يحتفل العالم في الثالث من مايو من كل عام باليوم العالمي للصحافة، وهو يوم حددته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو، ويُخصص هذا اليوم للاحتفاء بالمبادئ الأساسية وتقيييم حال الصحافة في العالم، وتعريف الجماهير بانتهاكات حق الحرية في التعبير والتذكير بالعديد من الصحافيين الذين واجهوا الموت أو السجن في سبيل القيام بمهماتهم في تزويد وسائل الإعلام بالأخبار اليومية.

sss

شهد شهر أبريل الماضي عدة وقائع ضد مواقع إلكترونية وصحف خاصة وحزبية، من ضمنها حجب موقع “درب” الصادر عن حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، وكذلك موقع الشورى، فضلا عن قرارات المجلس الأعلى للإعلام ضد صحفية المصري اليوم، والتي حذر منها خبراء إعلام واعتبروها  “اغتيالًا لحرية الرأي والتعبير”.

حجب 125 موقعًا صحفيًا منذ 2017

تعود واقعة حجب موقع “درب” الصادر عن حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، وبرئاسة تحرير خالد البلشي وكيل نقابة الصحفيين الأسبق، إلى التاسع من أبريل الماضي، بعد انطلاقه بـ30 يوما فقط، ليلحق بقائمة الموقع المحجوبة والتي بلغ عددها 547 موقعًا، من بينها 125 موقعًا صحفيًا، وذلك منذ بداية استخدام ممارسة الحجب في مايو 2017، بحسب مؤسسة حرية الفكر والتعبير.

“رغم أن الموقع مشهر رسميًا وفق قانون الأحزاب المادة 15، والتي تكفل لكل حزب إصدار صحيفتين دون الخضوع لشروط، وعن طريق الاخطارفقط، فضلاً عن إخطارنا المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، إلا أننا فوجئنا بالحجب” يقول رئيس تحرير “درب” خالد البلشي.

وإلى الآن لم يتلق “البلشي” أية شكاوى أو ملاحظات أو ثمة قرار من المجلس الأعلى للإعلام – المنوط به حجب المواقع رسميًا – يتعلق بمحتوى الموقع، معتبرًا أن “درب” بصفته موقعًا صادرًا عن حزب سياسي يساري، حاول أن يعبر عن أطراف المجتمع مع الحفاظ على هويته الحزبية.

ويرجح “البلشي” في تصريحاته لـ”مصر360″، أن يكون حجب الموقع لكونه “مساحة لبعض الأشخاص والأفكار لأناس تمت شيطنتهم” من خلال بعض وسائل الإعلام، مثل المرشحين السابقين للرئاسة حمدين صباحي وخالد علي، والتكتل البرلماني (25-30)، حسب تعبيره.

ويتساءل “البلشي” “هل وجود  مساحة صغيرة لهؤلاء  شيئ مزعج؟، رغم أن المجتمع يتسم بالتنوع، نحن اخترنا درب بين دروب تحاول تعمل لصالح الوطن حتى لو لدينا تناقضات فكرية”.

الإساءة للصيادلة

قبل يوم واحد من حجب موقع “درب” قرر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، برئاسة مكرم محمد أحمد، حجب الموقع الإلكتروني لصحيفة “الشورى” لمدة 6 أشهر، لنشره “تصريحات لم تدل بها وزيرة الصحة وتسيئ إلى الصيادلة”.

واعتبر المجلس التصريحات تثير القلق بين القراء وتشككهم  في المنظومة الطبية بشكل عام، ومواجهة أزمة كورونا على وجه الخصوص، ولاستخدامه ألفاظًا وعبارات لا تليق”، بحسب حيثيات القرار.

ضبط المشهد الإعلامي

وأوضح المجلس، أن القرار يأتي في ضوء توجهه لضبط المشهد الإعلامي، وعدم بث الآراء التي تعتمد على الشائعات والأكاذيب في تقييم الموقف الطبي، وكانت لجنة الشكاوى بالمجلس قد تلقت شكوى مقدمة من الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة ضد موقع إخباري، نسب إليها تصريحات لم تصدر عنها كما شكك في أداء المستشفيات الحكومية.

المجلس الأعلى للإعلام بحسب صلاحياته في الدستور خاصة المادة 211 نص على :” المجلس مسئولاً عن ضمان وحماية حرية الصحافة والإعلام المقررة بالدستور، والحفاظ على استقلالها وحيادها وتعدديتها وتنوعها، ومنع الممارسات الاحتكارية، ومراقبة سلامة مصادر تمويل المؤسسات الصحفية والإعلامية، ووضع الضوابط والمعايير اللازمة لضمان التزام الصحافة ووسائل الإعلام بأصول المهنة وأخلاقياتها، ومقتضيات الأمن القومي، وذلك على الوجه المبين في القانون”.

