توقعت وسائل إعلام ألمانية، أن يتخذ الاتحاد الأوروبي خلال الفترة المقبلة، قرارًا موحدًا بتصنيف جماعة “حزب الله” اللبنانية “منظمة إرهابية”، وذلك على خلفية إعلان ألمانيا عن حظر الجماعة بجناحيها السياسي والعسكري معًا، ومنع جميع نشاطاتها في البلاد، بعد نحو 4 أشهر من مطالبة البرلمان الألماني بوضع التنظيم الموالي لإيران، على “قوائم الإرهاب”.

sss

كان الاتحاد الأوروبي قد أدرج “الجناح العسكري” للجماعة على قائمة الإرهاب عام 2013، وصنفت بريطانيا التنظيم برمته على أنه تنظيم إرهابي في فبراير 2019، وبررت الحكومة البريطانية القرار، آنذاك، بأن «حزب الله» يخزّن الأسلحة رغم قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وأن دعمه للرئيس السوري بشار الأسد «قد أطال الحرب في سوريا وساند قمع النظام الوحشي والعنيف للشعب السوري».

 

واعتبرت الخزانة البريطانية بدءًا من 16 يناير الماضي “حزب الله” بالكامل، بجناحيه السياسي والعسكري تحت قانون تجميد أصول الجماعات الإرهابية”، وأكدت وزارة المال في قرارها أن “الحزب اللبناني نفى علنًا وبنفسه التفرقة بين جناحيه العسكري والسياسي، أي أن المجموعة بأكملها معنية بالإرهاب وتم حظرها كمنظمة إرهابية في المملكة المتحدة، وهذا يشمل الجناح العسكري والمجلس الجهادي وجميع الوحدات التابعة له بما في ذلك منظمة الأمن الخارجي”.

وقال الناطق باسم وزارة الداخلية الألمانية، في تغريدة على تويتر، أن هورست زيهوفر، وزير الداخلية “أكد حظر منظمة حزب الله الإرهابية الشيعية في ألمانيا”، وأضاف: “حتى في أوقات الأزمات، سيادة القانون قادرة على اتخاذ الإجراءات”.

 

تصنيف “إرهابي” دولي

بذلك، انضمت ألمانيا إلى عدة دول تتهم الجماعة اللبنانية بالإرهاب، منها الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة وهولندا وكوسوفو والأرجنتين وكولومبيا وهندوراس وجواتيمالا، فضلًا عن مجلس التعاون الخليجي، وجامعة الدول العربية التي صنفت الحزب خلال اجتماعها بالقاهرة في مارس 2016 كمنظمة إرهابية، وهو ما يكاد يرقى إلى مرتبة التصنيف الإرهابي الدولي.

 

وفي يناير الماضي، عقد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو اجتماعًا موسعًا بنحو 25 ممثلًا من دول أمريكا اللاتينية، لحثهم على محاصرة نشاطات الحزب التي تمثل خطرًا على الأمن القومي الأمريكي ودول أمريكا الجنوبية، فضلًا عن الأمن الأوروبي.

واتهم مسؤولون أرجنتينيون “حزب الله” بالوقوف وراء عملية اغتيال المدعي العام الأرجنتيني السابق، ألبرتو نيسمان، الذي كلف بالتحقيق في الهجوم الذي استهدف المركز اليهودي في بوينس أيرس العام 1994، وكان نيسمان قد اتهم آنذاك الحكومة الإيرانية بالوقوف وراء التفجير وقيام حزب الله بتنفيذه.

وتحض الإدارة الأمريكية التي صنفت الحزب اللبناني “إرهابيًا” منذ عام 1997 الاتحاد الأوروبي، الذي ما زال يُفرق بين الحزب وجناحه العسكري الذي يضعه تحت لافتة المنظمة الإرهابية، على شمول الحزب بمجمله بهذا التصنيف.

وإثر هذه الخطوة التي لم تكن مفاجئة بالنسبة للمراقبين السياسيين، حيث سبقتها عدة مؤشرات على قرب حدوث ذلك، لا يستبعد البعض أن يؤسس “حزب الله” منظمة جديدة تحت اسم آخر تعمل في ألمانيا، خاصة أنها مركز ثقل مالي كبير بالنسبة للحزب، ومصدرًا من مصادر دخله في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها، بسبب خسائره الفادحة في النزاع السوري، فضلًا عن فرض عقوبات اقتصادية على إيران، الراعي الأول للحزب، ما يجعلها أقل قدرة على دعمه ماليًا كما كان في السابق.

ووافق البرلمان الألماني في ديسمبر 2019 على اقتراح يحض حكومة المستشارة، أنجيلا ميركل، على حظر جميع أنشطة جماعة “حزب الله” على الأراضي الألمانية، مبررًا ذلك بـ “أنشطتها الإرهابية”، خاصة على الأراضي السورية. وسبق هذا التحرك البرلماني تقارير إعلامية ألمانية صدرت تباعًا منذ مايو الماضي تحدثت عن أن الجماعة تستغل ألمانيا لجمع الأموال لتمويل عملياتها العسكرية في سوريا.

