توقعات كثيرة تعلق الأمل على انطلاق” الثورة الصناعية الرابعة” من إفريقيا ، فإذا ماكان مقدرا أن تزدهر الاقتصاديات الإفريقية ، فإنه لابد من أن تتكيف وفقا لهذا الطرح ، وبالنسبة للحكومات ، فإن هذا يعني تهيئة الظروف للابتكار من جانب القطاع الخاص و رواد الأعمال .

sss

الثورة الصناعية الرابعة تختلف عن الثورات السابقة فهي  شاملة وانطلاقها من إفريقيا يتوقف على محو الأمية الرقمية وتنشيط ريادة الإعمال

لم يمر وقت طويل، على ظهور مصطلحات مثل “البيانات الضخمة” و”انترنت الأشياء”، و”الذكاء الاصطناعي”، والتي كانت تبدو أقرب إلى الخيال العلمي منه إلى الحقيقة، ومع ذلك تدعم هذه التكنولوجيات الخدمات والمنتجات والحلول التي تشكل “افتراضيا” كل جوانب حياتنا انطلاقا من كيفية تواصلنا، واستهلاك المعلومات، ووصولا إلى سبل توفير وإنفاق الأموال .

محو الأمية الرقمية

ويبقى على الحكومات أن تعمل على  تعزيز الاستثمار في محو الأمية الرقمية والمالية، وهي من العوامل المهمة لتمكين الأفارقة من تبني التكنولوجيات الحديثة، ومن ثم ضمان أن تكون الثورة الرقمية شاملة بقدر الإمكان، ولكن إتاحتها تظل غير متكافئة، حيث تظل بعض المناطق، خاصة إفريقيا، تكافح من أجل انتهاز فرص التكنولوجيات التي تقود الثورة الصناعية الرابعة.

قدم هذه الرؤية، كل من “بيرسيوس ملامبو”المتخصص في تكنولوجيا المال بكينيا، والذي تقوم مؤسسته بتبسيط إتاحة الخدمات المالية لمنطقة إفريقيا جنوب الصحراء، و “ليديا نجوما” الكاتبة و الناشطة الاجتماعية، وذلك في التقرير الذي نشرته مؤسسة “بروجكت سنديكت” الأمريكية، للخدمات الإعلامية .

اقرأ أيضا :”واي فاي” أحد حقوق الإنسان في إفريقيا “..والتكنولوجيا تنتشر بين شبابها

وفرق التقرير بين الثورة  الصناعية الرابعة والثورات الثلاثة السابقة بعدد من النقاط المهمة، موضحًا أن الثورات الصناعية الماضية، التي تحددت بـ “ظهور” البخار وطاقة الفحم، والإنتاج الكلي، والتكنولوجيا الرقمية، لها حدود واضحة، وكل منها يعمل على تحول مجموعة خاصة من الأنشطة بشكل منفصل.

روابط جديدة

التقرير يؤكد أن الثورة الصناعية الرابعة، على النقيض من ذلك، لأنها ستكون ثورة “شاملة” و تخلق روابط جديدة بين مختلف القطاعات، على سبيل المثال الصحة والمال وأجهزة الحاسب الآلي والزراعة أوالتغذية والنقل، حيث أن التحول واسع النطاق بين التخصصات أفضى إلى اضطراب غير مسبوق وفرص غير محدودة على ما يبدو.

واستدرك التقرير بأن هذه الفرص جرى توزيعها على نحو غير متكافئ، في حين أن الثورة الصناعية الرابعة، مثل الثورات السابقة عليها، ليست عملاقا يقوم بتحويل العالم كله في وقت واحد، موضحا أن بعض الدول خاصة التي تتمتع بمستويات دخل أكثر ارتفاعا، ونطاق أوسع من الحصول على الموارد ومزيد من “التوغل الرقمي” على رقعة أكثر اتساعا، هذه الدول تقف على حدود الثورة، بينما تتلكأ دول أخرى خلفها بمسافة كبيرة .

