منذ بداية أزمة كورونا، حذرت منظمات حقوقية ومؤسسات أممية من تأثيرها على صحة المرأة في العالم، معتبرة اياها “الضحية الكبرى” لكل الأزمات والأوبئة على مر العصور، إذ أشارت الأمم المتحدة إلى الآثار الكارثية التي يخلفها الفيروس على النساء، لاسميا من ناحية الصحة الإنجابية، كما أنه سيعمق أوجه عدم المساواة، ذلك بجانب تأثيره على فرص عملهن، بعد زيادة الأعباء الاقتصادية والأسرية عليهن، ومكوث معظمهن في المنزل.
sss
انتشار فيروس كورونا وما تبعته من إجراءات احترازية، ساهم في زيادة أعباء المرأة في جميع أنحاء العالم، خاصة في الدول العربية، وعلى رأسها مصر، حيث تنوب المرأة العربية عن الرجل في القيام بأعمال الرعاية الأسرية، بالإضافة لعملها خارج البيت في حال كانت امرأة عاملة، وهو ما يثقل الأمر عليها بشكل “رهيب”، غير أن هشاشة الأنظمة الصحية في العديد من الدول العربية، تضع تحديات أمام صحة المرأة تحديدًا .
فيروس كورونا أودى بحياة 227 ألفاً و482 شخصاً على الأقل منذ ظهوره في ديسمبر الماضي، حيث تم تسجيل أكثر من 3 ملايين و180 ألفاً و800 حالة إصابة في 193 دولة ومنطقة، وتعافى 908 ألفاً شخصاً على الأقل.
خمسة أضعاف أعمال الرعاية الأسرية
يقول المدير الإقليمي بالنيابة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة للدول العربية، معز دريد، إن المرأة العربية تقوم بخمسة أضعاف أعمال الرعاية الأسرية مقارنة بالرجل العربي، وأن النساء يشكلن عالميًا نحو 70 في المئة ممن يعملون بالقطاع الصحي والاجتماعي، وفي ظل الضغط على الأنظمة الصحية المُثقلة كواهلها نتيجة جهود الاستجابة لفيروس “كورونا”، فإن كل ذلك يضع على عاتق النساء عبئاً أكبر، يشمل على سبيل المثال لا الحصر رعاية المرضى، ما يجعلهن أكثر عرضة للإصابة بهذا الفيروس.
مع خروج أكثر من مليار تلميذ من المدارس، بعد تعليق الدراسة بسبب “كورونا”، تنبأت ورقة بحثية جديدة صادرة عن مجموعة اقتصاديين في الولايات المتحدة وألمانيا، بأن كوفيد-19 سيؤدي إلى آثار سلبية “غير متناسبة على النساء وفرص عملهن”، وذلك بسبب الاعباء الاضافية عليهم بعد الأزمة،من حيث رعاية الاطفال طوال اليوم وتنظيف المنزل بشكل مستمر، وغيرها من الاعباء التي ستؤثر على المرأة وصحتها النفسية والجسدية بشكل كبير.
ومع هشاشة الأوضاع الصحية في الدول العربية، وانشعال القطاعات الصحية بأزمة كورونا واجراءتها، ومع اعتبار خدمات الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة رفاهية في ظل الأزمة رغم أن العكس هو الصحيح، لأن تجاهلها يضاعف من حجم الكارثة، طالبت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، بضمان استمرار تقديم خدمات متابعة الحمل والتوليد في الأماكن المخصصة لذلك، وألا تتأثر بالضغط الذي تتعرض له المستشفيات بسبب”كورونا”، كما طالبت بأن تكون للحوامل اللاتي يصبن بالفيروس أولوية في التحليل، اتباعاً لتوصيات منظمة الصحة العالمية.
فيما أكد صندوق الأمم المتحدة للسكان، الشهر المنصرم، أنه قد لا تتمكن 47 مليون امرأة في 114 بلدا من البُلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل من الحصول على وسائل تنظيم الأسرة الحديثة، ويُتوقَّع حدوث 7 ملايين حالة من الحمل غير المرغوب فيه إذا استمر الإغلاق الكامل لمدة 6 أشهر وحدث تعطّل كبير في تقديم الخدمات الصحية، فكل ثلاثة أشهر من الإغلاق المتواصل، قد يؤدي ألا تتمكن مليوني امرأة أخرى من استخدام وسائل تنظيم الأسرة الحديثة.
وكشف التقرير عن تأثير فيروس كورونا على النساء، وذلك في ظل الأعباء المفرطة التي تتحملها النظم الصحية، وإغلاق المرافق أو تقديمها لمجموعة محدودة من الخدمات للنساء والفتيات، واختيار الكثيرات منهن تجاهل إجراء الفحوصات الطبية الهامة بسبب الخوف من الإصابة بالفيروس، وقد يُودي انقطاع سلسلة الإمدادات العالمية إلى حدوث نقص كبير في توفير وسائل تنظيم الأسرة، كما يُتوقَّع ارتفاع حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي بسبب بقاء النساء محاصرات في منازلهنّ لفترات طويلة.
