في غرفة مساحتها (2.5 × 4 أمتار) تتوسطها نافذة طولها مثل عرضها بمساحة نصف متر تتخللها الأسلاك، يكتظ 20 شخصًا، مروحتان متدليتان من السقف الذي تسبح تحته آمال مبعثرة بأن يكون فيروس كورونا مفتاحا للخروج، بعد مطالبات حقوقية بتفعيل الإفراج الشرطي والعفو وإخلاء سبيل المحبوسين احتياطيا.

sss

نحن في أحد سجون القاهرة، إذ يكشف أحد السجناء عن الأوضاع بالداخل  في ظل أزمة كورونا قائلا: “منذ منع زيارات أهالينا أدركنا أن الأمر خطير، خاصة بعد منع دخول أي شيء لنا عدا الأدوية، انتابنا شعوران متناقضان بين الخوف من الإصابة في ظل ظروف متردية بالسجن، وبين أن يكون كورونا طوق نجاة لنا، وسببًا في إعادة النظر بأوضاع المحبوسين وتفعيل الإفراجات”.
يشير السجين الذي رفض الإفصاح عن اسمه في حوار إلكتروني مع “مصر360”  إلى خلو السجن من أدوات تعقيم مثل الكمامات أو الكحول، بحجة “عدم إثارة الذعر داخل السجن” حسبما ذكرته لهم السلطات، والاقتصار على توزيع معقم لليدين، وتوفير الكلور داخل “كانتين” السجن على نفقة السجناء.

جهود التعقيم

في المقابل أعلنت وزارة الداخلية، عن عمليات تعقيم وتطهير وقائي تقوم بها وفق برنامج زمني معد لحماية العاملين بكل أقسام ومراكز الشرطة والمترددين من المواطنين عليها، وكذا المنشآت الشرطية والسجون على مستوى الجمهورية.

ووزعت الوزارة الكمامات الطبية والمواد المطهرة على العاملين بالأقسام والمراكز الشرطية، وكذلك توفيرها للمواطنين، كما جرى تزويد قطاعات الوزارة لا سيما السجون ببوابات التعقيم وأجهزة قياس درجة الحرارة، لضمان سرعة الكشف والتعقيم والتطهير لكل العاملين ونزلاء السجون مع اتخاذ كل الإجراءات الوقائية والاحترازية والتدابير اللازمة للأطقم الطبية المكلفة بعمليات الكشف والتعقيم والتطهير، والتي من شأنها حفظ سلامتهم.
وبحسب مقطع فيديو أذاعته الوزارة عبر قناتها بموقع يوتيوب، شملت أعمال التطهير والتعقيم مرافق السجون على مستوى الجمهورية، لتوفير بيئة صحية ملائمة وبما يضمن توفير مظلة صحية آمنة تجابه تداعيات هذا الفيروس، وإتاحة استقبال متعلقات نزلاء السجون وتبادل الرسائل بينهم وبين أسرهم عقب تعقيمها، وكذا الحصول على المسحات الطبية من النزلاء لإجراء التحاليل اللازمة للكشف عن أي إصابات بفيروس كورونا المستجد، حيث ظهر في المقطع رئيس حزب الدستور السابق الصحفي خالد داوود المحبوس احتياطيا، والناشط السياسي أحمد دومة.

أوضاع السجون بالداخل

بينما يقول السجين إن أوضاع السجون من صغر حجم الزنزانة، والتكدس، ووجود أصحاب أمراض مزمنة كالضغط والسكري والقلب وأمراض خطيرة كالسرطان والفشل الكلوي، يزيد من حالة الهلع من “كورونا” خاصة مع تردد أفراد الأمن من “الشوايشة” والعساكر حسب مناوباتهم، أو السجناء المعروضين على النيابة في جلسات التحقيق وإمكانية نقل العدوى من خارج السجن إلى الداخل.
يصف السجين اليوم داخل العنبر والذي يبدأ من الساعة التاسعة لاستلام “التعيين” أي طعام الإفطار والغداء، وهو عبارة عن آذان كبيرة تحتوي على (فول+ أرز+ فاصوليا+ عدس+ لحمة مسلوقة مرتين بالأسبوع) وتنتقل من يد إلى يد بين العساكر و”الشوايشة” دون تعقيم أو قفازات، فضلًا عن رص الخبز على بلاط السجن لتهويته، ثم فتح أبواب الزنازين للتريّض.
“التريّض ليس مثل الأفلام والمسلسلات، حوش واسع للجري تتعرض فيه للشمس وتشم الهواء وترى السماء، الأمر عبارة عن طرقة عرضها متران وطويلة بطول العنبر وغير جيدة التهوية، لكن أفضل من التواجد بالزنزانة والتكدس الموجود بها”، حسبما ما قال.

