ربطت ورقة بحثية صادرة مؤخرًا عن “بنك الاحتياطي الفيدرالي” الأمريكي، بين ظهور جائحة “الإنفلونزا الإسبانية” التي اجتاحت العالم بين عامي 1918- 1919، وصعود “الحزب القومي النازي” في ألمانيا، محذرة من وجود بوادر على حدوث نفس الظاهرة السياسية حاليًا، بصعود جماعات اليمين المتطرف وخاصة “النازيين الجدد”، جرّاء تفشي وباء كورونا في أوروبا والولايات المتحدة وروسيا.

sss

وذكرت الورقة البحثية أن المدن الألمانية التي شهدت آنذاك وقوع أكبر عدد من الوفيات بسبب وباء “الإنفلونزا الإسبانية”، شهدت في الوقت نفسه، انخفاضًا في الإنفاق الاجتماعي، ما أدى إلى ظهور سخط عام في أوساط الرأي العام الألماني، ارتبط بعد ذلك بزيادة كبيرة في نسبة الأصوات التي حصل عليها المتطرفون النازيون، وأوصل أدولف هتلر ورجاله العنصريين المؤمنين بتفوق العنصر الآري الجرماني على بقية شعوب العالم.

وإلى ذلك، ربط “بنك الاحتياطي الفيدرالي” في ورقته البحثية بين الآثار والتبعات الاقتصادية الباهظة التي أوجدتها جائحة كورونا مؤخرًا في بعض دول أوروبا، وبين تصاعد نفوذ اليمين العنصري المتطرف، سواء في إطار حرب “اليمين الأبيض” المستمرة على المهاجرين، أو في تمكنه من تحقيق مكاسب سياسية لم يكن ليحلم بها من قبل، غير أن الوباء أتاح فرصة ذهبية لتحقيقها على الأرض أخيرًا، وذلك في ظل تنامي حالة من التذمر الشعبي ضد الأحزاب الحاكمة في تلك الدول.

احذروا.. “الكارثة قادمة”

يرى المراقبون أن المثال الإيطالي خير دليل على مدى الارتباط الوثيق بين تفشي كورنا وصعود اليمين المتطرف، حيث شعرت إيطاليا بأنها “تُركت وحيدة” في بداية الأزمة، خصوصًا مع تردد الدول الأوروبية مشاركتها الإمدادات الطبية التي كانت بحاجة ملحة إليها، ودخول دول مثل روسيا والصين على خط مواجهة الوباء في إيطاليا، الأمر الذي أوغر صدور الإيطاليين ضد دول الاتحاد الأوروبي، وضد فكرة الوحدة الأوروبية نفسها، والتي سقطت في أول اختبار جدي تحت أقدام فيروس كورونا.

اقرأ أيضًا:

“المحتوى المسموم”.. كيف أصبح الإنترنت “مفرخة” لليمين المتطرف؟

وفيما شهدت منصات التواصل الاجتماعي خلال الآونة الأخيرة نشاطًا كبيرًا للجماعات اليمينية الداعية إلى الانكفاء على الذات الوطنية، كشف استطلاع رأي أجرته شركة “تكني” لتكنولوجيا المعلومات في روما خلال أبريل الماضي، عن أن نسبة الإيطاليين الذين قد يصوتون لصالح الانسحاب من الاتحاد الأوروبي في حال جرى استفتاء على الأمر، ارتفع بعشرين نقطة مئوية إلى 49%، مقارنة باستطلاع سابق جرى أواخر 2018.

ويتوقع المراقبون أن يستفيد السياسي اليميني المتشدد ماتيو سالفيني، زعيم حزب “رابطة الشمال” المتطرف من هذه الأجواء، إذ يسعى حاليًا للعودة إلى السلطة منفردًا، بعدما حكم حزبه إيطاليا ضمن ائتلاف لمدة عام حتى صيف 2019.

بدا “سالفيني” مؤخرًا فاقدًا للمنطق، وغير قادر على التصرف كرجل دولة يواجه حالة طوارئ، وراح يلقي الاتهامات في كل الاتجاهات، ويشن هجمات عنصرية غير إنسانية بالمرة ضد المهاجرين

وبدا “سالفيني” مؤخرًا فاقدًا للمنطق، وغير قادر على التصرف كرجل دولة يواجه حالة طوارئ، وراح يلقي الاتهامات في كل الاتجاهات، ويشن هجمات عنصرية غير إنسانية بالمرة ضد المهاجرين، وليس غير الشرعيين منهم فحسب، بل جموع المواطنين الإيطاليين من أصول أجنبية. وهو ما لقي صدى واسعًا في أوساط اليمين الأوروبي بشكل عام.

أما في ألمانيا، فقد حذّرت “هيئة حماية الدستور” (المخابرات الداخلية)، عبر تقرير لها صدر في أبريل الماضي، من إمكانية استغلال اليمين المتطرف أزمة جائحة كورونا لنشر “نظريات المؤامرة” العالمية، والتحريض ضد اللاجئين وتحميلهم مسؤولية تفشي الجائحة.

وتقدر هيئة حماية الدستور في ألمانيا، خطر تعرض اللاجئين في البلاد لهجمات من قبل اليمين المتطرف في سياق أزمة كورنا، بأنّه كبير جدًا، وفي ما نقلت وكالة الأنباء الألمانية.

