يرى اقتصاديون أن أزمة “كورونا” هي الأسوأ والأعنف على مستوى العالم منذ عقود، لما لها من تأثيرات سلبية على اقتصادات كبرى، حيث تشير توقعات صندوق النقد الدولي، إلى انكماش اقتصادات 170 دولة انكامشًا حادًّا هذا العام، إلا أن تأثير الأزمة على المشروعات الصغيرة والمتوسطة سيكون قويًا، مع عدم السيطرة على الوضع، واستمرار تداعياتها، كل هذا ينبئ بكارثة اقتصادية واجتماعية ضخمة.

sss

وتصف “ريم السعدي”، مدير برنامج تمويل وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة بالبنك الأوربي لإعادة الإعمار والتنمية، التأثير السلبي لأزمة كورونا على قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة بـ”كرة الثلج” التي تكبر يومًا بعد يوم وقد تتحول إلى كارثة اقتصادية واجتماعية، إذا لم يتم السيطرة عليها لما لها من تأثير مباشر على رفع نسبة البطالة وذلك لما لهذه مشروعات من دور محوري في توفير فرص عمل، كما أنه يعمل بها أكثر من 75% من العمالة المصرية.

التسويق وأسلوب الحماية

يعتبر “تسويق المنتجات” في ظل “كورونا” أصعب التحديات التي تقابل أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهو ما أثر سلبًا على نسب مبيعاتهم، التي تراجعت بشكل أكبر من سواها، ويقول محمد جنيدى، رئيس النقابة العامة للمستثمرين الصناعين، إن تسويق المنتجات هو أكبر مشكلة تواجه المشروعات الصغيرة، ويجب دراستها والتعامل معها بشكل غير تقليدى فى الفترة المقبلة، مشيرًا إلى أن بعض الدول طبقت أسلوب الحماية عبر تخصيص سلع معينة لا تنتج إلا من خلال المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وإلزام المؤسسات الحكومية بمنح المشروعات الصغيرة نسبة محددة من المناقصات الحكومية.

مخاوف صحية

“الناس خايفة تشتري بسبب كورونا”، هكذا كشف “محمود.ج”، أحد أصحاب المشروعات الصغيرة، والذى يصنع وجبات جاهزة وحلويات شرقية محضرة من المنزل وبيعها لمطاعم صغيرة أو مناسبات خاصة، وذلك عن طريق الإنترنت، موضحًا أنه حصل على قرض من أحد البنوك لتمويل مشروعه، الذي استغرق أكثر من عام حتى يغطي تكليفه، إلا أنه مازال يسدد في فوائد القرض، والتي توقفت منذ بداية الأزمة، مشيرًا إلى أن نسبة المبيعات تكاد تكون معدومة، “الناس خايفة عشان النظافة والمكونات بعد أزمة كورونا”، بحسب قوله.

بينما أشارت “ولاء”، صاحبة أحد “جروبات” الجبن والحلويات، على “فيس بوك”، إلى أن المبيعات انخفضت للنصف بعد أزمة كورونا، رغم مكوث الكثيرين بالمنزل، إلا أن الخوف من النظافة الشخصية وعدم ثقتهم في خدمات التوصيل إلى المنازل، أحد أسباب هذا الكساد، متأملة أن تزول هذه الغمة وتعود الأمور إلى ما كانت عليها قبل الأزمة.

وأصدرت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، الشهر الماضي، تقريراً حول مستهدفات الخطة الاستثمارية للعام المالى 2020-2021 فيما يخص قطاع الصناعة والمستهدفات التنموية لجهاز المشروعات الصغيرة والمتوسطة.

وتستهدف الوزارة وصول عدد الرخص المصدرة فى إطار قانون تبسيط إجراءات التراخيص الصناعية إلى 15 ألف رخصة فى خطة العام المالى المقبل 2020-2021 مقابل 8 آلاف فى خطة العام المالى الماضي، ومتوسط عدد فرص العمل المباشرة التى من المستهدف توفيرها بالمجمعات يبلغ 5332 فرصة فى -2020 2021».

 اقرأ ايضًا: مصر مصنع الشرق الاوسط.. ماذا تحتاج في عصر ما بعد كورونا؟

تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة

نهاية أبريل الماضي، قالت الدكتورة نيفين جامع وزيرة التجارة والصناعة، الرئيس التنفيذي لجهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر، إن الدولة أصدرت قانون تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر الذي يعد طفرة حقيقية في نوعية الخدمات والتيسيرات التي تمنح لهذا القطاع.

وكان مجلس النواب قد انتهى من مناقشة مشروع قانون المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ومن المقرر أن يخرج إلى النور قريبًا، وبحسب “جامع” فإن القانون الجديد يتضمن حوافز عديدة لضم القطاع غير الرسمي حيث يتضمن الباب السادس بمشروع القانون الجديد 21 مادة خاصة بالقطاع غير الرسمي.

وعن مزايا القانون، أوضحت أنه يقدم حزمة متنوعة من الخدمات المالية والفنية والتدريبية والتسويقية لأصحاب المشروعات القائمة لمساعدتهم على التوسع والتطوير وزيادة التشغيل، بالإضافة لوضع آلية محفزة لتوفيق أوضاع المشروعات العاملة في مجال الاقتصاد غير الرسمي لتحويلها إلى القطاع الرسمي، مشيرة إلى أن هذه الآلية هي مجموعة من الحوافز المالية وغير المالية لتشجيع هذه المشروعات ومساعدتها على التوسع في الإنتاج والتصدير .

