في فجر يوم 2 مايو 2011، أقدمت قوة خاصة من الجيش الأمريكي أقلّتها أربع مروحيات عسكرية، على قتل أسامة بن لادن، زعيم تنظيم “القاعدة”، الذي كان مُطاردًا من وكالة الاستخبارات الأمريكية، منذ اتهام التنظيم بتنفيذ هجمات 11 سبتمبر 2001، وكان الرجل مختبئًا عشية قتله في مجمع سكني بمنطقة “أبوت آباد” الباكستانية.
sss
وخلال عملية مُخططة استغرقت 40 دقيقة، داهمت قوات أمريكية خاصة تدعى “السيلز” المجمع السكني، حيث كان “ابن لادن” يقيم به مع زوجاته وأبنائه، ووقعت اشتباكات عنيفة بينه ورجاله وبين القوات الأمريكية، أسفرت عن مصرعه بطلقة في رأسه.
وفي ذكرى مرور تسع سنوات على مقتل زعيم تنظيم «القاعدة»، تتكشف يومًا بعد يوم أسرار وخفايا جديدة عن حياة “ابن لادن”، ومنها فترة وجوده في السودان تحت حكم الرئيس السابق عمر البشير، فضلًا عن الأدوار المهمة التي قام بها نجله حمزة بن لادن بعد مقتل الأب، ثم اغتيال “حمزة” نفسه في سبتمبر 2019، وما تبع ذلك من تغيّر جذري في استراتيجية التنظيم خلال المرحلة المقبلة.
وكشف الأمير تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق، خلال برنامج تليفزيوني أذيع مؤخرًا، لأول مرة، عن أسرار جديدة في سيرة زعيم “القاعدة”، نافيًا الاتهامات التي روجها البعض على مدار السنوات الماضية، بأن التنظيم هو – في الأصل- صنيعة الاستخبارات السعودية والأمريكية في أفغانستان، مبينًا أن دور الاستخبارات في أفغانستان كان دعم جهود المجاهدين ضد الغزو السوفيتي، ومنع امتداد هذا الغزو إلى باكستان.
الأمير تركي الفيصل: لم يكن لي علاقة بأسامة بن لادن، ولكني التقيته في مناسبات دعت إليها السفارة السعودية في باكستان، ثم قابلته في جدة، حيث كان يطلب دعمًا استخباراتيًا في اليمن الجنوبي
وأضاف الأمير تركي: “كان هناك تعاون سعودي أمريكي باكستاني للدعم ضد هذا الغزو، حيث تجمع الملايين من المجاهدين الأفغان في معسكرات للاجئين في باكستان، وقام المتطوعون أو المجاهدون العرب بتقديم خدمات للاجئين الأفغان، وزعماء القاعدة العرب تجمعوا مع الأفغان في بيشاور، وكان ذلك بداية تنظيم القاعدة الإرهابي، ولا سيما مع اشتعال الحرب الأهلية في أفغانستان، ولم يكن للاستخبارات السعودية والأمريكية أي دور في ذلك نهائيًا”.
وأوضح الفيصل في حديثه: “لم يكن لي علاقة بأسامة بن لادن، ولكني التقيته في مناسبات دعت إليها السفارة السعودية في باكستان، ثم قابلته في جدة، حيث كان يطلب دعمًا استخباراتيًا في اليمن الجنوبي ليعمل هو والمجاهدون العرب ضد النهج الشيوعي وقتها، وهو ما رفضته، وفي عام 1995 عرض الرئيس السوداني السابق عمر البشير تسليم بن لادن للمملكة بشرط عدم مقاضاته، وتم رفض ذلك من الحكومة السعودية، وبعدها ذهبت بطلب من ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز وقتها إلى الملا عمر في أفغانستان لطلب استلام بن لادن لمحاكمته في الرياض، ولم يتم الأمر”.