هيئة حماية الدستور الألمانية: جزءًا من المشهد يناقش فيما إذا كان سيجلب الوباء (كورونا) معه اليوم الذي يجب على المرء الاستعداد له للسيطرة على الأجهزة الحكومية الفاشلة

وجاء في تقرير الهيئة حول المشهد اليميني المتطرف في ألمانيا أنّ “جزءًا من المشهد يناقش فيما إذا كان سيجلب الوباء (كورونا) معه اليوم الذي يجب على المرء الاستعداد له للسيطرة على الأجهزة الحكومية الفاشلة”.

بحثاً عن “عدو عرقي”

يقول باولو غيرباودو، مدير مركز الثقافة الرقمية بكلية كينغز بجامعة لندن، إن فيروس كورونا سبب إحراجًا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لكن هذا لن يمنع اليمين الدولي المتطرف المؤيد لـ “ترامب” من مواصلة معركته، مشيرًا إلى أن هذه الأزمة تدعو إلى تغير جذري في السياسة الاقتصادية يتناقض مع الأيديولوجية الشعبوية التي تجمع ما بين الشوفينية على الجبهة الثقافية والسياسات “النيوليبرالية” المتطرفة على الجبهة الاقتصادية.

يضيف “غيرباودو” أن تقديم الدعم للصناعات الوطنية بدءًا من توفير المعدات الصحية والدواء ليست أمورًا تهم الشعبويين، الذين تبنوا سياسة الحماية التجارية. وهم يعارضون بقوة “إجراءات الرفاه”، التي أصبحت أمرًا ضروريًا لتجنب الكارثة الاجتماعية القادمة في أوروبا وأمريكا، محذرًا من أن هذه الكارثة قد تؤدي إلى حدوث تغييرات كبرى في الخارطة السياسية الدولية.

ويسعى اليمين الشعبوي في أوروبا والولايات المتحدة حاليًا إلى اغتنام الفرصة السانحة، مؤكدًا قدرته على الصيد في الماء العكر، حيث استغل يأس الناس، والبحث عن “كبش فداء” لتحميله المسؤولية. وربما اتبع نفس الأسلوب لو أصبحت الأمور أكثر خطورة. وما قام به رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان مؤخرًا من تعليق البرلمان والحكم عبر المراسيم هو نذير لما سيأتي.

صعود الخطاب اليميني العنصري المعادي للصين، وانتشار ظاهرة “الصينوفوبيا” على نطاق واسع في أوساط الشعبويين الجدد

وفي إطار التفتيش هنا وهناك عن “كبش فداء”، لوحظ صعود الخطاب اليميني العنصري المعادي للصين، وانتشار ظاهرة “الصينوفوبيا” على نطاق واسع في أوساط الشعبويين الجدد، فقد وصف “ترامب” فيروس كورونا بـ “الفيروس الصيني”.

من جهته، خلص “سالفيني” إلى أن معرفة الحكومة الصينية بمدى الفيروس وعدم إخبار العالم عنه، إنما هي أمر يدخل في عداد “الجرائم ضد الإنسانية”، وتبنى حلفاؤه اليمينيون في إسبانيا نفس الخطاب السياسي العنصري، فيما بدا وكأنه استراتيجية منسقة لتمرير الغضب الذي تسببت به الأزمة، وتوجيه التهمة إلى الآخرين، بحثًا عن “عدو عرقي” هذه المرة!.

اقرأ أيضًا:

في ذكرى مقتله.. أسرار جديدة عن “بن لادن” ودور “مبارك” في طرده من السودان

ورصد كيث كلور، الأستاذ المساعد في جامعة نيويورك، مفارقة سياسية في موقف اليمين الأمريكي من الجائحة، مشيرًا إلى أن أنصار الرئيس الأمريكي يحاولون الآن ترويج “نظرية المؤامرة” حول فيروس كورونا المستجد، على شبكة الإنترنت، وذلك رغم أن “ترامب” نفسه قلل من شأن المرض الجديد في السابق، قبل أن يعود ويعترف بأنه خطير.

وإلى ذلك، قالت صحيفة “الجارديان” البريطانية إن جماعات النازيين الجدد في أوروبا والولايات المتحدة تبحث عن طرق لاستغلال تفشى وباء كورونا، لارتكاب أعمال عنف. وأوضحت الصحيفة أن جماعة المراقبة “مركز قانون الفقر الجنوبي” في أمريكا دقت مؤخرًا أجراس إنذار بشأن انتهازية جماعات اليمين المتطرف، التي باتت تعتقد أن زرع بذور الفوضى والعنف سيعجل بانهيار المجتمع، ما سيسمح لهم ببناء مجتمع يحتل فيه الشخص الأبيض مكانته المرموقة بين البشر.

وأضافت “الجارديان” أنه مع سماح عدد من منصات “السوشيال ميديا” للمتطرفين البيض بأن يعبروا عن آرائهم، فإن جهود الدعاية لاستخدام أزمة كورونا كأداة لتجنيد المتطرفين بشكل رئيسي، تبدو واضحة تمامًا على تطبيقات مثل “التليجرام”، فقد رحبت جماعات النازيين الجدد ورحبت بالوباء كتهديد للديمقراطية الليبرالية ويرونه كفرصة لنمو حركتهم وتحقيق أهدافهم بارتكاب العنف.