بعيدا عن الجدل الذي أحدثه مسلسل “النهاية”، المعروض ضمن مسلسلات رمضان، وبعيدًا عما تعرض له من انتقادات فيما يتعلق بقصة العمل المأخوذة من أعمال غربية عن حروب الفضاء و”الروبوتات”، يؤكد باحثون أن التطور التكنولوجي في مجالات الذكاء الاصطناعي أخذ أبعادا جديدة، سيكون لها تأثيرات كبرى على العديد من الفئات في المجتمع، إحداها العمالة البشرية .

sss

قبل سنوات من رحيله، حذر البروفسور ستيفن هوكينج، أحد أبرز علماء الفيزياء النظرية، وعلم الكون على مستوى العالم، من أن “خلق ذكاء اصطناعي قوي سيكون إما “أفضل أو أسوأ شيء يحدث للبشرية على الإطلاق”، ومع التطور الهائل في مجال التكنولوجيا الحديثة، ترصد تقارير حقوقية دولية تأثيرات سلبية مستقبلية على أوضاع العمال بسبب الاعتماد على الروبرت والآلات بديلا عن العمالة البشرية.

مسألة ضمان استخدام الذكاء الاصطناعي لإعادة توزيع الثروة والحَد من أوجه التفاوت بين الدول لا تمثل سوى واحدة من التحديات الضخمة العديدة التي تواجه صنّاع السياسات الذين يبحثون في كيفية التحكم بالذكاء الاصطناعي على المستوى العالمي مع كل ما يحصل من تطور تكنولوجي سريع.

اقرأ أيضًا:

“كورونا” القطاع الخاص.. العمال بين الفصل واقتصاص الرواتب

في عام 1956، صاغ عالم الحاسوب جون مكارثي هذا المصطلح، وعرَّفه بنفسه بأنه “علم وهندسة صنع الآلات الذكية”.

التفسيرات أيضًا، تشير إلى أن الذكاء الاصطناعي هو سلوك وخصائص معينة تتسم بها البرامج الحاسوبية تجعلها تحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها، من أهم هذه الخاصيات القدرة على التعلم والاستنتاج ورد الفعل على أوضاع لم تبرمج في الآلة، إلا أنَّ هذا المصطلح جدلي نظراً لعدم توفر تعريف محدد للذكاء.

رغم أن الأبحاث في هذا المجال بدأت منذ خمسينيات القرن الماضي، وشهدت دعمًا كبيرًا منذ منتصف الستينات، حيث أصبحت تلك البحوث تمول بسخاء من وزارة الدفاع الأمريكية، إلا أنه وفي التسعينيات وأوائل القرن الواحد والعشرين، حقق الذكاء الاصطناعي نجاحات أكبر، ويستخدم الذكاء الاصطناعي في اللوجستية، واستخراج البيانات، والتشخيص الطبي والعديد من المجالات الأخرى في جميع أنحاء صناعة التكنولوجيا.

صراع التفوق

دراسات كثيرة تناولت مستقبل الذكاء الاصطناعي، إحداها توقعت تفوق الذكاء الاصطناعي على البَشَر في العديد من الأنشطة في العقد القادم، مثل ترجمة اللغات بحلول عام 2024، وكتابة البحوث أو المقالات على مستوى المدارس الثانوية بحلول عام 2026، وقيادة الشاحنات بحلول عام 2027، والعمل في تجارة التجزئة بحلول عام 2031.

الباحثون يعتقدون أنه وبحلول عام 2049، ستكون أنظمة الذكاء الصناعي قادرة على تأليف الكتب الأكثر مبيعاً، كما يُتَوَقَّع لها القيام بعمل الجراحين بحلول عام 2053، إضافة إلى أنه بوجود فرصة 50% لتفوق الذكاء الاصطناعي على البشر في جميع المهام خلال 45 عاماً، وتولي الآلات كافة الوظائف البشرية في غضون 120 عاماً، بينما تشير التقديرات إلى أن الآسيويون سوف يصلون إلى هذه التواريخ في وقت أبكر بكثير من أمريكا الشمالية.

اقرأ أيضًا:

بيزنس العالم الافتراضي.. عندما يضعك تحت طائلة القانون

في مارس 2018، قال بنك “كريدي سويس” إن أكبر اقتصادين حول العالم يسيطران على البحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي لكن من المحتمل أن تكون الصين هي الفائز.

بحسب ما قاله “دونج تاو” نائب رئيس مجلس إدارة البنك بالصين الكبرى خلال مشاركته بمؤتمر “كريدي سويس” في هونج كونج، فإن هذا التوقع يرجع إلى حد كبير لسبب واحد وهو أن الصين تفتقر إلى القانون الجاد بشأن حماية البيانات وهو الأمر الذي يمنح الشركات حرية أكبر لتنمية تكنولوجياتها، معتبرًا أنه لا يقصد بذلك أن الشركات الصينية أفضل من نظيرتها الأمريكية أو أن المهندسين الصينيين أفضل من نظرائهم الأمريكيين لكن ما سيجعل الصين هي الفائز عدم وجود قانون جاد يحمي خصوصية البيانات.

