فيروس كورونا المستجد، المسبب لمرض كوفيد 19، كان بمثابة الكارثة التي حلت على سوق النفط الأمريكي، مسببًا انهيارًا تاريخيًا في الأسعار، إذ هبط سعرالبرميل إلى سالب 37 دولارًا، وهو أدنى مستوى له منذ عام 1983، ولكن إلى أي مدى ستكون تأثيرات هذا التطور على الأسواق بالخليج ومصر؟
sss
ومنذ بداية العام، تراجعت أسعار الخام بأكثر من 80%، أو 50 دولارا للبرميل، بفعل التداعيات الناجمة عن تفشي الفيروس التاجي وانهيار اتفاق “أوبك +” الشهر الماضي، قبل تدارك المنتجين للأمر هذا الشهر، وإقرارهم حصة خفض تاريخية، لكن يرى المحللون أن الاتفاق جاء متأخرًا ما سمح بتمرير كميات ضخمة من المعروض إلى السوق.
وتزامن هبوط النفط الأمريكي مع ضغوط جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي وتهديدها بمحو عقد كامل من نمو الطلب، وتسببها في تسريح الملايين من وظائفهم، ومحو مئات مليارات الدولارات من القيم السوقية للشركات.
من جانبه، أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أن إدارته ستدرس وقف استيراد شحنات نفط من المملكة العربية السعودية، وذلك بعدما هبطت أسعار النفط الأمريكي، الاثنين، بشكل غير مسبوق، مؤكدًا أنه سيستفيد من الهبوط في زيادة مستوى المخزون الاستراتيجي من النفط الخام لحالات الطوارئ.
وتعتبر الولايات المتحدة هي أكبر منتج للنفط الخام في العالم، بمتوسط إنتاج يومي يبلغ 13 مليون برميل، وهي أيضًا أكبر مستهلك له، بمتوسط يومي 15 مليونًا، مقارنة بـ 19 مليونا قبل تفشي فيروس كورونا.
أسباب الانهيار
ويعود السبب المباشر وراء هبوط النفط الأمريكي إلى تفشي فيروس كورونا، وما رافق ذلك من سياسات الحظر والإجراءات الاحترازية، حيث قل الطلب على المعروض ما تسبب في وجود فائض هائل من الإنتاج، ذلك بجانب إيقاف الصين، والتي هي مركز الوباء، لمصانعها ما تبعه توقف الإمدادات النفطية ونقص الطلب عليها، بحسب الدكتور فخري الفقي، عضو مجلس إدارة البنك المركزي المصري، والمستشار السابق لصندوق النقد الدولي.
أزمة كورونا وضيق الوقت دفعا منتجي النفط إلى الإسراع في التخلص من إنتاجهم الحالي وحرق الأسعار وهو ما أدى إلى هذا الانهيار، لكن رغم ذلك فإن حالة التعافي التي شهدتها الصين مؤخرًا قد تساعد المنتجين على زيادة العرض، ما يعني ارتفاع محدود وعلى مراحل لأسعار النفط، يضيف الخبير الاقتصادي.
وقالت “رويترز” إن البائعين يضطرون إلى الدفع للمشترين لاقتناء العقود الآجلة للنفط الخام الأمريكية، وتنقسم عقود النفط الآجلة إلى عقود فورية، وعقود طويلة الأمد، وعقود قصيرة الأمد.
بينما نقلت وكالة بلومبرج” الأمريكية، عن فاندانا هارى، مؤسس مجموعة فاندا انسايتيس بسنغافورة قوله “إن مستوى الأسعار الحالية يبلور عجز اتفاق تحالف “أوبك بلس” بشأن خفض الإنتاج عن تعويض الانهيار المسجل فى معدلات الطلب لتظل أسواق الطاقة تحت رحمة فيروس كورونا المستجد”.
وأظهرت بيانات صادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية الأسبوع الماضى، ارتفاع حجم المخزونات الأمريكية بنحو 48% إلى 55 مليون برميل منذ نهاية شهر فبراير المنصرم، مشيرة إلى أن السعة التخزينية بمراكز تخزين الخام تستوعب 76 مليون برميل كحد أقصى حتى 30 من سبتمبر المقبل.
