ظلت السطور المصاحبة للدكتور سعد الدين إبراهيم، تحمل الكثير من الشغب والتعبيرات القوية، لينتج عنها الكثير من الأزمات على مستويات عدة، دفع هو شخصيًا ثمنًا لبعضها.

المدير السابق لمركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، والذى يعد أهم مؤسسي الحركة المصرية الحديثة للمجتمع المدني، مما جعل له دورًا مهمًا في أبرز قضايا المجتمع المصري، وفتح ملفات حيوية والطرق على الأبواب المغلقة، مما جعله وجهًا بارزًا ضمن المعارضة في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، وتسبب ذلك في سجنه لفترة بتهمة الإساءة لسمعة مصر والحصول على أموال من جهات أجنبية، بخلاف أزمات أخرى نتيجة التعبير عن آرائه، مما جعل اسمه مرتبطًا دائمًا بالقضايا والمواقف الصدامية، فضلًا عن نشره مذكراته التي طرح فيها تفاصيل مهمة في حياته
عن المجتمع المدني والسياسة وأمريكا والرؤساء والإخوان والمجتمع المصري.
“مصر 360” التقت المفكر البارز، الذي كشف لنا أسرارًا كثيرة عن فترات عصيبة مرت بها مصر، وكان هو أحد وجوهها الحاضرة بقوة، فإلى نص الحوار..

sss

الحقوقيون أكثر من تعرضوا للسجن

كنت في مكتب أوباما عندما اتخذ قراره بدعم ميدان التحرير

أتحدث مع الجن الأزرق.. والمستقبل للمصريين وليس الحكام

رجال الأعمال عليهم ” واجب وطني” يجب سداده للشعب

الشاطر طلب دعم الغرب وكنت همزة الوصل بين الإخوان وسفراء الاتحاد الأوروبي

 

بداية.. كيف ترى المشهد السياسي المصري فى 2020؟

هناك انشغال بكوارث وأزمات مثل كورونا، الجديد أن النظام والرئيس تعاملوا مع الأزمة بكفاءة غير متوقعة، والشعب المصري تعامل بطريقة جيدة أيضًا، الخلاصة أن النظام والشعب توافقا في هذه الجائحة، وتناغما مع بعض للمواجهة، وهو أمر يُحسب للشعب بالأساس، لأنه يدرك متى يترفع عن كل الخلافات الداخلية أو المطالبات الفئوية، رب ضارة نافعة، ولكن كورونا كشف عن بعض العادات السيئة في المجتمع، مثل استغلال بعض التجار للكسب المبالغ فيه، وهو ما رأيناه في ملاحظات منها ارتفاع أسعار الكمامات ومصانع “بير السلم” واستغلالها، في الوقت الذى نجد الناس في حالة تحفظ ورعب.

كما اختفت بعض الأصوات المعارضة التي كان مسموحًا لها بهامش معارضة، ليس فقط حركة الإخوان المسلمين والسلفيين.

شهدت الإسكندرية مؤخرًا مسيرات تزامنًا مع ظهور “كورونا”.. فما رأيك في ذلك؟

ما ظهر يدل على أن السلفيين هم الاحتياطي النائم لحركة الإخوان المسلمين، في وقت المتخصصين “اللي زيي” كانوا يفرقون بينهم وبين الإخوان، ومن الواضح أنه كان تخطيطًا سواء بعيد المدى أو عميق من الإخوان، أن يكون لديهم هذا الاحتياطي من السلفيين، وربما كان أصحاب التيار السلفي على بعد مسافة محسوبة معهم ليظهروا في الوقت المناسب، والدليل كان مسيرات الإسكندرية التي خرجت بسبب كورونا، وقامت بالتكبير في الشوارع، أرى ذلك بتدبير من الإخوان المسلمين، من يشاهد بعض الفضائيات مثل الشرق يتأكد من ذلك، لأنهم يسلطون الضوء عليها بشكل مبالغ فيه.

