخاضعة لسيطرة النظام السوري – منطقة صحراوية مترامية الأطراف وسط البلاد تشكّل الكثير من أجزاء حمص وشمال شرقي حماة وجنوب الرقة وغرب دير الزور.
انحسار الشتاء وقدوم الربيع وبدء تفشي وباء فيروس «كورونا» وتقييده لقدرة التحالف الموالي للنظام على نشر قواته بفاعلية، صعّد «داعش» هجماته في البادية السورية
ومع انحسار الشتاء وقدوم الربيع وبدء تفشي وباء فيروس «كورونا» وتقييده لقدرة التحالف الموالي للنظام على نشر قواته بفاعلية، صعّد «داعش» هجماته في البادية السورية.
ووقع أخطر هجومين شنهما التنظيم في سوريا يومي 9 و10 أبريل الحالي، عندما نصب «داعش» عدة كمائن وشن هجمات عديدة ضد مواقع موالية للنظام، جنوب مدينة السخنة الحيوية لصناعة الغاز الطبيعي، ما أسفر عن مقتل 10 جنود على الأقل.
ويشير حجم ومستوى تعقيد الأحداث التي وقعت الأسبوع الماضي إلى أن الأمر لا يعدو كونه مسألة وقت قبل أن يسعى «داعش» للسيطرة من جديد على وسط أو شرق سوريا.
ومن سوريا إلى ليبيا، قال اللواء أحمد المسماري، الناطق باسم الجيش الوطني الليبي، إن “تركيا تقوم بحشد أفراد ومعدات عسكرية لتنفيذ مهمة الهجوم على مدينة ترهونة”، موضحًا أن “الجيش الليبي كشف تحركًا تركيًا لحشد عناصر للهجوم على ترهونة قبل بدء الهجوم”.
الناطق باسم الجيش الوطني الليبي: تركيا تقوم بحشد أفراد ومعدات عسكرية لتنفيذ مهمة الهجوم على مدينة ترهونة
وأضاف “المسماري” في مؤتمر صحفي، الاثنين، أن الناطق الرسمي باسم القائد العام للجيش الوطني الليبي، أكد أن وحدات الجيش الليبي تمكنت من القضاء على عناصر إرهابية، وصفها بـ “الخطيرة”، في عدة محاور في العاصمة طرابلس خلال العمليات العسكرية، مشيرًا إلى أن “أنقرة حاولت استغلال أزمة كورونا، ونقلت الأفراد والمعدات إلى طرابلس ومصراتة وزوارة، من أجل تنفيذ مهام إرهابية”.
وكان المتحدث باسم الجيش الليبي، قال إن الأتراك يقومون بحشد الأفراد والمعدات لتنفيذ مهمة الهجوم على ترهونة، ونحن ألقينا القبض على عشرات الأسرى وحصلنا على معدات تركتها الميليشيات بعد هروبها من أرض المعركة.