لأنها تشبه العمال وعاشت معهم، وتعرف معاناتهم، وقدرتها على حل مشاكلهم، والحصول على حقوقهم، فكانت خير من يمثلهم، في النقابات العمالية والمحافل السياسية، فستحقت لقب “أم العمال”.

sss

أنها عائشة عبد الهادي، أو “الحاجة عائشة” كما يناديها البعض، أول عاملة نقابية تتولى منصب وزيرة القوى العاملة والهجرة، التي تحظى باحترام شديد في الأوساط العمالية إلى الأن.

 بالرغم من توليها منصبها كوزيرة في فترة عصيبة ومضطربة، بداية من عام 2006 وحتى 2011، ولكنها تعتبر واحدة من أهم القيادات النقابية، لاسيما أنها تمثل نمودجًا للسيدة المكافحة، التي تمكنت بكفاحها ومواقفها ورؤيتها، من أن تحل الكثير من المشاكل العمالية، لاسيما فيما يخص المرآة العاملة. 

أقرأ أيضًا: عيد العمال في العالم.. تعددت الطقوس والاحتفال واحد

 

أصغر نقابية

ولدت عائشة في حي بولاق، لأسرة بسيطة من نسيج الشعب المصري، لأب يعمل عاملًا، وأم مصرية ربة منزل، وكان لها أشقاء بنات وشقيق واحد كان يعمل في المقاولون العرب، وتوفى في سن صغير كما يقول المقربون منها.

نشأت الحاجة عائشة لترى وتعيش معاناة العمال البسطاء والظلم الاجتماعي الواقع عليهم قبل ثورة 23 يوليو والتي كانت بمثابة طوق نجاة لملايين العمال والفلاحين المصريين وأسرهم

وسط هذه الأجواء في الحي الشعبي، نشأت الحاجة عائشة، لترى وتعيش معاناة العمال البسطاء، والظلم الاجتماعي الواقع عليهم قبل ثورة 23 يوليو، والتي كانت بمثابة طوق نجاة لملايين العمال والفلاحين المصريين وأسرهم، الذي انعكست عليهم التغييرات الاشتراكية والاجتماعية التي أحدثتها الثورة.

وبالرغم من أنها لم تتمكن من استكمال تعليمها، وتركها الدراسة بعد حصولها علي الشهادة الابتدائية القديمة، للعمل في شركة سيد للأدوية، إلا أنها كانت مختلفة عن كل الفتيات اللاتي يعملن معها، تمتاذ بالذكاء والذهن الحاضر، والطموح في الترقي والتقدم للأمام.

وهو ما أهلها لخوض معركة التثيقف الذاتي، فحصلت علي دورات تدربية كمثقفة عمالية، وتمكنت بعلاقاتها ومواقفها مع زملائها، أن تكون أصغر عضوة نقابة بشركة سيد للأدوية في عام 1957، وخلال هذه الفترة حصلت علي خبرات كبيرة في العمل النقابي والعمالي، بمشاركتها في الاتحاد الاشتراكي.

أقرأ أيضًا: عيد العمال.. “ضحايا لقمة العيش”.. “كورونا” يزيد من معاناة العمالة النسائية

 

تدرجها النقابي والدولي

وكانت الخطوة الثانية بعد تكرر انتخابها كعضوة نقابية بشركة “سيد” للأدوية، التدرج في العمل داخل الشركة، لتتولى منصب مدير العلاقات العامة بالشركة، وذلك بفضل ثقافتها وعلاقاتها داخل وخارج الشركة، ودورات التثقيف العمالي والذاتي، حتى أنها أجادت اللغة الانجليزية.

مكنتها قدراتها الذاتية والشخصية، والثقة المتبادلة في أوساط العمال، لتمثل العنصر النسائي كعضو في مجلس إدارة النقابة العامة للكيماويات لعدة دورات، ثم نائبًا لرئيس النقابة، ثم ممثلًا للنقابة العامة في مجلس إدارة الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، لتكون العنصر النسائي الوحيد داخل المجلس.

ساهمت بخبراتها في حل الكثير من القضايا والنزاعات العمالية حتى أنها لقبت بلقب “النقابية العمالية” وكانت تهتم بصفة خاصة بالمرأة العاملة ونظمت العديد من المؤتمرات والندوات لدعم السيدات العاملات وخاضت الكثير من المعارك لتحصل المرآة العاملة

شاركت خلال هذه الفترة، في الكثير من المؤتمرات العمالية، في داخل وخارج مصر، وحصلت علي الكثير من الخبرات في العمل النقابي الدولي، فتولت منصب سكرتير الاتحاد لشئون المرأة العاملة والطفل، وعلى المستوى الخارجي والدولي، تولت منصب لجنة المرأة العاملة العربية، بالاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب، وأطلق عليها خلال هذه الفترة، لقب “أم العمال” العرب.

ولأن طموحها لا يتوقف، بفضل تثقيفها الذاتي وتعلمها المستمر، فقد شغلت عدة مناصب علي مستوى الهيئات والمنظمات الأقليمية والدولية، منها عضو مجلس إدارة بمنظمة العمل الدولية بجنيف.