بعد ثورة 30 يونيو دعوت للمصالحة مع الإخوان.. ما ملابسات هذه الدعوة؟ وهل ما زلت عند رأيك؟  

كانت دعوة للمصالحة بين كل أطياف العمل العام، يساريين أو علمانيين أو إخوان، والظرف الذي طرحت فيه المبادرة كان يستدعي توحد الجبهة الداخلية إلى حد كبير، لكن دعوتي استغلتها الجماعة، وكنت قد قدمتها لخدمتها، ولم أكن أرغب وقتها بالدخول في مهاترات معهم ومع كذبهم، وفتح معركة فتركتها تمر.

هل جلست مع أطراف مشتركة وقتها؟

ما حدث أن الإخوان المتواجدين بتركيا، انتهزوا فرصة حضوري مؤتمرًا علميًا في اسطنبول وتواصلوا معي على هامش المؤتمر وطلبوا الجلوس معي، ولم أرفض التواصل مع أحد.

“السيسي” الآن يشكر المجتمع المدني على وقفته في الجائحة، وهو تغير كيفي في نظرة رئيس الدولة

الناشط أحمد سميح كتب حينها “اختيار الرئيس السيسي يعني أن أي حوار مفتوح بين الأجهزة وبين الإخوان انتهى”.. هل مازالت هناك حوارات معهم؟

أنا كداعية للمجتمع المدني لا أغلق باب الحوار مع أي طرف، أتحدث مع إسرائيليين وأكراد وحتى مع “الجن الأزرق”، ولدينا في مركز ابن خلدون لافتة كُتب عليها “منبر من لا منبر له”، وهي رسالة عرضتني أنا شخصيًا لأهوال وسجون وفقدان لصحتي، لكن إيمانًا مني أن الحاضر والمستقبل ليسوا حكرًا لأحد، لا السيسي ولا الإخوان ولا السلفيين ولا الماركسيين، إنما للمصريين جميعًا.

لا أغلق الباب أمام أي صوت يريد الحوار معي، ودعوة عامة للجميع بالحوار مع الجميع، وأزمة كورونا جعلت أعدى أعداء النظام العالمي يتحدثون مع بعضهم البعض.

 

هل كنت همزة الوصل بين الإخوان و الغرب في فترات سابقة؟

إلى حد ما، كان يجاورني في السجن عدد من قيادات الإخوان، منهم خيرت الشاطر، وكان يأتيني في الزيارات زائرون من جميع دول العالم، سفراء المجموعة الأوربية كانوا يتبادلون زيارتي، كل أسبوعين يأتيني منهم سفير للزيارة، وكانوا يسألونني عن أحوالي الشخصية، وقد أصبت بشلل جزئي في السجن واستخدمت كرسيًا متحركًا في تلك الفترة، وكنت في عنبر محدود وليس عنبرًا عامًا، جاورني فيه رجال الأمن المحكوم عليهم، وقضاة، ورجال أعمال فكان له خصوصية ملفتة، والفرصة الوحيدة التي أرى فيها المساجين الآخرين كانت خارج العنبر في صلاة الجمعة، ومن كان يريد الحديث معي منهم كان يجلس بجانبي في الصلاة، وبعد الانتهاء يمسك بيدي ويكلمني، لأنه كان دائما بجانبي حارسان لمنع أي تواصل معي، كنا في سجن مزرعة طرة، وكان به 5 عنابر، الإخوان في عنبر رقم 3، وأنا في عنبر 5 أو 6، وبدأ يصلني كلام ينشره الإخوان في السجن بأن الأمريكان والأوربيين لديهم ازدواجية خطاب، وأنهم منافقون، بدليل أن “الخلدونيين” وهم أقلية، يعاملون معاملة خاصة، حيث كنا 15 شخصًا محبوسين من مركز ابن خلدون، في حين أن الإخوان 150 شخصاً في السجون، والأوروبيون لا يهتمون بهم، فأخبرت السفير الكندي الذى كان عليه الدور لزيارتي بما يقال، فأخبرني باستعدادهم لزيارة الإخوان شريطة إعلان موقفهم من الديمقراطية وقضايا المرأة وحقوق الإنسان وحرية التفكير والإبداع، فطلب مني بأن يخبرهم خيرت الشاطر بموقفه من تلك القضايا، وسيقومون بنقل موقفهم للغرب وهو ما حدث.