أسرار سنوات السودان
بعد انسحاب “الجيش السوفيتي” من أفغانستان في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، وعقب معارك ضارية خاضها “المجاهدون العرب” وعلى رأسهم أسامة بن لادن وجماعته، بدعم أمريكي، خشي هؤلاء المجاهدون ضد الاحتلال السوفيتي أن تقوم واشنطن بتسليمهم إلى حكومات بلادهم، بعد انتهاء دورهم بانسحاب الجيش الأحمر.
وعلى إثر بروز ذلك التهديد المحتمل، اختارت أعداد كبيرة من مقاتلي “الجهاد الأفغاني” السودان ملجأ آمنًا لهم، بعد أن فتح لهم الرئيس السابق عمر البشير أراضي البلاد، ورحب بهم فيها، فعمل بعضهم زمنًا مع “ابن لادن” في مجالات الاستثمار الزراعي والحيواني.
وكشفت مصادر سودانية، مؤخرًا، بمناسبة ذكرى اغتيال “ابن لادن”، أن طرد زعيم تنظيم “القاعدة” من البلاد عام 1996، كانت فكرة علي عثمان محمد طه، نائب الرئيس البشير آنذاك، وذلك في أعقاب المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس المصري محمد حسني مبارك، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا عام 1995، والتي أُشيع وقتها أن “ابن لادن” ومعاونه المصري الدكتور أيمن الظواهري، زعيم التنظيم الحالي، كانا وراء تدبيرها وتنفيذها.
سعى نائب الرئيس السوداني، وقتها، إلى التخلص من “ابن لادن”، بعدما ترددت أحاديث بثها جهاز الاستخبارات السودانية نفسه، عن وجود دلائل تشير إلى ضلوعه مع عناصر في النظام في هذه العملية، وأنه قام بتوفير وسائل دعم لوجيستية لمدبريها، وهو الأمر الذي ثبت عدم صحته فيما بعد، حيث قال مدير جهاز الأمن والاستخبارات السوداني الأسبق قطبي المهدي إن “طه” هو نفسه الذي دبر محاولة اغتيال حسني مبارك، وأنه عمل على توفير الدعم اللوجيستي والتمويل للمجموعتين اللتين نفذتا العملية، وهما عناصر من “الجهاد المصري” و”الجماعة الإسلامية”، ولم يكن لـ “القاعدة” أي يد فيها على الإطلاق، غير أنه فضل الزج باسم “ابن لادن” و”الظواهري” في العملية بعد فشلها الذريع.
وكذّبت المصادر السودانية الرواية الرسمية المتداولة عن مغادرة “ابن لادن” السودان، مؤكدة أن الادعاء بأن ذلك جاء برغبة منه أمر مجافٍ للحقيقة، وأن بعض “إخوان السودان” ضحوا بالرجل خوفًا مما يمكن أن يجره عليهم من تداعيات فشل محاولة اغتيال مبارك، والتي أيضًا أطاحت بمدير جهاز المخابرات حينها، نافع علي نافع، وقيادات بارزة من الإسلاميين في الجهاز.
بعض “إخوان السودان” ضحوا بـ “ابن لادن” خوفًا مما يمكن أن يجره عليهم من تداعيات فشل محاولة اغتيال مبارك
وفي عملية أمنية خاطفة، قبيل طرد “ابن لادن” ومساعديه من البلاد، اعتقل جهاز الاستخبارات السوداني، كل العناصر المتشددة من الإسلاميين الأجانب الموجودين في البلاد، وسلموا الليبيين إلى العقيد القذافي والإريتريين للرئيس أسياس أفورقي، وطرد الإسلاميين من “جماعة راشد الغنوشي” التونسية أيضًا، كما كان بصدد تسليم “ابن لادن” نفسه للولايات المتحدة، لولا تدخل حسن الترابي زعيم “الجبهة الإسلامية” السودانية، الذي حذر من أن “القاعدة” سيعمل على استهداف السودان إذا حدث ذلك، فتم السماح له بمغادرة البلاد إلى جبال “تورا بورا” في أفغانستان.
وكانت آخر كلمات أسامة بن لادن وهو في طريقه إلى سلم الطائرة العسكرية مغادرًا الخرطوم للمسؤولين السودانيين: “سأغادر، ولكنكم لن تحلوا مشاكلكم مع الأمريكيين”.