ومن جانبها قالت دكتور ناتاليا كانيم، المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، “تظهِر هذه البيانات الجديدة الأثر الكارثي الذي يمكن أن يُحدثه قريبا فيروس كورونا على النساء والفتيات على الصعيد العالمي، فهذا الفيروس يُعمِّق أوجه عدم المساواة، وبسببه ملايين النساء والفتيات أمسين الآن أكثر عُرضة لفقدان القدرة على التخطيط لأسرهن وحماية أجسادهنّ وصحتهن”،مضيفة أنها:”يجب ضمان صحة وحقوق المراة الإنجابية بأي ثمن، ولا بد من مواصلة تقديم الخدمات، وتسليم الإمدادات، وحماية المستضعفين ودعمهم”.
الزيادة السكانية
يعيد تطبيق حظر التجوال في مصر بسبب “كورونا”، إلى الأذهان الظروف التي أعقبت ثورة يناير 2011، حيث تضاعف النمو السكاني، ليصل إلى 16 مليون نسمة.
ومع توفر نفس المعطيات، زادت المخاوف من تزايد الكثافة السكانية مرة أخرى بعد تراجعها، خاصة أن الجهة الموكل إليها تنظيم السكان من خلال حملات توعية وتنظيم الأسرة هي وزارة الصحة، والتي لا يشغلها شاغل الآن سوى مواجهة جائحة كورونا.
وكانت آخر حملة نشطة لتنظيم الأسرة قد نظمتها وزارة الصحة والسكان في ديسمبر الماضي، عندما أطلقت حملة تنشيطية مجانية لتنظيم الأسرة والصحة الإنجابية، يقوم بها قطاع السكان وتنظيم الأسرة، تحت شعار “حقك تنظمي”، أقيمت بـ9 محافظات، هدفها تقديم خدمات ووسائل تنظيم الأسرة بالمدن والقرى على مستوى الجمهورية، خاصةً المناطق النائية والمحرومة، ضمن مبادرة رئيس الجمهورية “حياة كريمة”؛ لرفع معدلات استخدام وسائل تنظيم الأسرة وخفض معدلات الزيادة السكانية.
من جهتها، قالت الدكتورة سحر السنباطي، رئيس قطاع السكان وتنظيم الأسرة، في تصريحات صحفية، إن تلك الحملة ضمن أنشطة مشروع برنامج دعم خدمات الصحة الإنجابية المتكاملة، بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان والاتحاد الأوروبي، حيث تم خلالها تقديم خدمات تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية والمشورة من خلال توقيع الكشف الطبي وصرف وسائل تنظيم الأسرة وخاصةً الوسائل طويلة المفعول والأدوية بالمجان عن طريق أخصائيي تنظيم الأسرة والنساء والتوليد بالعيادات الثابتة والمتنقلة والمراكز الحضرية والمستشفيات العامة والمركزية ومراكز رعاية الأمومة والطفولة، لكنها توقفت الآن.
التباعد الجنسي
رغم التخوف من حدوث زيادة سكانية في مصر، بسبب مكوث معظم الرجال في البيت، كما حدث عقب ثورة يناير، إلا أن بعض الخبراء وأطباء علم النفس، يرون أن الوضع يختلف في ظل “كورونا”، حيث يسيطر الخوف والقلق على معظم الأسر، مع ازدياد نسبة الشجار والعنف المنزلي.
ويقول الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي، إن أزمة كورونا دفعت إلى التباعد بين الأزواج، مرجعًا ذلك إلى الأعباء الاقتصادية التي تحيا فيها معظم الأسر، فضلاً عن القلق من مجهول الأزمة وتداعياتها عليهم، لافتًا إلى أن المزاج العام لا يساهم في إقامة علاقة ناجحة بين الزوجين”.
وتابع استشاري الطب النفسي لـ مصر 360، أن زياد عدد ساعات مكوث الرجل مع اسرته واطفاله في ظل ازمة كورونا، تختلف عن أيام الثورات أو المزاج العام الذي كان حينها، مستشهدًا بزيادة نسب حالات العنف المنزلي ضد المرأة، في معظم الدول، وليس في مصر فقط، وهو ما يؤكد لنا أن الخوف من زيادة السكانية لن يقف خلفها بقاء الرجال في منزلهم بقدر غياب وسائل منع الحمل وتنظيم الأسرة، أو رغبة الاهل في ذلك،وهو احتمال ضعيف نظرًا لقلق السيدات من الحمل والولادة في ظل كورونا، وعدم توافر معلومات موثقة بعد عن نقل الفيروس من الأم للجنين”.
وقد رصدت الجمعيات المعنية بالعنف المنزلي وأرقام الهواتف الحكومية والتابعة لجمعيات المساعدة في معظم الدول، زيادة في طلبات الاستغاثة وطلب المعونة بسبب التعرض للضرب من قبل الزوج أو الشريك حيث اضطر الطرفان البقاء في مساحة محدودة معاً طيلة اليوم، لكن الاختلاف الوحيد بالنسبة للدول العربية يكمن في فكرة طلب المساعدة أو المعونة، إلا فيما ندر.