وماذا كان رد خيرت الشاطر؟

كان رده أنهم مهما فعلوا لن يحبونهم واستشهد بآية قرآنية، ووقتها الحكومة المصرية رفضت مقابلة السفراء للإخوان داخل السجن، وعرف الإخوان رفض الحكومة فصمتوا.

ومرت الأيام، وبعدها برأتني محكمة النقض، وكنت على وشك الخروج، وكان هناك تقليد في السجن، أن من أنهى مدته يقوم المساجين بعمل زفة له أو احتفال، وإدارة السجن كل ما يهمها الأمن والنظام في السجن، فكانت تسمح بهذا، ولحظتها كل من يريد منك شيئًا يخبرك به، رسالة لشخص بالخارج، أو أمانة ترسلها، الإخوان طلبوا مني وقتها تنسيق لقاء مع السفراء الأوربيين مع زملائهم من الإخوان خارج السجن ووافقت.

متي اتصلوا بك بعد خروجك؟

ثالث يوم الإفراج عني اتصل بي عصام العريان، والذي كنت ألتقيه بشكل دائم، لأني كنت نقيب الاجتماعيين وهو في نقابة الأطباء القريبة من نقابتنا وهنأني على الخروج وقال لي: “بلغنا أنك وعدت بتنسيق حوار بينا وبين السفراء الغربيين، ووعد الحر دين عليه، هل ما زلت عند وعدك؟”، فطلبت منه فرصة لتجهيز اللقاء ووافق وقد كان.

زوجتي أخبرت أوباما أن المتواجدين في ميدان التحرير هم الشباب الذين تحدثت إليهم وقت زيارتك لمصر

وما الذي دار في اللقاء؟

كان اللقاء داخل النادي السويسري ليكون محايدًا بدلا من السفارة الأمريكية، واقترحت حضور جمال البنا للاجتماع، لأنه عضو مجلس أمناء ابن خلدون وأنا احترمه جدًا، وكان شجاعًا وعالمًا ومفكرًا ومجددًا، لكنهم رفضوا وقالوا لي: “لا يجلس معنا، يجلس معكم”، لأنه ناقد لهم وله مصداقية وغير قادرين على مهاجمته لأنه شقيق المؤسس حسن البنا، وغير قادرين أيضًا على الصبر عليه، وتمت اللقاءات 3 مرات بين كل منها أسبوع، هذا ما أخرج فكرة توصيل الإخوان بالغرب عن طريقي، وقتها كانت سفيرة أمريكا مارجريت سكوبي.

هل ما زلت على تواصل معهم؟

لا، آخر تواصل بينهم كان في اسطنبول، وطلبوا حوارًا معي من إسطنبول، وقناة الشرق أجرت معي حديثين، ومداخلات على الهواء، لكن لأنني داعية من دعاة المجتمع المدني أفضل الحوار ولا أرفضه.

هل كانت تريد أمريكا اعتلاء الإخوان للحكم في مصر؟

لا، ما حدث أنه في عهد مارجريت سكوبي صرحت بأن القوة الوحيدة المنظمة في مصر هي الإخوان، وكانت صادقة، الأحزاب إما ضعيفة أو أقلية أو كرتونية أو حزب وطني مرتبط بالحكم، وبالتالي كان منطقي الأمريكان يهتمون بالإخوان، وللعلم الأمريكان  يتحالفون مع الشيطان لأن مصلحتهم رقم واحد.

كنت تدرس مادة الحركات الاجتماعية والتي جوهرها أن الحركات الثورية الراديكالية التي تبدأ مسيرتها بالرفض والعنف تعتدل تدريجيًا حين تصل إلى السلطة.. على من تنطبق هذه النظرية في رأيك؟

تنطبق على الإخوان، فكلما اقتربوا من الحكم كانوا يعتدلون، لهذا سمح لهم السادات بالمشاركة الجزئية، ولذلك الانتخابات التي خاضوها فيما بعد كان عدد نوابهم في زيادة في مجلس الشعب، آخر عدد لهم قبل الثورة 81 مقعدًا، وخطابهم أيضًا كان ظاهرًا أنه معتدلًا، وحديثهم عن التعددية والديمقراطية.