واعتبر مسؤول في الاستخبارات الداخلية الألمانية “هيئة حماية الدستور”، أن حظر أنشطة “حزب الله” يمثل تقدمًا في الحرب على “الإرهاب الدولي”. وفي تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية قال توماس هالدنفانج، رئيس المكتب الاتحادي لهيئة حماية الدستور، إن “حظر حزب الله الذي أعلنه وزير الداخلية، وإجراءات التحقيق مع أربع جمعيات قريبة الصلة من الحزب الشيعي، خطوات مهمة في مكافحة الإرهاب الدولي”.

مسؤول في الاستخبارات الألمانية: حظر أنشطة “حزب الله” يمثل تقدمًا في الحرب على “الإرهاب الدولي”

ورأى “هالدنفانج” في هذا “القرار تصديًا لفكر معادٍ للتفاهم بين الشعوب، واصفًا الحظر بأنه “إشارة على أن الديمقراطية ستظل قادرة على الدفاع عن نفسها في كل الاتجاهات؛ حتى في ظل ظروف جائحة كورونا”.

وأوضح أن الاستخبارات الداخلية الألمانية تراقب الحركة القريبة من إيران وهياكلها في ألمانيا من زمن وبكثافة عالية، موضحًا أن “هيئة حماية الدستور” جمعت مع هيئاتها الفرعية في الولايات، معلومات شكلت الأساس لقرار الحظر.

وداهمت الشرطة أربعة مساجد ومنظمات في مدن برلين ودورتموند ومونستر وبريمن، يعتقد أن لها صلات بـ “حزب الله”. وتخضع هذه الأماكن للمراقبة من قبل المكتب الاتحادي لحماية الدستور منذ سنوات.

ضربة قاصمة

يمثل القرار الألماني ضربة جديدة وقاصمة للحزب المرتبط إيديولوجيًا وتنظيميًا وماليًا بإيران، خاصة أنها بعد الحراك السياسي واسع النطاق ضد الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان ومنها “حزب الله”، خاصة مع الاتهامات المتواصلة لهذا التنظيم بالسيطرة على “القرار السياسي” لعدد من الحكومات اللبنانية المتعاقبة خلال العقود الماضية.

وكشف مسؤولون أمنيون عن أن هناك حوالى 1050 ناشطًا من جنسيات عربية مختلفة، معظمهم لبنانيون وجميعهم من الشيعة، يعيشون في ألمانيا وهم أعضاء في جناح متطرف للحزب. ولا يشكل هؤلاء منظمة رسمية في ألمانيا، وإنما يعملون بشكل غير رسمي، ويقومون بأنشطة من بينها جمع الأموال والتبرعات، فضلًا عن قيام بعضهم بأنشطة إجرامية، منها تهريب الهيروين من دول أمريكا اللاتينية إلى دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي.

مسؤولون أمنيون: 1050 ناشطًا من جنسيات عربية مختلفة، معظمهم لبنانيون وجميعهم من الشيعة، يعيشون في ألمانيا هم أعضاء في جناح متطرف للحزب.

وتنظر الكثير من الجماعات الدينية والسياسية الشيعية إلى ألمانيا كميدان للنشاط الاقتصادي الذي يدرّ عليها أرباحًا كبيرة، وسبق للنائب البرلماني من الحزب المسيحي الديمقراطي، ماريان فينت، أن قال إن “بلادنا تُعد بالنسبة لحزب الله مكانًا يُجمع فيه المال”، مشيرًا إلى أن الحزب يموّل نفسه داخل ألمانيا بـ “الجريمة المنظمة وتجارة السيارات وغسيل الأموال”.

ويرى المعلقون أن الدفع الأمريكي والأوروبي نحو إدراج “حزب الله” بجناحيه السياسي والعسكري على قائمة الإرهاب وقائمة تجفيف أصول الإرهاب من شأنه أن يزيد الخناق المالي على الجماعة الشيعية الموالية لإيران.

وتوقع المراقبون أن يؤثر تصنيف “حزب الله” في خانة الإرهاب من قبل ألمانيا سلبيًا على العلاقات “الألمانية- اللبنانية”، خصوصًا أن الحزب مازال هو القوة السياسية الأكثر نفوذًا في لبنان، وهو ما لمح إليه حزب اليسار الألماني، عندما رفض التصويت في البرلمان لصالح مقترح حظر أنشطة “حزب الله”، بدعوى أن هذا الإجراء قد يُعقد العلاقات مع لبنان، وترى ألمانيا في لبنان بلدًا محوريًا لاحتواء اللاجئين السوريين، وقد قدمت له ما يزيد عن 1.4 مليون يورو منذ عام 2012 حسب أرقام الخارجية الألمانية.