“الهجرة” إلى أفريقيا
بعد مقتل والده، أصدر حمزة بن لادن، نجل أسامة، عدة “رسائل صوتية” حرّض فيها على تنفيذ هجمات ضد الأمريكيين في عدة مناطق على مستوى العالم، منها العراق، وذلك ثأرًا لوالده، كما دعا “حمزة” أنصار التنظيم إلى شن هجمات على نسق “الذئاب المنفردة” في دول غربية وعربية ضد المصالح الأمريكية.
وبدا واضحًا من هذه الإصدارات أن حمزة بن لادن كان يتولى منصبًا يتزايد أهمية في التنظيم، ما عزز التقارير التي قالت إنه يُخطط ليكون خليفة محتملًا لـ “الظواهري” في مرحلة ما. غير أن هذه الخطط ذهبت أدراج الرياح، عندما نجح الأمريكيون في قتله.
وأحدث اغتيال “حمزة بن لادن”، تحولًا دراماتيكيًا خطيرًا في استراتيجية “القاعدة”، حيث “هاجر” معظم أعضاء التنظيم فرادى إلى أرض جديدة، هي قارة أفريقيا التي أصبحت المركز الرئيس للتنظيم، بعد أن أدى استمرار الهجمات الأمريكية لمكافحة نشاط “القاعدة”، إلى حرمان التنظيم من قادته المخضرمين الذين قُتلوا بغارات شنتها طائرات “درون” على الحدود الباكستانية مع أفغانستان، ما أسهم في تغيير مخططات “القاعدة” بشكل جذري، واعتبار أفريقيا هي الأرض الموعودة لأعضائه خلال الفترة الأخيرة.
وحافظ فرع “القاعدة” في منطقة الساحل الأفريقي، ممثلًا في “جبهة نصرة الإسلام والمسلمين”، على وتيرة نشاطه في النيجر وبوركينا فاسو ومالي. كما حافظ فرع التنظيم في شرق أفريقيا، ممثلًا بـ “حركة الشباب” الصومالية، على زخم ونشاطه في الصومال وكينيا.
نشأة فروع “تنظيم القاعدة”
استطاعت المجموعة الصغيرة التي لم تتجاوز 100 شخص في سبتمبر 2001، إلى تكوين تنظيم إرهابي كبير عابرة للحدود، استطاع تجنيد الآلاف، وفقًا لإحصائيات مجلس العلاقات الخارجية، وانتشر التنظيم الإرهابي في العديد من الأماكن منها:
“القاعدة” في بلاد المغرب الإسلامي
نشأت عام 2006 عندما انضمت جماعة متشددة مقرها الجزائر إلى “تنظيم القاعدة”. قبل انتقالها إلى الساحل وغرب أفريقيا، بعد حملة أمنية شنتها القوات الجزائرية.
“القاعدة” في شبه جزيرة العرب
نشأت في عام 2009 باندماج فرعين إقليميين في اليمن والسعودية.
“القاعدة” في شبه القارة الهندية
تأسست في سبتمبر 2014، وتعمل في أفغانستان وباكستان والهند وميانمار وبنجلاديش.
جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”
تشكلت باندماج عدد من الجماعات المسلحة في مالي وغرب أفريقيا.
“حركة الشباب”
أعلنت ولاءها لـ”تنظيم القاعدة” في عام 2012، وتنشط في الصومال وشرق أفريقيا.
“هيئة تحرير الشام”
نشأت باندماج عدة مجموعات جهادية سورية مسلحة، تسيطر على محافظة إدلب في شمال سوريا. على الرغم من إصرارها على أنها حركة مستقلة، فإن الأمم المتحدة والولايات المتحدة تعتبرها جماعة مرتبطة بـ”تنظيم القاعدة”.
“تنظيم القاعدة” في مصر
يتكون من جماعات مرتبطة بـ”تنظيم القاعدة” تعمل في شبه جزيرة سيناء.