الابتكار وريادة الأعمال

وفي المدة الزمنية التي تحاول الدول الإفريقية الالتحاق بنظيراتها في آسيا والغرب، فإنها ستواصل خسارة فرص قيمة لتحسين الكفاءة وإطلاق النمو، و تعزيز الاندماج ودفع التنمية، والسبب في ذلك تأخر الحكومات الإفريقية في تمكين الثورة الرقمية، التي تهيئ الظروف لابتكار القطاع الخاص وريادة الأعمال .

يجب أن تعزز الحكومات الإفريقية الاستثمار في محو الأمية الرقمية والمالية لتمكين الأفارقة من تبني التكنولجيات الحديثة 

ويشير التقرير إلى أن رواد الأعمال أثبتوا قدرتهم على “الابتكار الرقمي” خاصة في مجال المال، حيث استفادوا من توافر أجهزة التليفون المحمول على نطاق واسع وسريع ، لافتاً إلى أن شركة “سافاريكوم” التي تشغل شبكة موبايلات كينية، أنشأت منصة دفع الموبايلات إم بيزا، في 2007 ، ومن ذلك الحين، رفعت المنصة ما يقدر بـ2% من الأسر الكينية من الفقر المدقع وحققت تحولا في المشهد الاقتصادي بالبلاد .

اقرأ أيضا : “أم الأمة” .. سيدات أفريقية في قلب الأزمات

وتقوم مؤسسة زازو بكينيا، بإنشاء بنك رقمي فقط، والذي يجري تدشينه في زامبيا، والذي يقدم منتجا باسم زازو 619، وهو منصة رسائل نصية مجانية تعلم الناس حقوقهم المالية، والتي وصلت إلى مايزيد على مليون مواطن في مدة تزيد على عام .

هذا الابتكار الرقمي أمر جوهري لخلق وظائف كافية لـ11 مليون شاب إفريقي، المقرر انضمامهم لسوق العمل سنويا على مدار العقد المقبل، و على كل حال يعتبر القطاع الخاص مسؤولا عن 90% من الوظائف في الدول النامية .

دور الحكومات

يستلزم علي الحكومات إنشاء بيئة أعمال داعمة، للاستفادة من أنشطة القطاع الخاص، والتي تشمل نظم الدفع ، خصوصية البيانات و حماية العمالة والمستهلك، وسياسة المنافسة، ويجب تصميمها بهدف واضح لتشجيع الابتكار وتمكين المشروعات الصغيرة والمتوسطة من النمو .

لافائدة من طرح ابتكارات واختراعات لسكان يفتقرون إلى المعرفة والمهارات التي تمكنهم من استخدامها وهو ما يحول دون تحقيق التحول الاقتصادي 

ونبه التقرير إلى أن هناك قليلا من الفائدة من طرح الابتكارات والاختراعات ، رغم نجاحاها السابق، لسكان يفتقرون إلى المعرفة أو المهارات التي تمكنهم من استخدامها، ولكن إذا تمكنت مجموعة صغيرة فقط من النخبة من الانتفاع بها، فإن التحول الاقتصادي والازدهار الذي يستند إليه على نطاق واسع ، سوف يظل بعيد المنال .

اقرأ أيضا :الاتحاد الأوروبي يطرح أسس استراتيجية الجديدة للشراكة مع أفريقيا

وشدد التقرير على ضرورة قيام الحكومات الإفريقية بالاستثمار في البنية التحتية الرقمية، قائلا إن النفقات المبدئية ستكون كبيرة، ولكن العوائد ستكون أكبر بكثير.

ونبه إلى أن إفريقيا لا يمكن أن تستمر في اعتمادها على الصناعات الاستخراجية و التصنيع ذي القيمة المضافة المنخفضة، قائلا :” الثورة الصناعية الرابعة هنا، فإذا ما كانت الاقتصاديات الإفريقية تريد الازدهار، فيجب أن تتكيف وفقا لذلك، وهو ما يعني خلق هياكل اقتصادية قانونية وضمان الترابط بشكل موثوق ، و التمكين من الوصول إلى الابتكارات الرقمية اليوم وغدا” .