تظل معاناة النساء العاملات بمصر، جرحًا مفتوحًا لم يندمل بعد، فعلى مدار السنوات الماضية عانى أكثرهن من غياب الحماية التعاقدية والتأمينية وتدني الأجور، مقارنة بنظرائهن من الرجال، ذلك بجانب التحرش والمضايقات التي قد يتعرضن لها في بيئات العمل، وما زاد الوضع سوءًا دخول أزمة كورونا على الخط.

sss

يبدأ عمل “أمل أسامة”، اسم مستعار، إحدى العاملات بمصنع تطريز الملابس، في الـ 8 صباحًا، ولكن طريقها إلى مقر عملها يستغرق أكثر من ساعتين، ما يدفعها للاستيقاظ في الرابعة فجرًا، ثم تبدأ رحلتها في الأعمال المنزلية وتحضير وجبات الغذاء لأطفالها، فـ”أمل” التي تبلغ من العمر 37 عامًا، مطلقة ولديها طفلان تعولهما.

تروي “أمل” لـ مصر 360، معاناتها في الحياة العملية، فهي أصبحت سيدة عاملة بعد انفصالها، حتى تعيل أبناءها ونفسها، حيث سافر والد أطفالها إلى إحدى الدول الخليجية، ولا تعرف عنه شيئًا، قائلة: “بعمل أكثر من 8 ساعات في اليوم وبدون راحة سوى نصف ساعة، وإذ حدث ضغط في الطلبات تُلغى الاستراحة، غير أني أقف طوال اليوم دون جلوس على إحدى الماكينات في المصنع، مقابل بضعة جنيهات لا تتعدى الـ 1200 جنيه، كراتب شهري، أدفع منها 480 إيجارًا للشقة”.

اقرأ أيضا:

“كورونا” القطاع الخاص.. العمال بين الفصل واقتصاص الرواتب

وتشير دراسة لمنظمة العمل الدولية، إلى أن النساء في العالم العربي يمضين 329 دقيقة، أي 5 ساعات و29 دقيقة في أداء أعمال الرعاية غير المدفوعة، و36 دقيقة في أداء الأعمال المدفوعة يوميًا، في حين يمضي الرجال 70 دقيقة في الأعمال غير المدفوعة، و222 دقيقة في الأعمال المدفوعة.

المساواة بين الجنسين

خلال العام الماضي، توقعت دراسة جديدة أصدرها المنتدى الاقتصادي العالمي، أن العالم سيشهد “المساواة بين الجنسين”، بعد حوالى 100 عام تقريبًا.

وصنف تقرير “الفجوة بين الجنسين” العالمي السنوي الصادر عن المنتدى، في نفس العام، مصر في المرتبة الـ 134 عالميًا، بينما تصدرت الإمارات العربية المتحدة قائمة الدول العربية من حيث المساواة بين الجنسين، لتليها الكويت وتونس، ويركز التصنيف على 4 محاور رئيسية هي المشاركة الاقتصادية، والتحصيل التعليمي، والصحة والاستمرارية، والتمكين السياسي.

وفي عام 2015، توقع التقرير أن يستغرق الأمر 118 سنة أخرى (حتى 2133) ليغلق تمامًا الفجوة الاقتصادية مما يدل على أن التقدم البطيء في تضييق هذه الفجوة بين الجنسين يعني أن المرأة تكسب الآن نفس المبلغ من المال الذي كان الرجال يحصلون عليه في عام 2006.

وترجع عدم المساواة بين النساء والرجال خاصة في مجال العمل، إلى سنوات عدة، حيث ما زال عمل المرأة هامشي في كثير من المجتمعات، إلا أننا نجد أن الكثير من السيدات متمسكات بأعمالهن بالرغم من قلة الرواتب والبُعد عن المناصب القيادية مقارنة بالرجل.

وتقول “أمل” إنها هي وزميلاتها في المصنع أو الأعمال المشابهة لا يسعين إلى العمل بحجة المساواة أو غيرها، فهي تعمل كـ”الطور في الساقية” من أجل الحصول على قوت يومها وليس طلبًا في تحقيق ذات أو غيره.

