حلّت ظاهرة “رُهاب الصين” أو “الصينوفوبيا” على نطاق عالمي واسع، خلال الآونة الأخيرة، محل “الإسلاموفوبيا”، خصوصًا بعدما تصاعدت الأصوات التي تحمِّل الصين بشكل مباشر مسؤولية تفشي فيروس كورونا في العالم، على أعلى المستويات السياسية الدولية، متهمة بكين بإخفاء المعلومات عن منظمة الصحة العالمية، والتهوين من أمر الوباء، الأمر الذي أدى إلى تهاون الدول بدروها وعدم اتخاذها ما يكفي من احتياطات وتدابير احترازية لمواجهة الجائحة.

sss

وصل الأمر إلى حد تسمية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كورونا بـ “الفيروس الصيني” أكثر من مرة، ومطالبته بكين تحمّل التبعات الجسيمة التي نتجت عن الوباء على الصعيدين الصحي والاقتصادي، ودفع تعويضات بمليات الدولارات للمتضررين من الجائحة في الولايات المتحدة. 

 

وبالتوازي مع ذلك، يتعرّض الصينيون في جميع أنحاء العالم حاليا، لموجة غير مسبوقة من الكراهية العالمية، كان دافعها الأول هو الضرر الناجم عن التكوين الثقافي لهذا الشعب الآسيوي العريق، الضارب بجذوره في الحضارة، واتهام النمط الغذائي الصيني بـ “خلق” الوباء المنتشر في كل الكرة الأرضية.

وخلال الأسابيع التي أعقبت تفشي فيروس كورونا، ظهرت أنباء عديدة عن حالات تمييز ضد مواطنين صينيين، أو ضد أي شخص يبدو أنه ينتمي عرقيًا إلى منطقة شرق آسيا، ظنًا أنه من الصين، مع ما يتبع ذلك من ممارسات عنصرية تتمثل في وجود “فوبيا” عالمية من كل ما هو صيني، وحتى البضائع الصينية نفسها تعرضت لشائعات مفادها أنها تحمل العدوى!

الصينيون “إرهابيون بيولوجيون”؟

أثارت صحيفة “كوريه بيكارد” الفرنسية المحلية، قبل فترة، حفيظة قرائها عقب نشرها صورة لامرأة صينية ترتدي كمامة على الصفحة الأولى، تحت عنوان عريض هو “الإنذار الأصفر”. وتحت وطأة الانتقادات، اعتذرت الصحيفة الفرنسية عن العنوان، قائلة إنها لم تكن تقصد الإساءة.

هذا العنوان الغريب أعاد للأذهان العبارات العنصرية القديمة التي تستهدف طريقة حياة الصينيين، وطعامهم، بدعوى أنها غير آمنة. وقد استخدم مصطلح “الإنذار الأصفر” أول مرة في القرن التاسع عشر مع انطلاق موجة الهجرة الصينية الأولى إلى الولايات المتحدة. وانطوى المصطلح آنذاك على نزعة عدائية تجاه الآسيويين عموما.

 

 

ووقّع مئات الآلاف من المواطنين في سنغافورة وماليزيا على عرائض، من خلال شبكة الإنترنت، دعت إلى فرض حظر كامل على دخول المواطنين الصينيين إلى البلدين، وقد فرضت حكومتا البلدين بالفعل شكلا من أشكال حظر دخول الصينين.

وفي اليابان، وصف البعض الصينيين بأنهم “إرهابيون بيولوجيون”، بينما انتشرت نظريات المؤامرة حول تسبب الصينيين في انتقال العدوى لسكان محليين، خاصة المسلمين في إندونيسيا وأماكن أخرى.

في اليابان، وصف البعض الصينيين بأنهم “إرهابيون بيولوجيون”

من جهة أخرى، بات وصف أي شخص صيني بأنه “فيروس” أمرًا شائعًا بقوة على مواقع التواصل الاجتماعي، فضلًا عن تجنب الناس التحدث إلى أي شخص من الأقليات الآسيوية عموما في الأماكن العامة، كما أصبح هؤلاء هدفًا سهلًا لانتقادات واعتداءات عنصرية، إلى حد أن أحد الصينيين نشر قبل فترة تغريدة على موقع تويتر نصها “أنا لست فيروسًا”، وهي التغريدة التي حظيت باهتمام دولي واسع، باعتبارها تعبيرًا عن تصاعد ظاهرة “رُهاب الصين”.

وإلى ذلك، أصبحت ظاهرة “الصينوفوبيا” تغذي صورة نمطية تجاه الصينيين، مع محاولة إظهارهم كشعب “غير متحضر”، خصوصا في الأماكن التي يكون فيها الآسيويون أقلية واضحة مثل أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا.