كيف ترى ملامح العلاقة بين قطر والإخوان.. وما حقيقة أن الدوحة لا يمكنها السيطرة عليهم لديها؟

بالفعل نتيجة وجودهم في قطر توترت العلاقة بين القاهرة والدوحة، حين عرضت على قطر استضافتي في فترة سابقة  سألت وقتها عن وجود الإخوان وجذورهم في قطر ، فعلمت الآتي: أول مواجهة بين عبد الناصر والإخوان هرب منهم عدد كبير، جزء منهم سافر إلى السعودية، ووقتها كان هناك صراع بين مصر وإسرائيل وقت الملك سعود، وهم لديهم القدرة في أي مكان على تنظيم أنفسهم والتغلغل في المؤسسات، وهذا ما حدث في السعودية وقتها والكويت وقطر أيضًا، وحين حدث تقارب جزئي بين مصر والسعودية بعد هزيمة 67، وقت الملك فيصل كان جزء من الاتفاق تحجيم الإخوان، وكانوا يختارون مؤسسات التربية والتعليم، والأوقاف، والاقتصاد.

وما هي علاقتك بالشيخة موزة والدة أمير قطر؟

كانت تلميذتي في الجامعة الأمريكية، لمدة سنة، وكانت ابنة أحد المعارضين، وبعدها تزوجت من أمير قطر السابق، وهي متعلمة ومثقفة وواعية، وتكاد تكون هي التي تدير قطر، تزوجت الأمير الذى انقلب على والده، طلبت مني الشيخة موزة الذهاب بغرض الاستفادة والمشورة، وقالت: “نحتاج إلى إنشاء مؤسسات جديدة”، وأي شخص يطلب مني المساعدة لا أتردد، وقالت لي وقتها إن الإخوان حين أتوا إلى قطر منذ عشر سنوات، اخترقوا المؤسسات الثلاثة التعليم والإعلام والاقتصاد، وبدأوا يجندون قطريين، وبالتالي لا يمكن طرد المواطنين من أهل البلد، خاصة أنه بلد قبلي.

ما هو تقييمك لتعامل النظام مع ملف حقوق الإنسان قبل ثورة يناير والآن؟

ملف حقوق الإنسان للأسف الشديد تديره وزارة الداخلية بالأساس، ولديها طريقة بأن توحي للحاكم دائمًا أنه تحت خطر محدق، وهي الحامي الوحيد له من هذا الخطر، والإخوان يمثلون فزاعة من تلك الفزاعات ويمكن استخدماها في أي وقت، والفزاعة يتم التحكم فيها بغلقها أو فتحها لضمان مكان الجهاز الأمني، الآن تغير الملف، عدد الحقوقيين الناشطين أصبح أقل بكثير، الحقوقيون غير الخاضعين للسيطرة يضعونهم في السجن، وما يحدث هو أن يتم القبض على عدد كبير من الناس، وبحكم القانون أي شخص مشتبه فيه يمكن القبض عليه بسهولة، والحبس هنا يختلف عن السجن، لأنه يبدأ بـ 4 أيام تحت ذمة التحقيق وفى اليوم الرابع إما يفرج عنك أو يجدد الحبس لمدة 3 أسابيع، وفي نهاية الأسابيع الثلاث، إذا لم توجه لك اتهامات ولم يتم إدراجك على ذمة قضية، فإنه يتم التجديد ويظل هذا سيفًا مسلطًا على رقاب المعارضين.وفى حالة التقديم لمحاكمة عسكرية أمن دولة عسكري، حقك في الدفاع يكون محدودًا جدًا، وهذه هي طرق معاملة الحقوقيين، وأعلم أنهم مؤخرًا أفرجوا عن الكثيرين.