قرض استثنائي

ومن ضمن دعم الدولة للمشروعات الصغيرة، أعلنت “جامع”، عن تنفيذ جهاز تنمية المشروعات مبادرة جديدة لدعم كافة المشروعات الصغيرة المتضررة، خاصة الصناعية و كثيفة العمالة، من خلال قرض استثنائي لفترة زمنية قصيرة، حدها الأقصى سنة، لضمان استمرارية هذه المشروعات ولمساعدتها في توفير السيولة اللازمة لتمويل مصروفات التشغيل والإنتاج لحين تتخطى هذه الأزمة.

وأشارت نيفين جامع، إلى أن المبادرة تشمل كافة المشروعات الصغيرة سواء الممولة من الجهاز أو من أي مصادر أخرى، حيث يصل الحد الأقصى لهذا القرض إلى مليون جنيه، ويتم توفيره لأصحاب المشروعات الصغيرة بشروط و فائدة ميسرة و تبعًا لطبيعة النشاط الاقتصادي لكل مشروع، مضيفة أن أصحاب المشروعات الصغيرة الذين يريدون الاستفادة من هذه المبادرة عليهم الاتصال بخدمة عملاء الجهاز أو زيارة فروع الجهاز بكافة محافظات الجمهورية.

وقال هاني مجدي، مدير إدارة الشكاوى وخدمة العملاء والمنصة الإلكترونية بجهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، إن الجهاز قام بإطلاق خدمة الحجز المسبق بالاتصال (16733) وإلغاء التعامل بالمستندات الورقية وتوفير تمويلات للقطاع الصناعي بفائدة 8% متناقصة، و10.5% للأنشطة الأخرى، مشيرًا إلى أن جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة بصدد إطلاق المنصة الإلكترونية قريبًا، حيث تضم 91 جهة متخصصة في القطاع وشركات خدمية واستشارية وبنوك، وتهدف للربط بين الشركات والمصانع في مختلف القطاعات.

اقرأ ايضًا:“كورونا” ينعش التجارة الإلكترونية في مصر والعالم

ونوه بأنه يجرى حاليًا تطبيق آلية لدعم الجمعيات المعنية بتمويل متناهي الصغر من خلال بحث إمكانية تأجيل الأقساط لبعض الجمعيات التي تواجه مشاكل مالية تتعلق بالسيولة النقدية، مضيفًا أن الجهاز بدأ في خلق فرص استثمارية جديدة في مجالات تصنيع الكمامات والقفازات الطبية، إلا أن إنهاء إجراءات السجل التجاري والبطاقة الضريبية تمثل المشكلة الكبرى التي قد تواجه بعض الشركات في الفترة الراهنة.

كما أوضح محمد عبد المالك، رئيس قطاع المكاتب الإقليمية بجهاز تنمية المشروعات الصغيرة و المتوسطة، أن الجهاز مع بداية ظهور الأزمة أطلق مجموعة من المبادرات، أولها تأجيل الفئات الحاصلة على قروض بجهاز تنمية المشروعات إلى ثلاثة أشهر قابلة للتجديد بدون أى فوائد أو غرامات، مع إطلاق مبادرة لاستئناف العمل يُطلق عليها “القرب الاستثنائي” للتشغيل بحد أقصى مليون جنيه لتلك المشروعات حتى يستطيع سداد تلك الاحتياجات.

الخروج من الأزمة

ترى “السعدي” أن  خطط إنقاذ الدولة للمشروعات الصغيرة، تتلخص في “ضخ السيولة” وذلك لتمكين أصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة من تخطي الأزمة والاستمرار في العمل، وتغطية المصروفات الثابتة والاحتفاظ بالعمالة المدربة، والخطوة الثانية تتمثل في توفير الدعم الفني والمساندة التكنولوجية للمشروعات، وذلك لإيجاد وتطبيق حلول تسويقية مبتكرة وسريعة، وكذلك تصميم منتجات جديدة تتناسب مع الأزمة وتتوافق مع متطلبات السوق الجديدة والتي متوقع أن تستمر لفترة طويلة.

بينما اقترح محمد جنيدي، النقيب العام للنقابة العامة للمستثمرين، خلال الاجتماع الذي عقدته لجنة المشروعات الصغيرة والمتوسطة بجمعية رجال الأعمال، نهاية أبريل الجاري، تبنى رجال الأعمال إقامة معارض محلية وخارجية لتلك المشروعات فى إطار المسئولية المجتمعية، فضلا عن إعلان مبادرة تعاقدية داخل كل منطقة صناعية لتوريد مدخلات الإنتاج التى تحتاجها المصانع الكبيرة.

اقرأ ايضًا: وظائف مفقودة وأحلام مهددة.. “الروبوت” يعمق من مأساة العمال في عيدهم

ومن جانبه كشف المهندس علي عيسى، رئيس مجلس إدارة جمعية رجال الأعمال المصريين، أنه سيتم صرف كافة مستحقات المساندة التصديرية للشركات الصغيرة والمتوسطة حتى 5 ملايين جنيه، موضحًا أن وزيرة التجارة والصناعة نيفين جامع أكدت للجمعية أن الأولوية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في صرف كامل مستحقات الشركات من صندوق المساندة التصديرية طبقا للمبادرة الرئاسية.