اختلف تناول السينما المصرية لحياة العامل، حيث رصدت العديد من الأفلام القديمة هذه الحياة بكل جوانبها، والعوامل والعناصر المحيطة بها، وتطورت الرؤية الإخراجية عامًا بعد عام، حتى انتبه صناع السينما مرة أخرى لهذه النوعية من الأفلام بسبب ندرتها في العصر الحديث، في حين برز بوضوح استغلال شخصية العامل في السينما اجتماعيًا وسياسيًا لتتماشى مع توجه الدولة.

sss

 

تناول مبكر

بدأت السينما المصرية مبكراً في تناول هذه القضية، وربما يكون فيلم “العامل” هو من أوائل وأقدم الأفلام التي روت معاناة العامل المصري، وتم إنتاجه عام 1943، وأخرجه أحمد كامل مرسي، ولعب دور البطولة حسين صدقي وفاطمة رشدي، وهو أول فيلم ينتجه حسين صدقي، ويروي الفيلم قصة “أحمد” عامل شاب متحمس يدافع عن حقوق ذويه لدى أصحاب المصانع وشركات الإنتاج، وتتضمن رحلته النضالية في هذا المضمار علاقة حب تربطه بجارته “هنية” التي تؤمن به وبقضيته، يتكبد هذا العامل الكثير من المتاعب ويقع في كثير من المآزق، ويتم التآمر عليهم من قبل صاحب المصنع، ويحاول الإيقاع به وتلويث سمعته أمام العمال المؤمنين به عن طريق غانية، إلا أن عفته ونزاهته تحولان دون ذلك.

تتبدل الأحوال ويصبح “أحمد” الذي نصبه العمال زعيمًا، ذا نفوذ ولا يتوانى عن مواصلة رسالته ودفاعه عن حقوق العمال، حيث أقام لهم مؤسسات وشركات لا يجدون فيها إلا الإنصاف وتقدير الجهد، وتم ذلك بتحريضه للعمال على الإضراب عن العمل، حتى تتم تلبية مطالبهم ويخضع أصحاب المصانع أخيرًا.

ظروف مادية قاسية

ومن بعدها توالت الأفلام التي اهتمت بتلك القضية وعلي رأسها فيلم “الأسطي حسن”، وهو فيلم شهير يتناول هذه الفئة على وجه الخصوص، وتم إنتاجه وطرحه عام 1952، وكانت هذه هي التجربة الإنتاجية الأولى لفريد شوقي، ويروي الفيلم قصة حسن (فريد شوقى) عامل في ورشة خراطة وحدايد ناقم على معيشته وعلى ظروفه المادية القاسية رغم أن زوجته (هدى سلطان) تحبه حبًا شديدًا ولديه طفل منها (سليمان الجندى)، وتحضر إليه ذات مرة في الورشة التى يعمل بها، إحدى سيدات المجتمع الراقى (زوزو ماضى) التى تعجب به وتدعوه لفيلتها لاستكمال وتركيب قطعة الديكور التى أتت لتشتريها من الورشة، ومن ثم يتورط معها في علاقة تغير مجرى حياته.

إقرأ أيضاً:

“المنحة يا ريس”.. حكاية النداء الشعبي للعمال في عيدهم

إبراز قيمة العمل

ومن أهم الأفلام أيضاً التي تم إنتاجها في هذا الإطار يأتي فيلم “الأيدي الناعمة” الذى أنتج فى عام 1964، وشاركت به مجموعة كبيرة من النجوم، أبرزهم «أحمد مظهر، صلاح ذو الفقار، صباح، مريم فخر الدين، ليلى طاهر»، والفيلم عن قصة للأديب الراحل توفيق الحكيم، وكتب السيناريو له يوسف جوهر، وأخرجه محمود ذو الفقار، وتم تصنيف فيلم “الأيدي الناعمة” كفيلم كوميدي من قبل الجمهور، ولكنه في حقيقة وباطن الأمر ركز على أهمية العمل وضرورته فى حياة الإنسان، فهناك الشاب العاطل الحاصل على الدكتوراة، الذى يقبل العمل مع أمير عاطل، بالإضافة إلى ابنتى الأمير، إحداهما تعمل رسامة ومصدر رزقها من بيع لوحاتها، والثانية متزوجة من نموذج آخر للعامل المصري، وهو مهندس بدأ حياته بسيطًا حتى أصبح مالكًا لمصنع، بالإضافة إلى عدة نماذج أخرى، منها البائع المتجول الذى قام بتربية ابنه من هذا العمل البسيط.

المرأة العاملة

وحديثاً في هذا الإطار تم إنتاج وتقديم فيلم “فتاة المصنع” وذلك في عام 2014، وهو الفيلم الذي يهتم برواية وضع المرأة العاملة المصرية، واهتم الفيلم برصد قضايا ومشكلات عاملات مصانع الملابس والأقمشة، حيث يروي الفيلم قصة “هيام”، وهي فتاة عمرها 21 سنة، تعمل مثل بنات حيها الفقير في مصنع ملابس، وتعيش تجربة حب أمام تعنت المجتمع أمام هذه المشاعر، الفيلم من إخراج محمد خان وبطولة هاني عادل، ياسمين رئيس، وسلوى خطاب، الفيلم حصل على جائزة أفضل ممثلة في مهرجان دبي السينمائي الدولي للبطلة ياسمين رئيس.

إقرأ أيضاً: 

عيد العمال في العالم.. تعددت الطقوس والاحتفال واحد

استغلال سياسي

وعن الفرق الذي طرأ علي السينما المصرية ما بين الماضي والحاضر في تناول حياة العامل المصري والعاملة المصرية قال الناقد الفني “رامي المتولي”: “النظرة للعامل تتغير على حسب الظرف الاجتماعى والسياسى، لكن بشكل عام هي شخصية درامية ثرية، توظيفها يجرى بشكل طبيعى فى الأعمال الدرامية وبعضها يكون العامل هو البطل مثل فيلم “الأسطى حسن” للراحل الكبير فريد شوقى، وبعضها يكون قيمة العمل فيها هو البطل والعامل يتم التعامل معه بمفهوم أكثر اتساعًا من فكرة الحرفى صاحب الأدوات وهي الصورة النمطية فى السينما والتليفزيون، مثل فيلم “الأيدى الناعمة” الذى يعد الفيلم الرسمي فى الاحتفال بعيد العمال فى مصر”.

وأضاف “أن هذا الفيلم يعلى من قيمة العمل من خلال متابعتنا لشخصية البرنس شوكت التي قدمها الفنان الكبير أحمد مظهر، والتي تشهد التحول الكبير فى طريقة تفكير من أمير عاطل يعيش على ذكرى أجداده لرجل يستغل تعليمه الراقى فى عمل مناسب ليتحول إلى عامل من نوع خاص، هنا شخصية العامل تم استغلالها اجتماعيًا وسياسيًا لتتماشى مع توجه الدولة المصرية، وقتها بإعلاء قيمة العمل جنبًا إلى جنب مع الصورة الجيدة التي كانت تعلى من شأن وقدر العمال الحرفيين والاهتمام بالتعليم الصناعى”.

إقرأ أيضاً:

وظائف مفقودة وأحلام مهددة.. “الروبوت” يعمق من مأساة العمال في عيدهم