واستنادا لهذه المادة أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، قبل القرار رقم 16 لسنة 2020 بشأن ما نُشر من مقالات بصحيفة ” المصري اليوم “، وموقعها الإلكتروني، حول سيناء تحت اسم مستعار “نيوتن”، أولها  إلزام الصحيفة وموقعها الإلكتروني بنشر وبث اعتذار واضح وصريح للجمهور عن “المخالفات التي ارتكبتها” بحسب وصف المجلس، وإلزامها بإزالة المحتوى المخالف من الموقع الإلكتروني، فضلا عن غرامة مقدارها 250 ألف جنيه، وحجب الباب الذي نُشرت وبُثت به المواد المخالفة بالصحيفة والموقع الإلكتروني لمدة ثلاثة أشهر.

لم يكتف المجلس بالعقوبات سالفة الذكر، بل أحال رئيس تحرير الصحيفة عبداللطيف المناوي إلى المساءلة التأديبية بنقابة الصحفيين، مع اتخاذ تدبير وقائي بمنع الصحف ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمواقع الإلكترونية من ظهوره لحين انتهاء المساءلة التأديبية، وإحالة الواقعة إلى المستشار النائب العام للتفضل بالنظر والتصرف في الشق الجنائي، مع منع جميع الصحف ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمواقع الإلكترونية من ظهور كاتب سلسلة المقالات المنشورة تحت اسم مستعار “نيوتن” وهو صلاح دياب – مؤسس الصحيفة ومساهم في ملكيتها – وذلك لمدة شهر.

اقرأ ايضا:

الإعلام وهيئاته ..نقلات مضطربة على “رقعة الشطرنج”

 

حيثيات القرار

المجلس أكد في قراره، أن الصحيفة ارتكبت مخالفات جسيمة تنتهك أحكام الدستور، والقانون، وتخالف ميثاق الشرف المهني، والمعايير والأعراف المكتوبة (الأكواد) بقيامها بحملة ممنهجة تنتهك أحكام الدستور والقانون وتنشر وتبث الضغينة قادها صاحب سلسلة المقالات المُشار إليها مؤسس الصحيفة والمساهم في ملكيتها  صلاح الدين أحمد طه دياب – وشهرته صلاح دياب، والتي لم ينسق إلى تأييدها سوى بعض الكتاب العاملين بذات الصحيفة وبعض الشخصيات المجهولة التي تم نشر آرائها المؤيدة لهذه الحملة مما يعصف بمصداقية هذه الحملة ونبل الهدف منها وحسن نية الصحيفة.

وأضاف المجلس في بيانه “أنه قد توقف طويلا أمام إحدى المقالات التي نُشرت خلال هذه الحملة وعجز المجلس عن وصف مدى انعدام المسئولية الوطنية أو معرفة غاية الحملة الحقيقية عندما ذُكر أن ما حدث من إنجازات خلال فترة إدارة سيناء إبان احتلالها بين عامي ١٩٦٧ و١٩٧٣ لم تستطع مصر فعله خلال تاريخها المديد، فهذه الكلمات ما الغاية منها وما هو مدلولها”.

وتساءل المجلس ” ألم ير كاتب المقال كم الجهود والإنجازات التي قامت بها الدولة لتنمية سيناء والتي لا تدخر جهدا في سبيل الارتقاء بها، ألا يدري أن الدولة تعمر سيناء وتواجه الإرهاب في ذات الوقت وبالرغم من ذلك لم تتوقف جهود التنمية بسيناء”.

وقال: “المجلس وهو يوقع الجزاءات والتدابير الواردة بالقرار، كان أمام انتهاك صارخ لأحكام الدستور وتمرد على مبادئه من خلال تلك الحملة الممنهجة التي تبنتها الصحيفة، وارتأى أن تلك الحملة شكلت سقطة مهنية جسيمة تستوجب الجزاء واتخاذ التدابير اللازمة نحو ذلك”.

واعتبر “الحملة  قدمت نموذجا سلبيا لحرية الرأي والتعبير يستهدف الهدم لا يستهدف البناء، ويضر بالوطن لا يقدم مصلحته، وينشر الفرقة لا يعزز تلاحمه وصلابته، ولم تُقدر الصحيفة أنه من المبادئ المسلم بها أن حرية الرأي والتعبير وإن كانت مكفولة إلا أنها ليست مطلقة ليحتمي بها من يخالف أحكام الدستور ويهدم قيم وثوابت المجتمع، وإنما الحرية المصونة هي التي إطارها الحفاظ على ثوابت المجتمع وقيمه وتقاليده والتراث التاريخي له”.

وأكد المجلس في ختام قراره “أن حرية الرأي والتعبير لا يقتصر أثرها على صاحب الرأي وحده بل يمتد إلى المجتمع ككل فتكون مصونة إذا كانت في إطارها المشروع دون أن تتجاوزه إلى الإضرار بالغير أو بالمجتمع، فلا صون للآراء التي تنعدم قيمها والتي ترمي إلى الفرقة ونشر الأحقاد والضغائن أو التي تمس وحدة الوطن وتهدد أمنه القومي”.

