ظلت مصر من الدول الشهيرة بامتلاكها طبقة عاملة قوية تحمل لقب “البروليتاريا” الوطنية، قبل أن تنذوي تلك الطبقة وتختفي من المصانع تدريجيًا، كارهة عزف الآلات وطنين المحركات، باحثة عن تجربة أكثر  ربحية في مهن أخرى أكثر ربحية كالعمل في وساطة العقارات أو قيادة مركبات التوكتوك.

sss

تتزايد شكاوى جمعيات المستثمرين، حاليًا، من غياب العناصر البشرية المدربة، التي أصبحت مشكلة تصادف أي مستثمر جديد، يشق طريقه للدخول إلى السوق المصرية، التي تضطر كثيرًا للاستعانة بعمال أجانب لغياب كفاءات محلية.

يقول المهندس بهاء العادلي، رئيس جمعية مستثمري مدينة بدر الصناعية، وعضو الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين، إن عدم وجود عمالة مدربة في السوق المصرية أصبحت مشكلة أساسية تواجه أي مشروع جديد، بسب قلة الاهتمام في السنوات السابقة بنظم التعليم الفني والصناعي مطالبا الحكومة بالتوسع في تجارب المدارس التطبيقية.

لا ينكر صندوق تطوير التعليم تلك المشكلة معترفاً بأن التعليم الفني ظل لفترات طويلة يعاني من ضعف البنية التحتية في المدارس التي تجعل الدراسة نظرية، وعدم حضور الطلاب، وعدم تدريب المدرسين بالشكل اللائق بجانب الصورة الذهنية السلبية عن التعليم المتوسط بشكل عام وربطه بأبناء الفقراء وذوي القدرات العلمية الضعيفة.

 

وأنشأت مصر سلسلة مدارس جديدة بالتعاون مع القطاع الخاص متخصصة في التكنولوجيا التطبيقية التي تقوم على الشراكة بين وزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى والقطاع الخاص، وتطبق المعايير الدولية فى التدريس الحديث والتقييم والمناهج التعليمية، كما توفر بيئة تعليمية متميزة للطالب والمعلم سواء فى المدرسة أو مواقع التدريب العملى، حيث تعمل على إعداد خريجين مؤهلين للعمل بالسوقين المحلية والدولية.

يقول العادلي إن الطالب يحصل على تدريب عملى أثناء فترة الدراسة بمصانع وشركات الشركاء من القطاع الخاص، الذى يقوم بتعيين الطلبة المتميزين فور تخرجهم، ومنحهم مكافآت مالية أثناء فترة التدريب العملى، وتقوم على التطوير المستمر والشامل للمعلمين الذين يحصلون على حوافز مادية ومعنوية عديدة مرتبطة بأدائهم.

اقرأ أيضًا:

6 ملايين بائع في الشارع.. “لقمة العيش” مُقدمة على عدوى كورونا

وتأتي تجربة المدارس التطبيقية كأحد الوسائل الأساسية لتطوير المدارس الفنية التقليدية التي تخرج قرابة 2 مليون خريج من التعليم الفني سنويًا، ومن المفترض إلحاقهم بفرق العمل، لكنهم يتسربون إلى التعطل، باستمرار ليزيدوا معدل البطالة التي تمثل مقياس هام لنجاح السياسات الاقتصادية.

واتخذت جمعية مستثمري بدر خطوات لحل مشكلة تأهيل العمالة بإنشاء وحدة تعليمية تحتوي على 10 فصول، كل منها يضم 25 طالبا عبر برنامج التعليم المزدوج بين فصول الجمعية والتعليم الفني باستخدام التكنولوجيا التطبيقية لتدريب الطلاب قبل مرحلة التخرج لكي يتم العمل على تأهيلهم للعمل في مختلف الصناعات وتوفير لهم عمل ثابت بعد التخرج بالمناطق الصناعية وأصبح لديها حاليًا 30 ألف عامل فني.

واستعانت مصر في السنوات الأخيرة بالصين لإنشاء مركز تدريب مهني بمنطقة قناة السويس لتنمية مهارات العاملين المهنية للعمل في المنطقة الصينية التي تضم أكثر من 80 شركة بإجمالي 3 آلاف فرصة عمل، بالتزامن مع تأسيس مركز تدريب مهني وفني بشراكة بين شركه “سيمنز” العالمية والوكالة الألمانية للتعاون الدولي، وبالتنسيق مع المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.

ويطالب ريمون عطا لله، رئيس لجنة التشغيل بجمعية 6 أكتوبر، تغيير بعض بنود قانون العمل بإضافة نص يمنع مغادرة العمال المصانع التي تم تعيينهم فيها إلا بعد مدة محددة أو اشتراطات واضحة عند تركهم أعمالهم للالتحاق بأخرى في المجال ذاته في أماكن مجاورة.

وقال إن “التوك توك” أصبح إحدى المشكلات الأساسية للصناعة المصرية ويؤدي إلى غياب الحرف اليدوية والمهنية بمصر، فدخل السائق على المركبة دون مجهود أو احتياج إلى تدريب أو تلقي أوامر أعلى بكثير من العامل داخل المصنع.

ووفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن عدد مركبات التوكتوك بمصر أكثر من 3 ملايين مركبة، يعمل عليها قرابة 7 ملايين شخص غالبيتهم صالحين للعمل، أو كانوا عمالا وحرفيين ومزارعين هجروا مهنهم الأصلية لصالح مهنة تدر عائدًا أكبر.

وتعاني مدن الغزل  والنسيج مثل المحلة الكبري من نقص في العمالة ذات الخبرة التراكمية التي تركت المهنة بسبب ضعف الأجور، واتجهت إلى العمل باليومية في المدن العقارية كالمنصورة الجديدة أو الانضمام لشركات تقديم الخدمات الأمنية.

ويضيف “عطا الله” أن 95% من المصانع المصرية تتم بمعدل دوران عالٍ، فالعامل المصري يدخل المصانع بدون خبرة أو تدريب وتتحمل المصانع تكلفة الفترة التدريبية اللازمة لكي يصبح العامل مؤهلاً، لكنه يترك عمله بعدها بحثا عن عائد أعلى في مكان آخر باعتباره مؤهل ضمن “السوق الحر”.

ويراهن رجال الأعمال في مرحلة ما بعد كورونا على عودة جزء من العمالة المصرية الجيدة المتواجدة في الخارج، واستغلالها محليا مع توفير العائد المالي المرضي لها، معتبرين أنها أمل الاستثمارات الجديدة.

اقرأ أيضًا:

شهادات ” الغلابة” ..حكايات من قلب الشارع ترصد معاناة العمال

وتضمنت لائحة قانون الاستثمار لعام 2017 السماح بزيادة عدد العاملين الأجانب في المشروعات الاستثمارية إلى 20% من إجمالي العاملين في المشروع عدم توفر عمالة وطنية تملك المؤهلات اللازمة، على أن تكون الأفضلية للأجنبي المولود والمقيم بصفة دائمة في مصر حال وجود أكثر من أجنبي في التخصص ذاته.