أثار إعلان “فيس بوك”، تعيين مجلس للرقابة على المحتوى الذي يُنشر من قبل المستخدمين، حالة من الجدل والتخوف حول طبيعة عمل هذا الكيان، وإمكانية التأثير على حرية الأشخاص في التعامل على الفضاء الإلكتروني، ووجود رقيب عليهم في ما يشبه “محاكم التفتيش” التي كانت موجودة في عصور سابقة.

sss

التخوفات تأتي من كون “فيس بوك”، كان وما زال منصة تجمع ما يزيد عن ملياري شخص من مختلف دول العالم، مع اختلاف الثقافات وأنماط الفكر، وكل يُعبر عمّا بداخله دون قيود على ما يكتب، لكن بهذا المجلس، بات الوضع مختلف ويحيط به غموض كبير، في ما يخص المساحة المتاحة للحديث، وما قد يقع على أي شخص حال نشر محتوى وجد أنه مخالف.

إزدواجية

بعد الحكم  الصادر من محكمة العدل الأوروبية، الذي أثار مخاوف المدافعين عن حقوق الإنسان  – آنذاك – من أن تستغله بعض الدول لإسكات المعارضين، قضت محكمة العدل الأوروبية، والذي قضت فيه بأن “فيس بوك قد تحتاج إلى مراقبة وحذف أي محتوى غير قانوني على مستوى العالم”، كان رد الشركة بالرفض لذلك.

وانتقدت شركة “فيس بوك” الحكم، حيث قالت: إن مراقبة وتفسير وحذف المحتوى الذي قد يكون غير قانوني في دولة معينة ليس مسؤولية منصات التواصل الاجتماعي، وهذا يقوض المبدأ المتبع منذ فترة طويلة والقائل إنه لا يحق لأي دولة منفردة أن تفرض قوانينها بشأن التعبير على دولة أخرى، كما أنه يفتح الباب أمام فرض التزامات على الشركات المقدمة لخدمة الإنترنت لمراقبة المحتوى ثم تحديد ما إذا كان مماثلاً أم معادلا لمحتوى اعتبر غير قانوني”.

وأوضحت الشركة أنه من أجل تنفيذ ذلك بالشكل الصحيح يتعين على المحاكم الوطنية تحديد تعريف واضح تمامًا لمعني مماثل ومعادل بشكل عملي، ويجب أن تتبع المحاكم نهجا متناسبًا وقابلا للقياس؛ لتجنب التأثير على حرية التعبير.

وقال المدير التنفيذي للشركة، توماس هيوز، إن ذلك سيرسي سابقة تمكن محاكم دولة معينة من التحكم فيما يمكن لمستخدمي الإنترنت الاطلاع عليه في دولة أخرى، ويسمح ذلك بالانتهاكات خاصة من جانب أنظمة سجلاتها ضعيفة في حقوق الإنسان.

لكن بدون مقدمات أعلن الرئيس التنفيذي لشركة “فيس بوك”، مارك زوكربيرج عن محكمة مستقلة لاتخاذ القرارات بشأن أنواع المحتوى الذي سيسمح لمستخدمي المنصة بنشره، تحمل توصيف “محكمة عليا”، وتجمع شخصيات من مختلف البلدان وفي مجالات متعددة، على عكس ما جاء سابقًا بـ”رفض تقييد حرية التعبير”.

الحقوقي نضال منصور، أبدى تخوفه وقلقه من تحول المجلس الإشرافي إلى أداة لرقابة المسبقة على مستخدمي “فيس بوك”.

مرجعيات الأحكام

وتساءل “منصور”: “الأخطر والأهم، ما هى المرجعيات والمعايير التي سيحكم من خلالها أعضاء المجلس بصحة وصلاحية المحتوى؟”.

وأضاف: أن أكثر ما يشغلني هو المرجعية التي ستحكم تفكير أعضاء المجلس الإشرافي في فيسبوك عند نظرهم في الشكاوى، والبلاغات والتظلمات من الأشخاص أو الدول.. ما هى؟”.

وتابع: “الدساتير والقوانين والقيم مختلفة عالميا، فما هو القاسم المشترك الذي سيحدد سياسات فيسبوك لتكون مقبولة، وليتمكن مجلس الإشراف من ممارسة دوره باستقلالية دون أن يهدد حرية التعبير، وبما يحفظ الأمن والسلم المجتمعي؟”.

وأكد منصور أن “فيس بوك” شركة ربحية خاصة، هذا صحيح ولا مجادلة فيه؛ لكن أصبح كرة أرضية جديدة، وهي بلا منازع دولة تتفوق على ما سواها من بلدان العالم بعدد سكانها، وتنوعهم، واختلافاتهم، وتنوع أصواتهم، وتتفوق على العديد من الدول بمواردها الاقتصادية أيضًا.