ويضيف “بعد منع الزيارات اكتشفنا حالتي اشتباه، إحداهما لمريض سرطان على الرئة، وآخر مصاب بفيروس سي، لكن تم التحليل لهما وظهرت نتيجتيهما سلبية، تسببا في حالة هلع داخل السجن خاصة مع عدم وجود أماكن لعزل المصابين، ووجودهم بيننا حتى ظهور نتيجة التحليل”.

“مريض صدر انتابه السعال لعدة أيام مع تغيير الفصول، كان زملاؤه في الزنزانة يخافون من الاقتراب منه، وسمعنا عن حالتي انتحار خوفا من كورونا، بينما كان أصحاب مرض السرطان هم الأكثر ذعرًا من الإصابة، فيما اعتبر سجناء الإخوان كورونا الخلاص  لهم لأنهم يعلمون استحالة خروجهم من السجن”، حسب روايته.

مادة 56 من الدستور:” السجن دار إصلاح وتأهيل، وتخضع السجون وأماكن الاحتجاز للإشراف القضائي، ويحظر فيها كل ما ينافى كرامة الإنسان، أو يعرض صحته للخطر”

تحذيرات ومناشدات
يحذر عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان حافظ أبوسعدة، من ظهور حالات “كورونا” بسجون مصر لاسيما أن الفيروس قاتل ويسهل انتشاره في ظل التكدس وتردي الرعاية الصحية، مشيرًا إلى دخول وخروج أفراد الأمن من وإلى السجن، متخوفًا من صعوبة السيطرة على العدوى في حال تفشي الإصابة بين أفراد الأمن أو السجناء، مثل ظهور حالة إصابة لسجين بلندن، وآخر بتركيا.

وطالب “أبوسعدة” في تصريحات لـ”مصر 360″ بالإفراج عن المحبوسين في القضايا غير الخطيرة وغير المتورطين في العنف مثل قضايا الرأي، وتفعيل قوائم العفو الرئاسي، متوقعا قرارات عفو عن السجناء بمناسبة أعياد تحرير سيناء في 25 أبريل وحلول شهر رمضان خلال أيام.

فيما ناشدت مؤسسة ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان رئيس الجمهورية باستخدام صلاحياته الدستورية المنصوص عليها بالمادة ١٥٥، بصدور قرارا بالعفو عن العقوبة و إسقاطها كلها أو إبدالها بعقوبة أخف منها، فضلا عن الإفراج عن بعض المحكوم عليهم من السياسيين ونشطاء العمل العام .
ويرى “ملتقى الحوار” بحسب بيان له أمس، أن تلك الخطوة ستحرز تقدما إلى الأمام لتوحيد جهود الحكومة والمعارضة في مواجهه آثار فيروس كورونا، وفتح صفحة جديدة من الثقة المتبادلة بين الحكومة والمعارضة.

ويلفت السجين في نهاية حديثه إلى تمضية الوقت في السخرية والتنمر على السجناء الذين يظهر في محافظاتهم حالات كورونا، موضحًا: “بعد منع الزيارة الكلام في السجن اقتصر عن كورونا فقط وسط شائعات، وأخبار المغلوط  فيها أكثر من الصحيح، حيث لا تتوافر لنا المعلومات”.
ويضيف “الزيارات كانت تربطنا بالناس والعالم الخارجي، كنا نرى أهلنا، وناس ترتدي ملابس ملونة غير زي السجن، كنا نرى الأطفال، ضحكاتهم كانت تهون علينا بعض الشيء، فالطعام والشراب مقدور عليهما لكن التعب النفسي بعد منع الزيارات وتركنا لمصير مجهول في ظل وباء عالمي هو ما يفتك بنا حاليًا”.

اقرأ أيضا: 

كورونا يؤرق السجون.. ويجدد مطالب الإفراج عن المحتجزين

أطلقوا سراحهم قبل أن يحول كورونا سجونهم إلي مقبرة