وقف محمد رجب الشاب الثلاثيني، داخل أحد أفرع البريد بمحافظته الفيوم، على مساحة مربعة حددت له، لضمان وجود مسافة آمنة بينه وبين أقرب شخص منه، للحصول على منحة العمالة غير المنتظمة، التي أعلنت عنها الحكومة، ضمن عدة إجراءات لمواجهة التداعيات الاجتماعية والاقتصادية لأزمة كورونا.

sss

يعمل “محمد” في مجال المعمار، منذ ما يقرب من 10 سنوات، ولا يوجد باب رزق له ولأطفاله الأربع، سوى هذه المهنة الشاقة الذي لا تعترف إلا بالعمل والعرق.

وعندما توقف العمل بسبب فيروس كورونا، اضطر للعودة إلى بلدته في الفيوم، والمكوث بالمنزل مع أسرته الصغيرة، والانصياع إلى تعليمات الحظر، ليقضي أيامًا صعبة بدون عمل أو دخل، حتى أعلنت الحكومة عن صرف منحة العمالة غير المنتظمة.

يقول “محمد” الذي بدا صوته حزينًا: “نعمل أيه الدنيا صعبة، الأسعار نار، سجلت اسمي وحصلت على المنحة، هو مبلغ بسيط ولكن ساعد في البيت ومصاريف العيال”.

قدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عدد المشتغلين في نهاية يونيو 2013 بـ 23.6 مليون مشتغل 7% منهم يعملون بالقطاع الخاص نصيب القطاع الخاص غير المنظم 46%

حال “محمد” والظروف التي يمر بها، تشبه حال الملايين بمصر من العمالة غير المنتظمة، الذي يعملون في مهن حرة، ولا يدخلون تحت مظلة قانون العمل، فلا يوجد لديهم تأمينات أومعاش ولا رعاية صحية مناسبة، وتتعرض أسرهم لظروف صعبة للغاية، في حال إصابتهم أثناء العمل، أو تعرض أعمالهم للركود، ليظل شبح البطالة أو العجز يطاردهم دون وجود أي ضمانات حقيقة، ويندرج تحت اسم العمالة غير المنتظمة، عمال الترحيلة والمعمار وسائقي الميكروباص والعاملات في المنازل والباعة الجائلين وغيرهم.

وقدر الجهاز المركز للتعبئة والإحصاء، عدد المشتغلين في نهاية يونيو 2013 بـ 23.6 مليون مشتغل، 7% منهم يعملون بالقطاع الخاص، نصيب القطاع الخاص غير المنظم 46% من إجمالي المشتغلين في سوف العمل المصري بشكل عام، و75% من إجمالي العاملين بالقطاع الخاص.

الدولة الممثل الرئيس لأطراف العمل، حاولت احتواء الأزمات التي سببها فيروس كورونا، فمنحت العاملين بالدولة في القطاعات الحساسة، مثل العاملين بالمطارات إجازات مفتوحة، وقدمت الدعم للعمالة غير المنتظمة بعدة طرق، كان آخرها إجراء تعديلات قانون العمل، بإنشاء صندوق حماية وتشغيل العمالة غير المنتظمة، الذي وافق عليه مجلس النواب الشهر الماضي.

 سعد الدين إبراهيم: كورونا غيّر حسابات النظام..والسلفيون وقود للإخوان

 

طوق النجاة

بمجرد ظهور فيروس كورونا الخفي بوجه القبيح في مصر، اتخذت الحكومة عدة إجراءات وقائية وصحية، لمنع انتشاره، تبع هذه الإجراءات تدابير واسعة، لضمان الأمن الاجتماعي بعد توقف العمل، ولاسيما لفئة العمالة غير المنتظمة، والتي تمثل شريحة كبيرة من الشعب المصري.

وأعلن رئيس الجمهورية عن منحة، للعمالة غير المنتظمة بقيمة 500 جنيه لمدة 3 أشهر، تمنح عن طريق التسجيل عبر رابط خصصته وزارة القوى العاملة، لتسجيل الأسماء التي تنطبق عليهم الشروط.  

وصل عدد الذين سجلوا بياناتهم على موقع الوزارة 2 مليون عامل وتم منح المنحة فعليًا لحوالي 1.5 مليون منهم

ووصل عدد الذين سجلوا بياناتهم على موقع الوزارة 2 مليون عامل، وتم منح المنحة فعليًا لحوالى 1.5 مليون عامل، بعد تدقيق بيانات الذين سجلوا، وحذف أسماء المتوفين، والأطفال، ومن لديهم حيازات وأملاك زراعية، ومن يتقاضون معاشًا، ومن يحصلون على منح تأمينية.

ووفرت الدولة 5700 منفذ لصرف المنح للعمال الذين حصلوا مع المنحة الأولى على كارت “ATM” لصرف باقي المنح الثلاث، وتم خلال عملية الصرف مراعاة التدابير الاحترازية، بمشاركة عدد من الأحزاب، والأجهزة التنفيذية للدولة لتنظيم العمالة، حرصًا على سلامة العمال وعدم انتشار العدوى. 

صدق أولا تصدق.. “ترامب” يريد حقن مصابي كورونا بالكلور

مبادرة أهالينا

لم تتوقف جهود الدولة لمساندة العمالة غير المنتظمة، عند صرف المنح الثلاث، ودشن مجلس الوزراء مبادرة “أهالينا” لدعم العمالة غير المنتظمة، المتضررة من تداعيات فيروس كورونا، لتعزيز الحماية الاجتماعية.

