نفذت حكومات أمريكا اللاتينية بعض الإجراءات الأكثر سرعة في العالم لمنع انتشار فيروس كورونا المستجد ، حيث قامت السلفادور بإغلاق حدودها أمام المسافرين الأجانب وفرضت “حجرا وطنيا ” في 12 مارس ، وذلك قبل أن تسجل البلاد أول حالة إصابة بكوفيد-19 ، وفي 15 مارس ، علق رئيس دولة البيرو مارتين فيزكارا الحق الدستوري أمام حرية الحركة و نشر الجيش لتطبيق تباعد اجتماعي إجباري و اعتقال الآلآف ممن قاموا باختراق هذه القيود ، وعلى الرغم من أن البرازيل والمكسيك ، من أكبر الدول بالمنطقة “اللاتينية ” إلا أنهما قاومتا “الإغلاق ” و استبعدتا الخطر الذي يشكله الفيروس ، في حين كانت دول أخرى أكبر ، من بينها الأرجنيتين وتشيلي والإكوادور ، من أوائل الدول في نصف الكرة الغربي ، التي أغلقت المدارس و فرضت حظرا للتجول في جميع ربوع البلاد .
sss
يقول المتخصص في شأن أمريكا اللاتينية، والسفير السابق لدى الولايات المتحدة، بول أنخيلو، إن هذه الإجراءات تستحق الإشادة، إذا تم متابعتها بقوة، فإنها قد تنقذ حياة نحو 2.5 مليون أمريكي لاتيني، مستدركًا بأن نتائجها الإيجابية لن تنتهي هناك عند ذلك الحد، فمثل هذه الخطوات قد تساعد الحكومات عبر المنطقة في مكافحة تهديد عابر للحدود والذي يتمثل في “الجريمة المنظمة” والعصابات القائمة عليها .
ونبه “أنخيلو” في مقاله التحليلي الذي نشرته مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية إلى أن إجراءات الإغلاق و القيود على الهجرة كانت “سيئة” بالنسبة للأعمال المشبوهة غيرالمشروعة والتي تضررت بسببها البلاد، قائلا: “ربما يقلل إغلاق المطاعم والحانات والملاهي الليلية في جميع أنحاء العالم، بشكل مؤقت على الأقل، من الطلب العالمي على بعض المخدرات غير المشروعة، في الوقت الذي يمكث فيه مرتادو الحفلات ومستخدمو المخدرات “الاستجمامية” والتي يقصد بها تناول أي مادة لها تأثير على الجهاز العصبي وعلى العمليات العقلية، سواء عن طريق الشم أو التدخين أو البلع أو الحقن، والتي تتسب في حالة من النشوة أو التنويم أو التنشيط، ويكون من شأن هذه المادة أنها تسبب حالة من إدمان تعاطيها.
إجراءات الإغلاق و القيود على الهجرة كانت قد أثرت على الأعمال المشبوهة التي تزوالها العصابات مثل تجارة المخدرات
وأضاف: “علاوة على ذلك، فإن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإغلاق الحدود مع المكسيك أمام كل رحلات السفر غير الضرورية، قرار مسؤول عن كبح وصول تجار المخدرات للولايات المتحدة، التي تعتبر السوق الرئيسي في العالم للمخدرات غير المشروعة .”
تعطش للأموال
وتابع أن المنظمات المتعطشة للأموال تأمل في أن تعيد الوضع لصالحها، وتحرك بعضها بالفعل لاستغلال نقاط الضعف العسكرية والبوليسية التي أدت إليها الجائحة.
وأوضح أنه في كولومبيا، التي وجه فيها 60 ألف جندي وشرطي لتنفيذ الإغلاق على مستوى البلاد، تم قتل عديد من الزعامات الاجتماعية والمدافعين عن حقوق الإنسان، وفي المكسيك ذكرت الحكومة أن مارس 2020 كان أكثر الشهور عنفا منذ بدء تدوين أعمال العنف في السجلات منذ 1997 .
اقرأ أيضا :سقطت مع ضحايا الوباء.. حرية المعلومات تنازع”الموت ” في أوروبا
ونبه “أنخيلو” إلى أنه إذا ظلت الحكومات الأمريكية اللاتنية تتغاضى عن المخاطر التي تشكلها الجريمة المنظمة خلال إجراءات الإغلاق بدولها، فإنها قد تجد نفسها على الجانب الآخر من الوباء مع قدرات محدودة لردع وتقييد المجرمين بالمنطقة، مستدركًا بأنه إذا ما اتخذت هذه الحكومات إجراءات فعالة مثل زيادة المراقبة الدقيقة على عبور الحدود وتحسين المرقابة في المساحات التي لا تخضع للسيطرة الحكومية، فإن مثل هذه الإجراءات قد تشكل ضربة قاصمة للتنظيمات الإجرامية، وبدقة، عندما تكون هذه المنظمات أكثر انكشافا.
