“الهجرة، الإستقالات،التكليف” 3 عوامل رئيسية، وأخرى ثانوية جعلت قوة مصر البشرية من الأطباء تتضائل سنوياً حتى وصل الأمر إلى نقص حاد كشفتها أزمة كورونا .
و أظهرت دراسة أجراها المجلس الأعلى للجامعات عام2019 بالتعاون مع وزارة الصحة ونقابة الأطباء أن عدد الأطباء القائمين بالعمل في المستشفيات الحكومية بجميع أنواعها يُقدر ب 82 ألف طبيب من أصل 213 ألف و835 طبيبًا مسجلين وحاصلين على ترخيص مزاولة المهنة لا يشملوا أصحاب المعاشات، وهناك 62% من الأطباء البشريين إما يعملون خارج مصر أو استقالوا من العمل الحكومي أو حصلوا على إجازة.
sss
الدراسة المصرية كشفت رقماً صادماً بأن مصر لديها طبيب واحد لكل 1162 مواطناً، بينما المعدل العالمي طبقاً لمنظمة الصحة العالمية هو طبيب لكل 434 مواطناً، ويعد التخصص الأكبر لأطباء الحكومة هو النساء والتوليد بواقع 6749 تليها تخصص الأطفال 5200 ثم الباطنة بواقع 3300 طبيب ويأتي في المرتبة الأخيرة تخصص طب المسنين بواقع 7 أطباء.
ويوضح الدكتور عماد الدين راضى، وزير الصحة السابق، أن كليات الطب بمصر تُخرج 9 آلاف طبيب سنوياً، 8 آلاف منهم لا يستطيعون ممارسة المهنة بالمعلومات التى حصلوا عليها فى كلياتهم.
وخلال الأربع سنوات الماضية وصل عدد استقالات الأطباء إلى أكثر من 6 آلاف استقالة، وأطلق على عام 2019 عام الفراغ، وأوضحت دراسة أعدتها الدكتورة شيرين غالب نقيب أطباء القاهرة، والدكتور كريم مصباح مقرر الفرعيات بالنقابة العامه للأطباء، أن حوالى 3000 طبيب مُستقيل تحت سن 35 عام خلال عام 2018-2019، وأن إجمالي من أُحيل إلى التقاعد بالإضافة إلى عدد المُسجلين كطبيب حر أكبر من عدد من دخلوا الخدمة بحوالى 1500 طبيب.
60% من الأطباء المصريين يعملون خارج الدولة، حسبما أوضح الدكتور إيهاب الطاهر أمين عام نقابة الأطباء، وأن العجز يزداد سنويًا، الأمر الذي ينذر بأزمة تلوح في الأفق، قائلا:”لو فضلنا كده كام سنة قدام هنيجي في وقت مش هنلاقي اللي يعالجنا جوه بلدنا”.
ويرى الدكتور علاء غنام مسئول الحق فى الصحة فى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وخبير فى إصلاح القطاع الصحى، أنه رغم الأرقام المعلنة عن نقص عدد الأطباء إلا أنها تظل مجرد تقديرات ينقصها الشفافية ووضوح المعلومات بدقة، ويجب أن يكون هناك دراسة توضح عدد الأطباء في كل تخصص.
وأشار الخبير في إصلاح القطاع الصحي، إلي أن هناك تخصصات تعاني من نقص شديد داخل مصر رغم أهميتها مثل طب الأسرة والرعاية الأساسية، اللذان لا غنى عنهما، موضحا أن مشروع التأمين الصحي الشامل قائم بالأساس عليهما.
ويؤكد غنام أن هناك ضرورة قسوى لمعالجة الكثير من الأمور لمنع الأطباء من الاستقالات أو الهجرة والاستفادة منهم داخل المنظومة الصحية المصرية، عن طريق خلق مناخ جذاب وحل مشاكل الأطباء، وصدور قوانين لتنظيم طبيعة عمل الأطباء، مثل قانون المسئولية الطبية وقانون تنظيم عمل الهيئات الطبية وقانون بدل العدوى وقانون تشديد عقوبة الاعتداء على المستشفيات والعاملين بها، بالإضافة الأزمة الحالية حول النظام الجديد لتكليف الأطباء.