ورغم اختلاف ظروف وبيئة عمل “هند”، إحدى الموظفات بالقطاع الخاص، عن “أمل”، إلا أنها تتفق معها في أن استمرارها في العمل ليس “تسلية أو تضيع وقت”، كما تفعل بعض الفتيات، بل أن العمل بالأساس بالنسبة لها وسيلة للحصول على المال ومساعدة والدتها في إعالة شقيقاتها الأصغر سنًا، حيث رحل والدها وهي في عمر 16 عامًا، تاركًا مسئولية ضخمة على عاتق والدتها، المعلمة في إحدى المدارس الحكومية.

وتابعت “هند” لـ مصر 360، أنها تعمل ما يزيد عن 9 ساعات في اليوم وتتعرض لروتين يومي قاسي، وفي كثير من الأحيان تجبر على عدد ساعات عمل إضافية، ثم تعود لمساعدة والدتها في أعمال المنزل، ورغم أنها تحمل “مؤهل عالي” إلا أن مرتبها لا يكفي نصف الشهر، بالإضافة إلى مرتب والدتها.

ويحرم الفقر والمسئوليات الاقتصادية الصعبة وعدم المساواة في العمل أو اتخاذ القرارات، ملايين النساء من ممارسة حقوقهن الأساسية واتخاذ خيارات تتعلق بمستقبلهن وحياتهن.

التحرش الجنسي

أما عن التحرش الجنسي الذي تواجهه العاملات، فتقول “أمل” إن هذا الأمر لم يحدث معها، ولكنها تلاحظ رشق الزملاء زميلاتهم بألفاظ وإيحاءات غير لائقة، إلا أن بعض الفتيات يحاولن الاعتراض أو زجر زملائهن، بينما الأغلبية يتعاملون مع الأمر وكأنه غير موجود حتى تسير الأمور ولتحافظ على “أكل عيشها”، والقليل منهن من يترك العمل ليبحثن عن عمل آخر.

“التحرش في الشغل مش مقصور على المصانع أو العاملات بالمنازل أو غيرها، كما تصور لنا الدراما، بل هو أسلوب حياة”، هكذا عبرت “هند” عن معاناتها من تصرفات بعض زملائها من الرجال في العمل، حيث تقول إنها “في معظم الأوقات تكون أعين زملائها ليس في وجههن بل على قطع ملابسهن”، بحد وصفها، حيث تجد من يفحصها ويدقق في أماكن آخري وهي تتحرك أو تتحدث، موضحة أن الأمر يضغط عليها نفسيًا ولكنها لا تستطيع ترك العمل بسهولة”.

في 2014، أظهرت دراسة للاتحاد العام لعمال مصر أن 30% من السيدات العاملات في مصر يتعرضن للتحرش الجنسي، في الوقت الذي أوضحت فيه دراسة للأمم المتحدة أن 99 % من النساء في مصر يتعرضن للتحرش اللفظي أو الجسدي.

ويؤدي التحرش المتكرر في أماكن العمل إلى بيئة عدائية في مكان العمل يمكن أن يكون لها نفس العواقب السلبية للاعتداء المباشر على الضحية، ويشمل ذلك الاكتئاب، والقلق، واضطراب ما بعد الصدمة، كما يمكن أن يؤثر على مهنة الضحية مع مرور الوقت، ما يؤدي إلى التغيب عن العمل كثيرا، وفقدان الفرص الوظيفية.

أرقام وإحصائيات

في 2019، كشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن عدد النساء بمصر في الأول من يناير الماضي بلغ 47,5 مليون نسمة من إجمالي عدد السكان بالداخل البالغ 98 مليون نسمة، بنسبة 48,5%، فيما بلغ عدد الذكور 50,5مليون نسمة بنسبة بلغت 51,5%.

بينما بلغت نسبة مساهمة المرأة في قوة العمل 22.9% من إجمالي قوة العمل خلال المرحلة العمرية من 15 – 64 عاما، وهي تمثل ما يقرب من ثلث مساهمة الرجال التي تبلغ 69.9 %، بحسب تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في 2018.

كما بلغت نسبة النساء العاملات بأجر في الأنشطة غير الزراعية 17.5%، وبلغت نسبة المشتركات في التأمينات الاجتماعية 64.1% مقابل 45.4% للذكور، كما بلغت نسبة المشتركات في التأمين الصحي 60.9% مقابل 39.1% للذكور.