وأردف: “يبدو أن دولة فيس بوك ورئيسها وجد أن الأفضل أن يتشارك مع سكان عالمه في الحكم، وأن يترك لهم مساحات لاتخاذ القرار بما يجدونه مناسبًا لأن يبقى في دولتهم، أي منصتهم، وما يجب أن يزال ويشطب، بتشكيل هذا المجلس”.

تباين وجهات النظر

تباينت وجهات نظر بين المراقبين، حول توجه المنصة التي يستخدمها مليارين وثلاثمئة مليون مستخدم وينشر بها يوميا أكثر من مليار وخمس مئة مليون بوست وما يزيد عن مليار صورة.

رأى مراقبون أنها “خطوة في الاتجاه الصحيح لإشراك المستخدمين باتخاذ القرار، وهو ما يساعد إدارة المنصة على مواجهة الضغوط التي تتعرض لها من الحكومات وأجهزة الأمن لكشف معلومات عن المستخدمين، أو إزالة محتوى مخالف للقانون أو يشكل تهديدا للأمن أو السلم”.

أما وجهة النظر الأخرى، ذهب إلى أن “تشكيل مجلس إشرافي هو إشارة إلى أن إدارة فيس بوك تحاول التنصل من مسؤولياتها والتزاماتها القانونية والأخلاقية، لتضع وزرها على أكتاف مجموعة من الشخصيات والخبراء المستقلين في العالم بعد أن تزايدت الاتهامات الموجهة لها بأنها أصبحت ملاذا آمنا للإرهابيين”.

المخاوف

تدور المخاوف حول إمكانية تحول المجلس الإشرافي إلى أداة لفرض الرقابة المسبقة على المحتوى، فأكثر ما ميز ويميز منصات التواصل الاجتماعي وأبرزها “فيس بوك”، أنها عالم حر ومفتوح لا يخضع لسلطة، ولا تحكمه القيم الاجتماعية والأخلاقية السائدة، وهو فضاء مستقل يعبر فيه الناس عن أنفسهم دون قيود وأنظمة وقوانين مجحفة.

تهديد حق التعبير

عاد الحقوقي نضال محمود للحديث: “أدرك أن مستخدمي منصات الاجتماعي تلاحقهم القوانين المقيدة في بلدانهم، وتهدد حقهم في حرية التعبير، وآلاف الأشخاص، إن لم يكن أكثر بكثير، خلف قضبان السجون؛ بسبب نشرهم لأرائهم وتعليقاتهم على فيس بوك”.

ضغوط حكومات

تخضع “فيس بوك” لضغوط من حكومات لكشف معلومات عن المستخدمين، منذ فترة كبير، حيث كشف تقرير صادر عن الشركة أنها أزالت بين شهري أبريل وسبتمبر من العام 2018 أكثر من مليارحساب، وهو ما ساهم في تقليل المحتوى غير المرغوب فيه مثل الحسابات المزيفة، والاستغلال الجنسي للأطفال، والتعري والنشاط الجنسي للبالغين.

وأطهر التقريرالصادر عن ” فيس بوك”، معلومات تشير إلى ارتفاع الطلبات الحكومية بالإفصاح عن حسابات للمستخدمين بنحو 26% في جميع أنحاء العالم، مقارنة بالنصف الثاني من عام 2017، حيث بلغ مجموع الطلبات الحكومية 108 آلاف و815 طلبًا.

تقييد حرية

ونوه المحامي طارق العوضي إلي أنه إذا كان الأمر متعلق بالمحتوى وعدم مخالفته للقانون أو التحريض على العنف أو العنصرية أو غيرها، فهناك تشريعات للاتصالات والمعلومات تُنظم وتعاقب على كل ذلك”.

واستطرد العوضي – في تصريحات خاصة – أنه مما لا شك فيه هذا المجلس الإشرافي الذي أعلنت عنه (فيس بوك) للرقابة على المحتوى، قد يعمل على تقييد حرية المستخدمين للمنصة بشكل في ما ينشروه.

واختتم حديثه أن هناك تحفظات على بعض الأسماء التي جاءت في المجلس الرقابي، غير مرغوب فيها وعليها تحفظات لدى الكثيرين في بلدان العالم المختلفة، ومن بينها مصر، وحملات رفض واسعة، وتهديد بوقف حسابات فيس بوك، حال عدم استجابة الشركة باستبعاد غير المرغوب فيه من الهيئة المشكلة”.