تبرير “العداء للصين”

في المقابل، نشرت وسائل الإعلام الحكومية الصينية، خلال الأسابيع القليلة الماضية، العديد من مقالات الرأي الساخرة التي تدين التمييز والعنصرية ضد الصينيين، لاسيما المكتوبة باللغة الإنجليزية والموجهة إلى جمهور دولي.

وانتقدت الصحيفة صحيفة “تشاينا دايلي” اليومية الصينية انتشار ظاهرة معاداة الصين أو “الصينوفوبيا” في الدول الغربية مؤخرا، معتبرة أن هذا الشعور موجود بالفعل لدى الغرب سلفا، لكنه كان ينتظر فقط فيروس كورونا لكي يبرز إلى الواجهة، مشيرة إلى أن أزمة كورونا ستمر لكن المصابين بـ “الصينوفوبيا” سيجدون أشياء أخرى لتبرير عدائهم للصين.

مراقبون: التمييز ضد الشعب الصيني حول العالم لا يعد أمرًا جديدًا بالمرة، فظاهرة “رُهاب الصين” كانت شائعة منذ عدة قرون

ويقول المراقبون إن التمييز ضد الشعب الصيني حول العالم لا يعد أمرا جديدا بالمرة، صحيح أن وباء كورونا أعطى دفعة قوية للمسالة، ولكن ظاهرة “رهاب الصين” كانت شائعة منذ عدة قرون. وقد عانت الولايات المتحدة من هذه الظاهرة، لاسيما بإصدار قانون استبعاد الصينيين عام 1882 الذي حظر هجرة العاملين الصينيين إبان فترة كانت تعرف بـ “حمى الذهب”.

وأجرى “مركز بيو للأبحاث” بالولايات المتحدة في عام 2013، دراسة استقصائية عن «رهاب الصين»، ووجد أن النظرة إلى الصين كانت إيجابية في نصف الدول (19 من 38) التي شملتها الدراسة، باستثناء الصين نفسها. أقوى مؤيدي بكين في آسيا هم: ماليزيا (81%) وباكستان (81%)؛ وفي الدول الأفريقية: كينيا (78%) والسنغال (77%) ونيجيريا (76%)؛ وفي أمريكا اللاتينية خاصة في البلدان التي تعتمد على السوق الصينية: فنزويلا (71%) والبرازيل (65%) وتشيلي (62%). لا تزال المشاعر المعادية للصين مستمرة في الغرب ودول آسيوية أخرى: 28% فقط من الألمان والإيطاليين و37% من الأمريكيين ينظرون إلى الصين نظرة إيجابي. في اليابان، أكثر من أي مكان آخر، كانت الكراهية تجاه الصين كبيرة للغاية، إذ أن 5% فقط من اليابانيين لديهم رأي إيجابي حول الصين. في الوقت نفسه، فإن المشاعر المعادية للصين محدودة. في عام 2013، شمل استطلاع الرأي 38 دولة، فقط في 11 دولة نُظر إلى الصين بشكل سلبي من قبل نصف الذين شملهم الاستطلاع. أما أقوى المشاعر المعادية للصين هي في اليابان، حيث يرى 93% الجمهورية الشعبية ضمن صورة سلبية، ويتضمن ذلك 48% من اليابانيين الذين لا يفضلون الصين مطلقًا. هناك أيضًا أغلبية كبيرة في ألمانيا (64%) وإيطاليا (62%) وإسرائيل (60%) ممن لديهم وجهات نظر سلبية عن الصين. إن الارتفاع في المشاعر المعادية للصين في ألمانيا مثير بشكل خاص: من 33% في عام 2006 إلى 64% في استطلاع عام 2013. وعلى الرغم من هذه الآراء السلبية يستمر تدفق الصادرات الألمانية إلى الصين بنجاح.

 

وتعليقًا على ذلك، يقول الدكتور باري ساوتمان، أستاذ عالم الاجتماع بجامعة هونغ كونغ للعلوم والتكنولوجيا، “إن الخطاب المناهض للصين في السنوات الأخيرة جاء من الولايات المتحدة، لاسيما في ظل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. والموجة الحالية من هذا الخطاب تتزامن، وربما ترجع إلى حد ما، إلى صعود نهج حماية مصالح أهل البلاد الأصليين وتقديمها على مصالح المهاجرين في الولايات المتحدة وبقية دول العالم”.

ويضيف: “تعتبر الصين حاليا منافسة للهيمنة الأمريكية، ويتعرض كل جانب من جوانب ما تفعله الحكومة الصينية لانتقادات شديدة. ونتيجة لذلك، فإن الكثير من الناس في شتى أرجاء العالم يستفيدون من ذلك، ويعتمدون على رهاب الصين المتبنى تاريخيا، مثلما في آسيا”.