تعيد الدول الكبرى هندسة حركة رؤوس الأموال والاستثمارات في عصر ما بعد “كورونا” من الآن، واضعة أمامها خريطة افتراضية للعالم، وتتحرك أعينها باستمرار تجاه المناطق الواعدة التي يمكن أن تشارك الصين الإنتاج، بعدما كشفت الأزمة خطورة الاعتماد عليها فقط في احتكار سلاسل الإمداد العالمي.

sss

تظهر مصر كنقطة جاذبة على خريطة العالم بموقعها المتوسط بين القارات، وسلسلة من التشريعات والتحركات التي تبنتها الدولة لتحسين مناخ الأعمال، والإصلاح الاقتصادي الذي تبنته الدولة وساهم في استقرار سعر صرف العملة أمام الدولار الأمريكي.

يقول محسن عادل، رئيس هيئة الاستثمار الأسبق، إن مصر لديها فرصة نادرة التكرار لكي تكون دولة مستقطبة للاستثمارات في عصر ما بعد كورونا، لكنها تحتاج إلى بعض الرتوش التي يجب العمل عليها بسرعة لرفع الاستثمار الصناعي في الناتج المحلي لا تتجاوز17% مقابل نسبة تتراوح بين 25 و33% عالميًا.

يمكن لمصر استثمار تقدمها على مستوى التصنيفات في ممارسة الأعمال، في تحسين صورتها دوليًا، بعدما احتلت المرتبة 114 من بين 190 دولة لعام 2019، مقابل المركز 120 بتقرير ممارسة الأعمال 2018، والذي كان مدفوعًا بمؤشرات إمكانية الحصول على الكهرباء والطاقة وحماية صغار المستثمرين، وسداد الضرائب.

ويطالب “عادل”، الذي يحتل حاليًا منصب نائب رئيس الجمعية المصرية للاستثمار والتمويل، في تصريحات خاصة بتقليل تكاليف الاستثمار في مصر بداية من مرحلة تأسيس الشركات والتراخيص، ثم مرحلة التشغيل التي تعتبر الأعلى في الأعباء من ضرائب وتكلفة الطاقة والنقل ومشاكل التأمينات والضرائب وسعر الأراضي نهاية بمشكلات التصدير وتكاليف النقل، والمنافسة الشرسة مع الإنتاج العالمي.

اقرأ أيضًا:

مصائب تجار التمور.. أولي انتكاسات التجارة الموسمية بسبب كورونا

يقترح “عادل” تدشين إستراتيجية لتصنيع السلع الوسيطة محليًا، والاعتماد على استيراد الخامات وتصنيعها محليًا باعتبار أنها أقل تكلفة عبر المنشآت الصغيرة والمتوسطة التي يمكن أن تعمل بمجال تغذية الصناعات النهائية،  وعادة تفعيل دور المجلس الأعلى للاستثمار ليتولى مراجعة الإجراءات والقوانين، وأن تحظى قراراته بالإلزام لجميع الوزارات لحل أي خلافات تنشب مع المستثمرين.

ودعا إلى تعزيز الشراكة بين الدولة والمنتجين الذين يقومون حاليًا بالدور الأكبر في منظومة الإنتاج والتوزيع للسلع والخدمات، والاستفادة من تجربة الدول التي عمقت إنتاجها الصناعي بتعزيز الصناعات المغذية للمنتج النهائي، مثل تايوان وكوريا الجنوبية.

كانت كوريا الجنوبية من أفقر دول العالم لكنها تغلبت على قلة الموارد بخطط مرحلية أولها  الصناعات الخفيفة التي لا تحمل مخاطرة كبيرة ولا تحتاج رأسمال كبير كالنسيج، ثم الانتقال إلى مرحلة الصناعات الثقيلة والكيماويات التي استحوذت على 71% من القطاع الصناعي، ومع نهاية التسعينيات بدأت دخول مجال الصناعات التكنولوجية بدون إهمال الصناعات الثقيلة.

وطالب بوضع برنامج متكامل لمراجعة التكاليف التي تواجها الشركات بمصر، ما يمنحها قدرة أكبر على المنافسة بدءًا من تكاليف التأسيس والتراخيص وتكلفة الحصول على أراض ٍومرافق وأعباء الطاقة والضرائب والتأمينات والرسوم التنظيمية وتكلفة النقل والمواد الخام والرسوم الجمركية وتكاليف تأخير الإجراءات الحكومية، مع مقارنة متوسطات التكاليف بالمتوسطات الدارجة فى منطقة الشرق الأوسط، والعوائد من الاستثمار، لمنح مصر أفضلية أعلى مع المنافسين.

وعقد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، اجتماعًا مع رجال الصناعة ومستثمرين، أكد فيه أن المرحلة القادمة تُمثلُ فرصة كبيرة لتعميق الصناعة المحلية، مشددًا على وجود تحديات تواجهها لكن الحكومة تعمل على تذليله وتحقيق قدر أكبر من التناغم مع رجال الصناعة، وتحويل المحنة الراهنة إلى منحة.

ويقول رئيس هيئة الاستثمار الأسبق إن مصر عليها التحضير للثروة الصناعية الرابعة والترويج للتصنيع بتكنولوجية عالية، واستحداث علامة تجارية موحدة للتسويق سواء صناعي أو استثماري، وإنشاء مركز معلومات موحد بهيئة الاستثمار لتوظيف الذكاء الاصطناعي، وبناء شبكة معلوماتية تقدم بيانات حول التوزيع الجغرافي لأرباح الشركات، وقوائم منتجات كل شركة وأبحاث خاصة بالقطاعات الصناعية والإنتاجية.

اقرأ أيضًا:

بين مخاوف الانتشار وحتمية رفع القيود.. 3 سيناريوهات لـ”أزمة كورونا” في مصر

يعرف عصر الثورة الصناعية الرابعة، وهو مصطلح تم إطلاقه في منتدى دافوس الاقتصادي قبل أربعة أعوام، بإزالة الحدود الفاصلة بين المجالات المادية والرقمية والبيولوجية باستخدامات الروبوتات والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية وتقنية “النانو”، وإنترنت الأشياء، والطباعة ثلاثية الأبعاد، أو ما يسمى بـ “العصر الثاني للآلة”، بينما تعود الثورة الصناعية الثالثة إلى  الستينيات مع ظهور الكمبيوتر والانترنت ودخولها في التصنيع.

ويطالب بتحريك منظومة حوافز الاستثمار، التي تضمنها القانون “72 لسنة 2017” سواء فيما يتعلق بالحوافز الضريبية وغير الضريبية لتحقيق أهدافها وتشجيع الشركات على إعادة استثمار فوائض الأرباح المحققة ضمن نتائج أعمالها مجددًا والتوسع، ما يرفع من معدلات الاستثمار.