 وتهدف المباردة إلى تقديم مساندة مادية مباشرة للفئات المتضررة جراء أزمة “كورونا”، من خلال إشراك القطاع الخاص والأفراد في التكاتف والتضامن في وقت الأزمة.

دشن مجلس الوزراء مبادرة “أهالينا” لدعم العمالة غير المنتظمة المتضررة من تداعيات فيروس كورونا لتعزيز الحماية الاجتماعية

وأطلقت الحكومة بوابة إلكترونية باسم “أهالينا” www.Ahalena.gov.eg، تتيح للشركات والأفراد والجميع خارج ودخل مصر التبرع لدعم العمالة غير المنتظمة.

ويحدد المتبرع القيمة، التي يرغب في تقديمها، للمساهمة في التخفيف عن الأسر المتضررة، ولاقت المباردة استحسانًا كبيرًا، وتمكنت من جمع مبالغ مالية كبيرة لدعم الأسر المتضررة والعمالة غيرالمنتظمة، هذا بالإضافة لفتح الحساب رقم 2030 ببنك مصر تابع لوزارة التضامن الاجتماعي للتبرع المباشر.

“معركة صامتة” .. زياد العليمي من حصانة البرلمان إلى قوائم الإرهاب

بيت الزكاة والصدقات المصري

ولمواجهة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية، التي أحدثها فيروس كورونا، وأثرت بشكل مباشر على العمالة غير المنتظمة، أطلق بيت الزكاة والصدقات المصري، حملة إعلانية ضخمة لجميع التبرعات لمساعدة الأسر المتضررة بتوقف العمل.

وأكد الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، والمشرف على بيت الصدقات والزكاة، أن البوابة الإلكترونية للأزهر الشريف، تلقت طلبات دعم العمالة غير المنتظمة والمؤقتة، والمتضررين بسبب فيروس كورونا، والذي تجاوز عددها أكثر من 100 ألف طلب، وتم رصد 30 مليون جنيه من بيت الزكاة لمساعدتهم.  

تلقى بيت الزكاة طلبات دعم العمالة غير المنتظمة والمؤقتة والمتضررين بسبب فيروس كورونا والذي تجاوز عددهم أكثر من 100 ألف طلب وتم رصد 30 مليون جنيه من بيت الزكاة لمساعدتهم

 وسيتم بعد تلقي الطلبات دراستها، بالتعاون الجهات المعنية بالعمال، مثل وزارتي القوى العاملة والتضامن الاجتماعي، لضمان وصول المنحة لأكبر عدد ممكن من المستحقين، بمنحة تصل لحوالى 500 جنيه تصرف لكل متضرر، عبر مكاتب البريد على مستوى الجمهورية.

 كما شنت الجمعيات الخيرية حملات موسعة، لجمع التبرعات للعمالة غيرالمنتظمة التي تضررت بسبب فيروس كورونا، واستعانت في هذه الحملات التلفزيونية بنجوم الفن والرياضة لجمع التبرعات، والتكفل بهذه الأسر خلال شهر رمضان.

صيام مشروط وعزومات محظورة.. “كورونا” يفرض شروطه في رمضان

صندوق حماية وتشغيل العمالة غير المنتظمة

لم يتوقف دور الدولة على الإجراءات التي اتخذتها للحماية الاجتماعية، بعد ظهور فيروس كورونا وتوقف العمل، ولكن تضمن مشروع العمل الجديد، المقدم من الحكومة لمجلس لنواب، وناقشته لجنة القوى العاملة، ووافقت عليه نهائيًا مؤخرًا، إجراءات لحماية العمالة غير المنتظمة، وإنشاء ما يسمى بـ”صندوق حماية وتشغيل العمالة غير المنتظمة”.

المادة 32 من مشروع القانون، نصت على إنشاء صندوق لحماية العمالة غير المنتظمة، يتبع الوزير المختص، ويصدر قرر من رئيس مجلس الوزراء بتشكيل مجلس إدارة الصندوق.

ويحدد الصندوق النسبة التي سيتم تحصيلها، ونظام التحصيل من صاحب العمل الذي يستخدم العمالة غير المنتظمة، بنسبة 1% ولا تزيد عن 3% من الأجر.

ويتولى الصندوق دعم النفقات العلاجية والخدمات الطبية، للعمالة غير المنتظمة، طبقًا لما تحدده اللائحة المالية والإدارية للصندوق، كما يدعم ويطور عمليات التشغيل اللازمة لتلك الفئات.

كذلك يتولى الصندوق تدريب العاملين وتنمية مهارتهم الفنية والمهنية، وفقًا لمجالات العمل المختلفة، وتوفير سبل الانتقال والإعاشة والإقامة لمواقع العمل النائية، ويدعم اشتراطات السلامة والصحة المهنية اللازمة.

حاولت الدولة مواجهة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية، لفيروس كورونا، بدعم العمالة غير المنتظمة، أكثر الفئات المتأثرة بتوقف العمل، ومنح إجازات مدفوعة للعاملين والموظفين بالدولة، وهي إجراءات ساعدت على عدم انتشار الفيروس، وضمنت الحماية الاجتماعية لبعض الفئات المتضررة.

الحكومة المصرية تبدأ تطبيع الحياة مع “كورونا”