وشهدت شركات التكنولوجيا في الصين قفزات في العقد الماضي، حيث إن شركة “تينست” على سبيل المثال صعدت قيمتها السوقية من 105 مليار دولار هونج كونج (13.38 مليار دولار) في عام 2007 إلى 3.86 تريليون دولار هونج كونج (491.57 مليار دولار) بعد 10 سنوات.

في يونيو 2017، عقدت القمة العالمية الأولى للذكاء الاصطناعي لخدمة الصالح العام بمدينة جنيف بمشاركة نحو 500 مُمثل بارز عن الحكومات والصناعة والهيئات الأكاديمية والمجتمع المدني ومجتمع أبحاث الذكاء الاصطناعي.

شاركت الأمم المتحدة بنحو 20 وكالة تابعة لها بالقمة، وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، في رسالة مُسَجَّلة عبر الفيديو وجّهها لجمهور الحاضرين آنذاك من مخاوف التأثير على سوق العمل، قائلا: “يميل الذكاء الاصطناعي لأن يتقدم بشكل كبير باتجاه حياة كريمة يسودها السلام والازدهار لجميع الناس”، مضيفا “لقد حان الوقت بالنسبة لنا جميعاً- سواء كحكومات أو مجتمع مدني أو قطاعات صناعية – لتقييم الكيفية التي سيؤثر بها الذكاء الاصطناعي على مُستقبلنا”.

وتُشكل قضية الذكاء الاصطناعي وتطرح معها تحديات خطيرة وقضايا أخلاقية، إضافة إلى مخاوف حقيقية بشأن الأمن في الفضاء الإلكتروني وحقوق الإنسان والخصوصية، وهي مخاوف كان مثار اتفاق بين الحاضرين.

اقرأ أيضًا:

وصفة “فيسبوك ” الجديدة: كثير من التفاؤل ..قليل من حقوق الإنسان

في 2017 أطلقت منظمة العفو الدولية مبادرة “الذكاء الاصطناعي وحقوق الإنسان” بهدف تكريس حماية حقوق الإنسان في استخدام وتطوير الذكاء الاصطناعي، بحسب توقعات الأمين العام للمنظمة خليل شيتي، فإنه في المستقبل، سوف يكون رجال الشرطة الآليون جزءاً من دوريات الشرطة التي تجوب الشوارع، كما ستشتبك الروبوتات القاتلة في ساحات المعارك”، متسائلا: “هل ستصبح أنظمة الذكاء الاصطناعي حارس البوابة الذي يقرر هوية الشخص المؤهل للحصول على الرعاية الصحية، ومَنْ يحق له الحصول على وظيفة أو رهن عقاري؟ لا شك أن من يتولون مقاليد السلطة الذين يستطيعون الوصول إلى ثمار اقتصاد البيانات – وهم حفنة من الدول والشركات – سيكونون الطرف الذي يستمر في تحقيق المكاسب، بينما ستتخلف الأغلبية الساحقة للشعوب عن الركب.. بوسعنا أن نفعل ما هو أفضل من ذلك.

وفقا لما قاله الأمين العام السابق لمنظمة العفو الدولية، خليل شيتي، يمكن أن تُفضي قدرات الذكاء الاصطناعي إلى “اضطراب اقتصادي ضخم” يؤدي إلى فقدان مئات الملايين من فُرَص العمل”، محذرا من المخاطر الناجمة على الديمقراطية والعمليات الانتخابية، مثلما اتضح في التقارير الصادرة مؤخراً حول تأثير الذكاء الاصطناعي والبيانات الكبيرة، على الانتخابات الأمريكية، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “بريكست”.

تعتبر الإنسانة الآلية صوفيا، أحد تقنيات وسائل الذكاء، حيث تم عرضها لأول مرة في بالقمة العالمية للذكاء الاصطناعي في جنيف يوم 7 يونيو 2017.

جامعة القاهرة

في عام 1996 أنشئت كلية الحاسبات والمعلومات بجامعة القاهرة بقرار من المجلس الأعلى للجامعات طبقاً للقرار الجمهوري بتأسيس كليات الحاسبات والمعلومات.