لماذا هناك صورة نمطية عن المجتمع المدني بأنه عميل وضد مصالح الدولة؟ وكيف تتغير هذه الصورة؟

الصورة لن تتغير، وهي فزاعة أيضًا للنظام، كما أنه يبررها فيبدأ باتهامهم بالعمالة والتمويل من الخارج، والذهن يذهب دائمًا إلى العمالة لأمريكا، في قضيتي إحدى التهم كانت أنني تلقيت مساعدات من أمريكا، وواقع الأمر أنني لم أتلقى منها مليمًا واحدًا، التمويل كان من الاتحاد الأوروبي، لأن وسائل الإعلام لا تقول الحقيقة رغم أنه في الحقيقة أن النظام هو أكبر متلقي للمساعدات من واشنطن، أنا تلقيت تمويلًا من نفس الجهات التي تتلقى منها الحكومة المصرية، لو هذا معناه العمالة من الخارج إذن النظام أكبر عميل، وكتبت ذلك حينئذ.

هل المشكلة في حالة العداء بين الطرفين؟ أم المشكلة في الدولة فقط؟  

الجانب الأضعف هم الحقوقيون، السلاح الوحيد هو قلمهم، بعد عشرين سنة من مشاهدة المسرح كله، قد تجد أنك مؤثر ولكن في الحقيقة كل ما تملكه هو لسانك وقلمك وضميرك، إنما يظل كل هذا شيئًا لا يذكر بالقياس إلى قوة ومؤسسات الدولة، في الخارج صوتك وتأثيرك مسموع أكثر، وتأثيرك على المؤسسات الديمقراطية خارج مصر أقوى.

وما هي البدائل لتغيير هذه المعادلة؟

هل تعلمين أن كلمة مجتمع مدني كانت “كخة” منذ عشرين عامًا، أتذكر في إحدى دورات معرض الكتاب، تم إجراء حوار بين رئيس الدولة والمثقفين، وفي أحد هذه الحوارات قلت لـ مبارك: “لابد أن تسمحوا بهامش أكبر من الحرية للمجتمع المدني، فرد عليّ فورا قائلًا: “ليه والعسكريين مالهم”؟

رئيس الدولة اعتبر كلمة مدني كما لو كانت ضرب في العسكريين، كلمة مدني وفهمه في ذلك الوقت إنها ضد العسكريين، لذلك داومت على المطالبة بتغيير قانون الجمعيات حتى تغير.

ما رأيك في قانون الجمعيات الأهلية حاليًا؟

أفضل كثيرا، “السيسي” الآن يشكر المجتمع المدني على وقفته في الجائحة، وهو تغير كيفي في نظرة رئيس الدولة، وهو يعني الكثير.

هل يمكن استغلال هذه الفرصة وإعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني ليكون شريكًا؟

بالطبع، هناك الثلاثية الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، والأخير أضعف ضلع في المثلث، وهو كلام مبني على حقائق في علم الاجتماع والتنمية، في جميع الدول التي انطلقت الفترة الماضية كان المجتمع المدني شريكًا فيها، هناك رأس مال اجتماعي، ومن ساعد في تطوير جنوب شرق آسيا هو المجتمع المدني، وجعلها نمورًا آسيوية.

الشيخة موزة كانت تلميذتي في الجامعة الأمريكية، وطلبت مني إنشاء مؤسسات جديدة في قطر

ما تقييمك لدعم الإدارة الأمريكية لنظام “مبارك” فترة طويلة؟ وتغير موقفه في 2011؟

منذ عصر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، لجأ عدد من الإخوان إلى أمريكا الساحل الغربي تحديدًا، وكالعادة نظموا أنفسهم، وانتهجوا سياسة الوقوف مع المرشحين الأمريكيين، وكان لهم تأثير في المشهد.