بالفيديو رئيس الجمهورية  يرد

تطرق الرئيس عبدالفتاح السيسي لأزمة المقال على هامش افتتاحه عددًا من المشروعات القومية لخدمة التنمية في سيناء، قائلا “الأيام الماضية شهدت نقاشا حول سيناء، وأنا مش عايز أتدخل فيه أوي.. فيه مقالة اتكلمت عن سيناء وعن إمكانية الاستثمار، طرحت أفكار، وكل الكلام اللي اتقال مقدر ومحدش أبدا يقدر يقول له أهداف”، في إشارة إلى المقال سالف الذكر.

ويضيف “كنت أتمني اللي عايز يرد يكون على علم بما نفعله.. نحن خلال 6 سنين ماذا فعلنا بسيناء؟.. إحنا صرفنا أرقام هائلة.. لما نتكلم عن سيناء كأرض 60 ألف كيلو 6% من مساحة مصر.. هل فيه حد مع كل احترامي وتقديري لرجال الأعمال والمستثمرين مستعدين ينفقوا ويعملوا طريق زي طريق شرم الشيخ أو طابا؟، أو النفق يكلفه مليارات كتير؟، لو اتعملت مش هتجيب تكلفة صيانته”.

ويستطرد “احنا مهتمين بأننا نعمر سيناء بأنها تجتذب حجم من السكان اللي في الدلتا والصعيد بعد تعميرها، وزمايلنا في الإعلام لو عايزين يردوا على حد بيتكلم، يقولوا مين ده اللي يدفع 600 مليار جنيه عشان يعمل بنية أساسية وعوائدها أمن قومي والأمن القومي لا يقدر بمال”.

رد الفكر بالفكر

نقيب الصحفيين الأسبق يحيى قلاش، رغم مخالفته الرأي لمحتوى مقال “المصري اليوم”، إلا أنه في الوقت نفسه ضد قرارات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام واصفا إياها بـ”الانتقائية والمسيسة” معتبرا مثل هذه القرارات “اغتيال لحرية الصحافة والرأي والتعبير”.

“قلاش” يوضح أن المجلس الأعلى للإعلام طبقا للدستور مفترض هيئة مستقلة، ورغم ذلك تلقى شكاوى عديدة ضد صحف قومية لسبها وقذفها صحفيين من ضمنهم أعضاء بمجلس النقابة ولم يحرك لها ساكنا.

 
“دور المجلس الأعلى الدفاع عن التنوع وزيادة هامش الحرية في مهنة تعمل وتنمو بالحرية، ومواجهة الفكر بالفكر”، بحسب “قلاش”، معتبرًا قرارات المجلس ضد صحيفة المصري اليوم تبدو سياسية.

كما أنه يرى أن اتخاذ المجلس الأعلى أقصى العقوبات، بتبني المسار الجنائي والنقابي أمرًا غير مألوف، قائلا: “إذا رأى المجلس في أسباب إحالة كاتب المقال للنيابة لأنه ارتكب تهديدًا للأمن القومي أو مخالفة الدستور كان عليه  فرض العقوبة الجنائية فقط، والنيابة  تتصرف إما استكمال الشق الجنائي في حالة تهديد الأمن القومي بالفعل، أو إحالة الأمر للنقابة إذا كان مخالفة في قضايا النشر”.

ويستنكر “قلاش” اتخاذ أكثر من عقوبة في واقعة واحدة، فضلا عن فرض غرامة بـ250 ألف وهي أقصى غرامة في لائحة جزاءات المجلس الأعلى، قائلا: “جرائم النشر لا ترقى لهذا المبلغ وكأنها  حكم جنائي”، قبل أن يختتم حديثه بالقول: “رغم إدانتي لمحتوى مقال نيوتن وأنه ضد قناعاتي إلا أن هناك طرق أخرى لمعالجة الموقف، أولها رد الفكر بالفكر”.

الحق في التعبير عن الرأي

يوافقه الرأي عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة السابق حسن عماد مكاوي، مستنكرا آلية حجب المواقع لتقيدها حرية الرأي والتعبير، خاصة أن الدستور كفل هذا الحق، في المادة 65 من الدستور التي نصت على “حرية الفكر والرأي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو بالكتابة، أو بالتصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر”.

وفضّل في تصريحاته له لـ”مصر 360″  إحالة واقعة مقال نيوتن إلى النائب العام، وهو ما يحدد إذا كان المنشور مساسًا بالأمن القومي من عدمه. مضيفا ” المجال يتسع لاختلاف وجهات النظر”.

اقرأ أيضا: 

 “لا تهويل ولا تهوين” .. جنود”القلم” خلف الكواليس في معركة “كورونا”