أزمات عده أشار لها أعضاء نقابة الأطباء الحاليين والسابقين منهم، ويشير أمين العام لنقابة الأطباء إلى ضرورة حل أزمة شباب الأطباء دفعة تكليف مارس 2020، موضحا أن الأطباء الجدد يتمسكون بالنظام القديم، لرغبتهم فى التدريب بمستشفيات مؤهلة، ووزارة الصحة تتمسك بالتسجيل بنظام جديد، لإتاحة فرص التدريب للجميع، لافتا إلى أن تمسك كل طرف بموقفه، اضطر معظم الأطباء الجدد للامتناع عن التسجيل بحركة التكليف طبقا للنظام الجديد.
ولفت إلى أن عدد أطباء الدفعة الحالية حوالى 8700 طبيب شاب، نحتاجهم بشدة فى هذا الوقت الصعب، وهم متحمسون للمشاركة فى مواجهة وباء كورونا، دفاعا عن سلامة الوطن.كما أشار إلى أن الحل هو الدمج بين الرغبتين لصالح الأطباء الجدد والقدامى ولصالح المنظومة التدريبية والمنظومة الصحية نفسها.
ويتم نظام التكليف القديم المتعارف عليه منذ سنوات، بتكليف الأطباء الجدد للعمل بالوحدات الصحية كطبيب عام لمدة سنة، ثم بعد ذلك يتم إلحاقهم بوظائف أطباء مقيمين للتدريب بالمستشفيات على التخصصات المختلفة (جراحة – باطنة – أطفال – نساء، وغيرهم)، ثم يتقدم الأطباء المقيمين للدراسات العليا (زمالة – ماجستير – دبلومة).
وأوضح الطاهر أن مشكلة هذا النظام تكمن فى نقص عدد الدراسات العليا المتاحة، حيث أن مجموع عددها لا يزيد عن نصف عدد الخريجين، وبالتالى يكون نصف الخريجين ليس لديهم فرصة للدراسات العليا طوال العمر، والنظام الجديد يربط بين التكليف بالوحدات الصحية وبين وظائف الأطباء المقيمين وكذلك إتاحة دراسة الزمالة المصرية، لجميع الخريجين فى آن واحد، مشيرا إلي أن مشكلة إخلاء الطرف واستلام العمل عدة مرات بين المستشفيات والوحدات الصحية يضيع معه وقت هام، ويخل باستمرار البرنامج التدريبى للزمالة دون توقف.
ويقول محمد عبدالحميد أمين صندوق نقابة الأطباء: “لدينا قانون رقم 14 لسنة 2014، ينص على أن مصروفات الدراسات العليا على حساب جهة العمل، وأنه منذ 4 سنوات وحتى الآن لم يتم دفع مصاريف الدراسات العليا لطبيب واحد فى مصر”.
نقص عدد الأطباء ليس معناه ان كل المستشفيات بها نفس نسبة العجز، ففي المحافظات النائية و القرى تعاني المستشفيات من نقص عام في جميع التخصصات الطبية أكثر من المدن المركزية، بحسب تقدير مقرر اللجنة القانونية لنقابة اﻷطباء في 2013، 45% من مجموع الأطباء يعملون في القاهرة الكبرى، وهذا يعكس صعوبة الوضع الصحي في المحافظات وانعكاسه أكثر على القرى والأرياف.
وطرح الدكتور علاء غنام الخبير في إصلاح القطاع الصحي، خطتان لعلاج أزمة نقص الأطباء واحدة على المدى القريب العاجل وأخرى على المدى البعيد، وتتضمن الخطة القريبة ضرورة تحسين أجور الأطباء، وإعادة النظر في بدل العدوى، ضرورة إستغلال الطاقات الموجودة داخل المنظومة الصحية الإستغلال الأمثل وإعادة توزيع العمالة داخل المنظومة الصحية، أما عن خطة المدى البعيد فتتضمن تطوير التعليم الطبي لمواكبة العصر.