وتعتبر الكلية واحدة من أهم كليات جامعة القاهرة في الوقت الحالي، ومن الكليات الرائدة في دراسة الحاسبات والمعلومات في مصر والمنطقة، وقد تم تطوير الكلية بإدخال العديد من الأساليب التعليمية والتقنية الحديثة، وتتميز الكلية بوجود العديد من التخصصات التكنولوجيا الدقيقة بها، وبوجود نخبة من أفضل أساتذة الحاسبات في مصر، بالإضافة لريادة فرق الكلية لمسابقات على مستوى الجمهورية، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على مدي السنوات الماضية.

اقرأ أيضًا:

“معركة كورونا”.. لماذا تستعين الدول بالجيوش في المواجهة؟

ساهمت كلية الحاسبات والمعلومات بجامعة القاهرة في تأسيس الجمعية المصرية لمهندسي البرمجيات في عام 2004، ويوجد بالكلية المقر الرئيسي للجمعية، بهدف العمل على تأسيس نقابة مهنية لخريجي كليات الحاسبات والمعلومات المصرية وكذلك لتقديم الخدمات والأنشطة للطلاب والخريجين، وهو ما يؤكده

يرأس مجلس إدارة الجمعية منذ تأسيسها وحتى الآن الدكتور معتز خورشيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي الأسبق، الذي استبعد، مخاوف البعض من الاستغناء عن العامل البشري كاملا، وقال في تصريحات لـ “مصر 360” إنه من المؤكد أن الثورة الصناعية الرابعة ستفرض توجهات جديدة في سوق العمل، سواء على المستوى الدولي أو المحلي، ولكنها لا يمكن أن تلغي وجود العنصر البشري من تلك المعادلة، مضيفًا أن “سلم المهارات سينتقل ويتحول في المستقبل، بحيث يعتمد على مهارات أكثر ذكاءً وتطورًا، وهو ما يتطلب معه زيادة الابتكار والبحث العلمي، وأدوات وأساليب التعليم”.

طفرة غير مسبوقة

وتابع “خورشيد”، “نشهد الآن طفرة في مجال الذكاء الاصطناعي، نرى طائرات مسيرة، وسيارات تسير بدون سائقين، ولكن كل هذا لا يمنع أن العامل البشري لا غني عنه في المستقبل، ولكنه سوف يتطلب توافر مهارات ذهنية أكثر مما نشهده حاليًا”.

ويري “خورشيد” أن المجتمع الدولي يواجه “المشهد الرابع” والأخير المتمثل في بزوغ فجر “ثورة صناعية رابعة” تعتمد على منظومة متكاملة من التكنولوجيات الذكية، من أهمها إنترنت الأشياء، والحسابات السحابية، وتحليل البيانات الكبيرة، والذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والطباعة ثلاثية الأبعاد، وسلسلة الكتل.

اقرأ أيضًا:

“بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ”.. 200 مليون عامل يفقدون وظائفهم.. مصر تواجه

ويشير إلى أن الثورة الصناعية الرابعة تساهم في خلق فرص وتحديات غير مسبوقة لقطاع الأعمال، والحكومات، والأفراد، والمجتمع ككل.

بحسب ما طرحه “خورشيد” في مقال سابق، نُشر بجريدة “المصري اليوم” في 7 نوفمبر الماضي، بعنوان” مستقبل أسواق العمل.. “الثورة الصناعية الرابعة”، فإن الخبراء يتوقعون اختفاء بعض المهن، وتغير الطلب على مهن أخرى، وظهور تخصصات وجدارات جديدة تنشأ بفعل التكنولوجيات الذكية لهذه الثورة. وتُجمع الدراسات المستقبلية على أن هذه الثورة الوليدة ستساهم في زيادة الطلب على العمالة المعرفية (Knowledge Worker) الأكثر تعلمًا، وقدرة على البحث والتطوير والابتكار، والمكتسبة لمهارات ذهنية، تتمثل في التجديد والإبداع والتعلم الفعال. ومن المتوقع أيضًا- في ظل هذه الثورة الصناعية الرابعة- حدوث تغيرات رئيسية في منظومة التعليم العالي، من أهمها ضرورة تحول مؤسساتها إلى كيانات قادرة على التنبؤ بالتغيرات المستقبلية في سلم الجدارات المهنية والمهارات الذهنية المطلوبة في خريجيها، وإدماجها في خططها الاستراتيجية.

ويستند “خورشيد” إلى أن دراسة استشرافية  قام بها المنتدى الاقتصادي العالمي عن مستقبل الوظائف تشير إلى حدوث تغير في أهم المهارات المطلوبة بأسواق العمل مستقبلاً، وسلم أولوياتها في المدى المتوسط، على النحو التالي: أولاً: من المتوقع اختفاء نحو 35 %  من المهارات التي تعد مهمة بأسواق العمل في الوقت الراهن خلال السنوات الخمس القادمة، متوقعة أن تحتل القدرة على الابتكار والإبداع إحدى المراتب الثلاثة الأولى في سلم المهارات المميزة للعامل المعرفي.