وبالتوازي مع عملها النقابي، وتوليها عدة مناصب هامة في اتحاد عمال مصر، أو على المستوى العربي والدولي، فقد كانت تربطها صلاة قوية وثيقة الصلة والقوة، بالقيادات العمالية، في قطع عمال الكيماويات، وشركات القطاع الأعمال.

ساهمت بخبراتها في حل الكثير من القضايا والنزاعات العمالية، حتى أنها لقبت بلقب “النقابية العمالية”، وكانت تهتم بصفة خاصة بالمرأة العاملة، ونظمت العديد من المؤتمرات والندوات لدعم السيدات العاملات، وخاضت الكثير من المعارك لتحصل المرآة العاملة، على عدة مكتسبات في مجال العمل.

أقرأ أيضًا : “كورونا” القطاع الخاص.. العمال بين الفصل واقتصاص الرواتب

 

أول سيدة تتولى وزارة القوى العاملة

كانت عائشة عبد الهادي، أول سيدة مصرية تتولى حقيبة وزارة القوى العاملة، بحكومة الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء، في عام 2006 وحتى قيام ثورة 25 يناير، وتنحي الرئيس الأسبق مبارك عن الحكم.

تولت أم العمال منصبها في عام 2006، في وقت اشتعلت فيه المصانع والشركات بالاحتجاجات العمالية بسبب نيران الخصصة، ففي العام التالي 2007 انتحر 26 عامًلًا بسبب الظروف المعيشية الصعبة فيما سجل أكثر من 170 احتجاجا واعتصامًا للعمال خلال العام

تولت أم العمال منصبها في عام 2006، في وقت اشتعلت فيه المصانع والشركات بالاحتجاجات العمالية، بسبب نيران الخصصة، ففي العام التالي 2007 انتحر 26 عامًلًا بسبب الظروف المعيشية الصعبة، فيما سجل أكثر من 170 احتجاجا واعتصامًا للعمال خلال العام.

واستطاعت بقدراتها السياسية علي حل الكثير من المشاكل، والتعامل المباشر مع موجة الغضب العمالي، التى اشتعلت ولم تنطفئ، بسبب سياسات الدولة خلال هذه الفترة.

وأثارت مواقفها غضب أعضاء مجلس الشعب، عندما اتهمت بتوقيع مذكرة تسمح بسفر عاملات المنازل للعمل في السعودية، وهو ما تبعه تقديم طلبات إحاطة وتصريحات رافضة وساخنة ضدها من أعضاء المجلس.

لم تهدأ الاحتجاجات والاعتصامات في شركات ومصانع مصر، خلال فترة تولى أم العمال لمنصب وزير القوى العاملة، لتنتهي بثورة تطيح بحكومة نظيف ووزارته، وتطيح بالرئيس مبارك.

أقرأ أيضًا : الاقتصاد الموازي.. أمل الحكومة في زيادة الإيرادات

 

الاكتواء بنيران السياسة

ساهمت بخبراتها في حل الكثير من القضايا والنزاعات العمالية، وكانت تهتم بصفة خاصة بالمرأة العاملة، وخاضت الكثير من المعارك لتحصل المرآة العاملة، على عدة مكتسبات في مجال العمل

 

 في فترة الستينات التحقت بالاتحاد الاشتراكي، القناة السياسية والوحيدة بمصر، بعد ثورة 23 يوليو، وخلال هذه الفترة العصيبة في تاريخ مصر، تعلمت الكثير وتعرفت على أعضاء الاتحاد، من العمال والسياسيين، الذي تدرجوا بعد ذلك في العمل السياسي.

كما مكنتها خبراتها الطويلة في المجال السياسي والعمالي، وعضويتها في مجلس الشوري المصري لمدة دورتين، من تعديل قوانين العمل، حتي تولت منصب وزير القوى العاملة عام 206، في عهد رئيس الوزراء أحمد نظيف، واستمرت في هذا المنصب حتى ثورة يناير 2011.

أقرأ أيضًا : بين مخاوف الانتشار وحتمية رفع القيود.. 3 سيناريوهات لـ”أزمة كورونا” في مصر

 

تكريم أم العمال

بالرغم من كل ما واجهته أم العمال من انتقاضات، إلا أنها تظل أيقونة عمالية، تتمتع باحترام وتقدير القيادات النقابية في مصر والخارج، الذين يصفونها بأنها سيدة لم تتكرر، وأقوى سيدة تولت منصب وزارة القوى العاملة.

مازالت تحظي أم العمال بالتقدير وترفع صورها في الاحتفالات وتم تكريمها بعد ثورة يناير من الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب بحضور الرئيس السوداني السابق عمر البشير

ومازالت تحظي أم العمال بالتقدير، وترفع صورها في الاحتفالات، وتم تكريمها بعد ثورة يناير، من الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب، بحضور الرئيس السوداني السابق عمر البشير، الذي منحها وسام الامتياز من الطبقة الأولى، تقديرًا لجهودها وما قدمته للمرآة العاملة بصفة خاصة.

كما كرمها الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، وعددًا من النقابات العامة بالاتحاد مؤخرًا، تقديرًا لجهودها العمالية والنقابية.

تاريخ طويل امتد علي مدار 30 عامًا، خاضت أم العمال الكثير من المعارك، في ميدان العمال النقابي والعمالي، جعلت لها مكانة خاصة جدًا لدي العمال في مصر.