وباتت عين المستثمرين الآن على واشنطن، حيث يعمل الكونجرس والبيت الأبيض على التوصل إلى خطة إنقاذ اقتصادية بقيمة 450 مليار دولار مخصصة للأعمال التجارية الصغيرة تضاف إلى تريليونات الدولارات التي أطلقت لدعم الاقتصاد.
بوادر حرب عالمية
واشتعلت الأزمة بين السعودية وروسيا، بعد رفض الأخيرة اقتراح المملكة بتخفيض إنتاج النفط بنحو 1.5 مليون برميل، لمواجهة تأثير تفشي الفيروس على الأسواق، وهو ما أعقبه حدوث حرب أسعار نفطية أحدثت انهيارات كبيرة في أسعار البترول، ووصفت بأنها “النسخة النووية من حرب الأسعار”.
ورغم توسط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بين روسيا والسعودية، والتوصل إلى اتفاق آخر في بداية الشهر الجاري، ينص على خفض المجموعة 10 ملايين برميل يوميًا في شهري مايو ويونيو، على أن تتقلص هذه التخفيضات إلى 8 ملايين برميل يوميًا حتى نهاية 2020، إلا أن الأمر بدا وكأنه غير كاف لتغيير الوضع الراهن.
فرغم اتفاق “أوبك +” الأخير، إلا أنه لن يحدث فارق كبير، فالعالم يوجد فيه بالفعل الكثير من الخام وهو فائض أكبر مما يمكن استهلاكه، كما أن الأمر لا يتوقف فقط على عدم قدرة العالم على استهلاك هذا الكم من الخام، ولكن الأزمة الأكبر هي أنه لا يمكن تخزينه حتى يتم تخفيف القيود الاقتصادية الراهنة.
“خطر يلوح بالأفق”.. هكذا وصف الخبير الاقتصادي، الأوضاع العالمية في ظل تراكم براميل النفط بشكل غير مسبوق، وعدم ملائمة المساحات العالمية لتخزين هذا الكم الهائل بشكل يومي، بجانب الكساد المتوقع الذي تعيشه الولايات المتحدة في الفترة المقبلة، وانحسار دروها في المنطقة، مضيفًا: “يبدو أن المنطقة مُقبلة على تصعيد من نوع آخر وبوادر حرب عالمية اقتصادية”.
دول الخليج
في مارس المنصرم، قالت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، إن انهيار أسعار النفط سيفرض ضغوطًا على المالية العامة الحكومية في منطقة الخليج.
وبعد ساعات على إعلان انهيار أسعار النفط، انخفضت تعاملات سوق “تداول” في السعودية بنسبة 2.1 بالمئة، ورغم تحقيق السوق بعض المكاسب إلا أنها لم تخرج من دائرة الخسارة، كما انخفضت سوق سهم أرامكو، بأكثر من 1.8 في المئة، بينما تراجعت مؤشرات الأسواق في دبي وأبوظبي وقطر والكويت بين 1 و2,5 في المئة، حسب ما ذكرته وكالة”فرانس برس”.
بينما أكدت صحيفة “سبق” السعودية أن تراجع العقود الأخيرة لا يمس الخليج بشكل مباشر، بسبب الاختلاف بين السعر في خام برنت الذي يخص النفط المنتج من أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط، وبين خام غرب تكساس الوسيط الذي تراجع بشكل كارثي.
لكن الخبير الاقتصادي يوضح أن دول الخليج ستتأثر بشكل مباشر، ما سيدفعها إلى تأجيل بعض مشاريعها الضخمة في الفترة المقبلة، كما أنه سيؤثر بشكل أو بآخر على عدد العمالة في البلاد ومصيرها في ظل استمرار قلة الطلب وعدم التوصل إلى علاج فعال للفيروس القاتل.