ولكن هل يمتلك الإخوان المسلمون القدرة على تغيير سياسة دولة بكاملها تجاه دولة أخرى؟

من لا يعرف أمريكا لا يستوعب ما يحدث، حين يكون لديك جالية مصرية مكونة من 10 آلاف إلى 20 ألف شخص، كل شخص فيهم يساوى 100 أمريكاني فيما يتعلق بقدرته على التنظيم، الإخواني لديه أجندة مختلفة، حيث يساعد مرشح الدائرة تنظيميًا ويتطوع لحملته ويتبرع، وكل شخص مرشح في أمريكا لأي منصب سياسي له أتباع على الأرض، وهم لديهم قدرة على الحشد والتنظيم، والمرشح يسجل أي تبرع، حتى لو دولارًا واحدًا ويكون لمن وقف بجانبه أولوية في كل شيء، وهذا ما أثر على “أوباما”.

ما هي وجهات النظر التي طُرحت وقت اجتماعك مع مسئولين أمريكيين خلال فترة مظاهرات ميدان التحرير والتي ذكرتها في مذكراتك؟ وإلى أي الآراء كانت واشنطن تساند “مبارك”؟

ما حدث نتيجة التقارير التي رفُعت لأمريكا من سفارتها بمصر، أن الإخوان هم القوة المنظمة داخل المظاهرات، حدثت الثورة في تونس وبعدها بـ6 أسابيع اندلعت في مصر، تعاملوا مع المسألة بجدية تامة، كنت وقتها أحاضر في أمريكا، وكتبت أن الأمريكان ساعدوا القوة الديمقراطية في شرق أوروبا وشرق آسيا وأمريكا اللاتينية وغيرها، لكن في مصر لا، وبالتالي كانت دعوة بأن يكونوا أكثر تعاطفًا وتأييدًا لنا، بعد مظاهرات يناير كنت أدرس في جامعة هارفارد، وكنت أعرف أحد أعضاء مجلس الأمن القومي الأمريكي، وكان صديقًا لي، وهو أيضا مهتم بملف الديمقراطية في العالم الثالث، وحين بدأت الأحداث تواصل معي وطلب مني الحضور إلى البيت الأبيض لأنهم في حاجة إلى المشورة لمعرفة كيفية التعامل مع الأوضاع، وكنت وقتها في جامعة هارفارد وركبت القطار السريع ووصلت إلى واشنطن، ودخلت البيت الأبيض وفى نفس التوقيت كانت زوجتي في القاهرة بالتحرير داخل أحد الفنادق السياحية تنظم مؤتمرًا حقوقيًا، وحين وصلت البيت الأبيض قدمني مستشار الأمن القومي وسألوني عن قراءة لما يحدث، فقلت إن المعلومات من خلال شاهد عيان وهي زوجتي وطلبت منها النزول للميدان لرؤية المحتجين، وواضح أنه كانت هناك مقدمات لما حدث في التحرير، منها مظاهرات صغيرة في السابق لكنكم لم تقرؤها جيدًا، ومنذ أيام حرب الخليج الأولى الناس تخرج في مظاهرات محدودة لكنها زادت.

ماذا كان السؤال الأساسي لديهم؟

نقف مع “مبارك” أم مع المتظاهرين؟ في ظل الحديث عن تحالفهم معه، فقلت إنكم وقفتم مع مبارك 30 سنة، لتقفوا مع النشطاء ومطالبي الديمقراطية ولو لسنة واحدة، لحظتها دخل أوباما الذي لم يكن متواجدًا من البداية، نائب الرئيس قدمني له وكان سؤال أوباما “من الذين يتواجدون في ميدان التحرير؟”، فأخبرته أن زوجتي داخل الميدان سأتصل بها وأسالها بنفسك، وبالفعل حدث ذلك، وقالت له زوجتي: “أنا من ضمن ناخبيك الأمريكان”، وسألها نفس السؤال مرة أخرى فأخبرته بأنهم الشباب الذين تحدثت إليهم وقت زيارتك لمصر منذ سنتين، وطلبت منهم أن يهبوا من أجل الديمقراطية وهو ما فعلوه فلا تخذلهم، فسأل هل هم إخوان مسلمين؟ فقالت له لا، ونصحته بالتعاطف معهم وتأييدهم، فسألها هل يهتفون ضد أمريكا؟ فأجابته بـ لا حتى الآن، ولكن إن لم تؤيدهم قد يفعلون وأنا معهم، وسألها هل هتفوا ضد إسرائيل؟ فقالت لا، وأن لديهم مطالب عادلة ومعقولة، وأنهى المكالمة بدعابة أن زوجك سيكون هنا رهينة لتعطينا تقريرًا يوميًا عما يحدث في ميدان التحرير.