وأكد أن أزمة فيروس كورونا عرضت مصادر الدخل الرئيسية الخاصة بهذه المنظمات للخطر، موضحًا أن منظمات السوق السوداء المكسيكية تعتمد بشكل كبير على سلاسل الإمداد غير المشروعة والتي نشأت في الصين، من أجل السلع الترفيهية “المغشوشة” والكيماويات التي تستخدم في إنتاج مادتي “فنتانيل وميثافيتامين، واستعمالها كنوع من المخدرات.
تهريب البشر والمخدرات
ولفت إلى أن الكيانات الاحتكارية والعصابات المسلحة في أمريكا الجنوبية، تعتمد بشكل مشابه على مهربي المخدرات والأسلحة في أدوات تجارتهم.
إذا ظلت الحكومات تتغاضى عن المخاطر التي تشكلها الجريمة المنظمة خلال إجراءات الإغلاق فإنها قد تجد نفسها على الجانب الآخر من الوباء مع قدرات محدودة لردع و تقييد المجرمين
ستلجأ العصابات الإجرامية عبر المنطقة، وقد حرمت من مهرباتها المربحة، إلى زيادة تهريب البشر والجريمة السبرانية والخطف والابتزاز كي تملأ خزائنها .
وفي أمريكا الوسطى، أدى إغلاق الحدود، وعسكرة النقاط الحدودية إلى دفع المهاجرين اليائسين إلى دفع 200 دولار للمهربين والعصابات من أجل المرور”الآمن” من الهندوراس و السلفادور إلى جواتيمالا عبر معابر حدودية غير رسمية .
بينما يجد لاجئو فنزويلا، الذين هربوا من أزمة بلادهم السياسية المتفاقمة والانهيار الاقتصادي، المخارج المعتادة مغلقة في الوقت الراهن، والتي توجد بطول 1.378 متر على الحدود التي تفصل بين كولومبيا وفنزويلا.
وأشار تقرير مؤسسة باريس لعام 2020 إلى أن ما لا يقل عن 28 جماعة مسلحة تعمل على طول الحدود وتتاجر في الكوكايين والأسلحة والذهب الذي يجري استخراجه من المناجم بشكل غير مشروع، فضلا عن الجازولين المهرب.
اقرأ أيضا :”انقلاب كورونا “يقيد البرلمانات: ومخاوف من إصابة العالم بـ”الديكتاتورية”
وتوقع “أنخيلو” بأن تؤدي التدابير المشددة المفروضة عبر المنطقة لكافحة فيروس كورونا، بتشجيع ممارسي العنف على أن يتمتعوا بنفوذ لهم، مشيرًا إلى أن الخطورة “شديدة” وخاصة في كولومبيا، حيث تعمل جماعات العصابات المسلحة والقوات شبه العسكرية على تعقيد استجابة الرئيس إيفان دوك لكوفيد -19، بينما حث ائتلاف يضم أكثر من 50 منظمة بالمجتمع المدني، كلا من الحكومة الكولومبية والمسلحين الخارجين على القانون الذين يعملون في المنطقة، على وقف القتال بينما تشتبك البلاد مع الوباء الذي يزيد من عدد الإصابات، وردت إحدى جماعات العصابات المسلحة على الأقل، بأنها ستراعي هذا النداء لشهر أبريل.
الوباء قدم للحكومات فرصة ذهبية لاتخاذ خطوات فعالة لمحاربة الجريمة المنظمة أثناء هذه الأزمة العالمية وهو أمر أكثر سهولة حاليًا
وقام أعضاء عصابات الجريمة المنظمة في البرازيل، بمعالجة مشكلة الصحة العامة بشكل أكثر مباشرة، ففي الأحياء العشوائية بريو دي جانيرو، تحاول عصابات المخدرات أن تحل محل الدولة من خلال تنفيذ إجراءات التباعد الاجتماعي التي رفض الرئيس البرازيلي جاير بولسونارو اتخاذها .