معاناة ما بعد “كورونا”

وتظل معاناة النساء كعادتها ذات مذاق مختلف، حيث ضغوط متواترة، وأعباء متثاقلة، ومطالبات ضمنية أو فعلية بالتزام الصمت لحين مرور الأزمة.

الوضع الاقتصادي الناجم بسبب “كورونا” حتى اللحظة يضرب النساء بعنف، المدير المدير الإقليمي بالنيابة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة للدول العربية، معز دريد، ينبه إلى تضاعف الضرر الاقتصادي الواقع على النساء مقارنة بالرجال بسبب أن وظائفهن عادة تكون غير مضمونة، وتصعب إمكانية وصولهن إلى الموارد المالية.

وبسبب انتشار وباء كورونا والإجراءات الاحترازية، أجبرت معظم السيدات العاملات بمصر على ترك أعمالهن والتفرغ لتقديم الرعاية الصحية للأسرة نظرًا للاحتياج الشديد لها وبسبب الاعتماد الكُلي على المرأة في ذلك، مما يؤثر على زيادة اتساع الفجوة بين الجنسين عالميًا في المستقبل.

ومن عواقب كورونا، نجد أن جلوس نساء في بيوتهن يعني انتهاء الأسرة وموت أفرادها من الجوع بدلًا من الموت بفيروس كورونا، حيث إن في مصر عدد الأسر التي تقوم المرأة بإعالتها 3.3 مليون أسرة بما يعادل 30% من الأسر المصرية، وذلك حسب نتائج تعداد مصر 2017، ولذلك إقناع هؤلاء السيدات بالتزام البيوت دون توفير سُبل تكفل أسرهن ضمن خطة الحكومة لمواجهة انتشار الفيروس هو أمر بالغ الصعوبة.

اقرأ ايضا

الاقتصاد الموازي.. أمل الحكومة في زيادة الإيرادات

وتعليقًا على هذا، قالت “أمل”: “في بداية الأزمة تم منحي إجازة عن العمل، ولكن بعد أسبوعين فقط، طلب المشرف مني النزول إلى العمل مرة أخرى، وإذ رفضت فأعتبر مطرودة، مسئولياتي ومصاريف ولادي اليومية جبرتني على النزول”، ورغم مواعيد الحظر ألا أنها لا تتمكن من ترك عملها قبل ساعة فقط من موعده ما يعرضها لبعض المضايقات في طريق العودة، تاركة أمر الوقاية من الفيروس على الله، بحسب قولها.

بالرغم من إحصائية وزارة الصحة المصرية التي تقول إن 31% من المصابين بفيروس كورونا إناث، و69% منهم ذكور، إلا أن الكثير من الحكايات والشواهد تشير إلى أن معاناة النساء جراء الجائحة أكبر.

مبادرات

وعقب انتشار فيروس كورونا، وانعاكسه سلبيًا على ظروف الكثير من العالات، طالبت “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية” الحكومة بحماية دخول ومشروعات الفئات الأضعف، حيث اقترحت إخضاع أصحاب القروض من النساء والفئات المستحقة لمعايير التسهيلات السدادية والائتمانية التي أقرها البنك المركزي المصري، بالإضافة لتضمينهن في أي قرارات مستقبلية يصدرها البنك للتسهيل على المقترضين وأصحاب المشروعات منتناهية الصغر.

يشار إلى أن أغلب المستفيدين حالياً من تمويلات المشروعات متناهية الصغر هن من النساء، ونسبة كبيرة منهن من المعيلات، وتشير المبادرة إلى أن مثل هذه الفئات هي الأولى بحماية الدولة من عواقب فيروس “كورونا “، التي تلقي بظلال وخيمة على دخول الأفراد، لا سيما الأكثر فقراً وهشاشة.

يستهدف التمويل متناهي الصغر الفئات الأقل دخلاً والتي تعول الأسر الفقيرة، وخاصة المرأة المعيلة والتي تعول نسبة تصل إلى حوالى 30% من الأسر الأشد فقراً في مصر، حيث تمثل نسبة العميلات من النساء 65.13% من إجمالي عملاء التمويل متناهي الصغر بمصر، بينما تمثل قيمة التمويل المقدمة للنساء نسبة 48.8% من إجمالي قيمة محفظة التمويل متناهي الصغر