ما هو تقديرك للموقف الأمريكي والتردد الذي رافقه؟

كان لديهم تخوفات ووضعوا النموذج الإيراني أمام أعينهم، لو تخلينا عن مبارك كما فعلنا مع إيران وتحولت القيادة للإسلاميين، ففكروا بشكل جيد في أي الصفوف ستقف أمريكا، وهو ما أخبرني به أوباما  بأنه لا يمكن التسرع كما حدث من قبل، وأنه لابد من دراسة الموضوع.

هل ترى في يناير أخطاء جعلت النتائج مختلفة؟

حين طلبت مني زوجتي الحضور إلى ميدان التحرير بالفعل عدت فورًا على طائرة، وحين أقلعنا من أمريكا أعلن الطيار في الميكرفون أن مبارك تخلى عن الحكم، وكانت لحظة احتفال كبيرة داخل الطائرة وتحولت الرحلة إلى سيمنار عن مصر وما يحدث فيها، وخرجنا ووصلت إلى الميدان فورًا وكانت الشوارع في حالة فرح، وبقدر فرحتي شعرت بالخوف، فلا توجد قيادة ولا تنظيم ولا تصور لما سيأتي بعد ذلك، وكتبت يومها مقالًا عنوانه “ثورة مصر في خطر” وقلت إنه يمكن اختطاف الثورة، وأن أول جهة يمكن أن تختطفها هي الإخوان، والثانية أنصار مبارك والحزب الوطني، والثالثة اليساريين.

هل هناك شروط للثورات الناجحة؟

بالتأكيد، يجب أن تكون هناك قيادة، وكوادر، وأن تحل محل النظام الذي تم إسقاطه ببرنامج وفكر.

هل شعبية الرئيس السيسي تزيد وتقل؟ أم هي ظروف متحركة؟ وما السبب في رأيك؟

بالطبع تزيد وتقل، أهم شيء ظروف المعيشة، لديك في أي شعب، الأغلبية تكون من البسطاء، ومتوسطي الحال، والفقراء، إذا لم يكن أداء النظام يلبي احتياجات الشرائح المختلفة يجعل شعبية الرئيس أقل، لأنه لا يلبي تلك الاحتياجات، أما الشريحة المتعلمة التي عادة ما تقود الشرائح الأخرى فتكون احتياجاتها مختلفة، فهم لديهم رغبة في المشاركة والإصلاحات السياسية التي يتصورونها أكثر عمقا، ويخلق هذا سباقًا بين من يحكم وبين تلك الشرائح والشرائح العليا لكسب الشرائح الدنيا، والترمومتر يقل ويزيد طبقا للحوار بين الثلاثة.

كيف ترى أداء رجال العمال المصريين في ظل أزمة كورونا؟

أداؤهم أقل من المتوسط، كان يجب عليهم إعلان حملة تبرعات بجزء من ثرواتهم للخزينة العامة للمساعدة في الجائحة، ولكن هذا لم يحدث، وأكثرهم وعيًا في تقديري هو نجيب ساويرس، وأعتقد أنه مطالب بجانب اثنين آخرين من رجال الأعمال بالمساهمة في الحملة.

كتبت مقالًا عن كتاب الدكتور على الدين هلال “الانتقال للديمقراطية” وأشدت بأفكاره.. كيف ترى الديمقراطية في مصر؟

في رأيي أن مصر في أفضل حالاتها للتحول الديمقراطي، الناس وعيهم أعلى، الجميع يتحدث في السياسة، من بائع الخضار لأعلى شخص، الاهتمام بالشأن العام في القرية كبير، والحديث في السياسة والرأي العام ممهد.