وبالإضافة إلى توزيع الصابون ومطهرات الأيدي، تقوم الجماعات بفرض حظر تجول صارم على السكان كما هددت بمعاقبة المخالفين في إطار جهدها لمنع انتشار فيروس كورونا، حيث إن التفشي على المستوى المحلي من شأنه أن يكون كارثيا ويهدد أساس هذه العصابات الذي يعتمد على مبيعات المخدرات المحلية و الابتزاز.
وعلى النقيض من ذلك، تحدت بعض خلايا عصابة “شارع 18” ، في سان سلفادور، تعليمات الحكومة، من خلال التأكيد على استمرار عمل أسواقها في المدينة، والتي توظف 42% من مواطني السلفادور في الاقتصاد غير الرسمي في جميع أنحاء البلاد، ولكنها امتثلت آخر المطاف لإجراءات الصحة العامة وتعمل على تنفيذ الإغلاق الذي أعلنت عنه الحكومة لمدة ثلاثين يومًا، ولكن تحت تهديد السلاح، بل قامت بتعليق أنشطة “الإكراه” في بعض الأحياء.
50 منظمة حثت كلا من الحكومة الكولومبية و المسلحين الخارجين على القانون على وقف القتال بينما تشتبك البلاد مع الوباء
وعلى الرغم من أن العصابات في هذه البلاد استجابات بشكل مختلف في تعاملها مع الفيروس، إلا أنها جميعا تتحدى سلطة الدولة، وربما تستمر الأنشطة غير المشروعة أو تزيد، حيث تحاول بعض الجماعات التي رأت الكساد الكارثي المحتمل يلوح أمامها، أن تحقق مكاسب اللحظة الأخيرة قبل إغلاق الأسواق المشروعة وغير المشروعة، ولكن كثيرًا من هذه المنظمات الإجرامية لا تحتاج للقلق لأن الوقت في جانبها، حسب “أنخيلو”.
فرصة ذهبية
دعا الكاتب حكومات أمريكا اللاتينية إلى ضرورة اتخاذ خطوات فعالة لمحاربة الجريمة المنظمة أثناء هذه الأزمة العالمية، مشيرا إلى أن الوباء قدم للسطات بالمنطقة ونظرائها في الولايات المتحدة فرصة ذهبية لتصفية مشكلة قد يكون التعامل معها وعزلها أكثر سهولة في الوقت الراهن.
وقال إن الحدود الوطنية ستظل مغلقة عبر كثير من مناطق نصف الكرة الغربي في الأسابيع المقبلة، مشددا على ضرورة أن تستمر الحكومات بالمنطقة على التعاون مع بعضها البعض لتدمير النشاط الإجرامي العابر للحدود، حيث يختبئ المهربون على مرأى من الجميع، ويخفون تحركاتهم وسط حركة المرور التجارية المشروعة، ومن ثم يجب أن يساعد الحد من المرور الجوي والبحري خلال الوباء في ضبط الطائرات والسفن المشبوهة.
كما دعا سلطات الجمارك في أمريكا الوسطى والجنوبية، إلى فرض عمليات تفتيش دقيق على حافلات الشحن عند نقاط الدخول لتقليص تدفق البضائع غير المشروعة، مؤكدًا أن الولايات المتحدة تستطيع دعم هذه الجهود من خلال التدقيق في المركبات المتجهة جنوبًا للمساعدة في منع سقوط الأسلحة النارية في أيدي المجرمين، “فغالبية الجرائم التي تقع جنوب الحدود، ترتكب بأسلحة تم بيعها مبدئيا، في الولايات المتحدة”.
أقرأ أيضا :مأزق مادورو.. اتهام رئيس دولة بممارسة «إرهاب المخدرات»!
كما ينبغي أن تستغل قوات الشرطة بأمريكا اللاتينية، المثقلة بتنفيذ إجراءات الحجر والحظر، فرصة تزايد حضورها في الأحياء للحصول على بيانات قيمة بشأن الجريمة المجتمعية، والأكثر من ذلك أن على حكومات المنطقة اقتفاء نموذج الأرجنتين، التي أعادت استخدام المركبات والممتلكات المصادرة من مهربي المخدرات لنقل وتسكين مرضى كوفيد -19
ونبه إلى أن فيروس كورونا لايوجد فقط في الولايات المتحدة وعند شركائها في أمريكا اللاتينية وحسب، لكن شبكات إجرامية منظمة تتدافع للعودة إلى العمل كالمعتاد.
ورجح أن يظل أكثر المجرمين خطورة في نصف الكرة الأرضية متقدمين على الأقل بخطوة واحدة، على حكومات المنطقة، إذا خسرت الأخيرة هذه الفرصة.