وأضاف “الفقي” أن بعض دول الخليج قد تفكر في التعويض عن الخسائر التي تلاحقها بفرض ضرائب أو تخفيض العمالة، موضحًا أن الحلول السابقة قد يتأخر تنفيذها قليلًا، إلا أن ما سيتم تطبيقه في الوقت الراهن هو تخفيض الإنتاج والبحث عن حلول مشتركة وتعاون مع منافسيهم.
ويشير تقرير لصندوق النقد الدولي، إلى أن دول الخليج تنفق أكثر بكثير مما تسمح به أسعار النفط المنخفضة، ما سيؤدي إلى نفاذ الاحتياطي النقدي في غضون 15 عاما، وفق ما نقلته صحيفة “ذا تايمز” البريطانية.
ونتيجة لظروف جائحة كورونا، وتراجع مداخيل السعودية من النفط وكذلك من السياحة الدينية، قامت السعودية قبل أيام بخفض الإنفاق في ميزانيتها الحالية بـ5 في المئة، بما يقارب 13.3 مليار دولار.
هل تتأثر مصر؟
يرى عدد من الخبراء أن أسعار المحروقات في مصر لن تتأثر بهبوط سعر النفط الخام الأمريكي، نظرًا لأنها لا تستخدم الخام الأمريكي في معاملها، ولكنها تستخدم خام البرنت الذي يواصل سعر البرميل استقراره من 20 إلى 22 دولارًا، وبالتالي فإن أسعار البنزين والسولار وغيرها لن تتأثر.
وأوضح سمير رزق، الخبير البترولي، أن هبوط سعر النفط الأمريكي سيكون له تداعياته ليس فقط على الولايات المتحدة ولكن على مجال الطاقة في العالم، وذلك إذا استمرت هذه الأزمة لأشهر قادمة، إلا أن الوضع يختلف بالنسبة إلى مصر، نظرًا لعدم استخدامها النفط الصخري، ولكن يقع الضرر على مجال الغاز الطبيعي الذي سيتأثر سلبًا”.
الحكومة المصرية أعلنت قبل أيام تخفيض أسعار البنزين بكافة أنواعه، وبحسب الأسعار الجديدة، انخفض سعر بنزين 80 إلى 6.25 جنيهات للتر، بدلًا من 6.5، و92 إلى 7.50 جنيهات للتر بدلًا من 7.75، و95 إلى 8.5 جنيهات، بدلًا من 8.75.
وواصل الخبير البترولي، بأن “هذا ما نتحدث عنه، حيث إن في مصر أسعار المحروقات تحددها لجنة التسعير التلقائي كل ثلاثة أشهر، رغم انخفاض أسعار النفط عالميًا منذ جائحة كورونا إلا أن الأمر لم يؤثر على الأسعار في البلاد، نرى أن الانخفاض الذي أقرته اللجنة لا يُذكر بجانب التهاوي التاريخي للنفط، هذا نظرًا لأن الدولة تستخدم خام برنت فقط وتستورده من دول الخليج” .
ويضيف “رزق” أن الدولة المصرية ستصبح أحد المستفيدين من هذا في حال شراء البترول بأسعار مخفضة عن ذي قبل بكثير، وهو ما يوفر عملة صعبة للبلاد.
بينما قال الناطق باسم وزارة البترول، حمدي عبد العزيز، إن هذا الأمر لا يخص مصر إطلاقا، مضيفًا: “نحن لا نتعامل إلا بخام برنت، ما حدث قد حدث في بورصة أسعار الولايات المتحدة الأمريكية وكان أمرًا لحظيًا خاص بتعاقدات شهر مايو”.
وبشأن تأثر هبوط النفط على أسعار الذهب، أكد “الفقي” أن تهاوي أسعار النفط الأمريكي لن يكون له تأثير على أسعار الذهب في مصر أو فى العالم، رابطًا ذلك بتوقعات المراقبين بعودة أسعار النفط للارتفاع مرة أخرى في القريب العاجل، موضحًا أن ارتفاع أسعار الذهب في الآونة الأخيرة يرجع إلى ارتفاع أسعار الدولار.