العالم أثير التكنولوجيا، لدرجة باتت تشكل منهج حياة للشعوب، وفي محاولة لتطويعها، والحديث دائر منذ تفشي وباء كورونا، عن استغلال التطبيقات في الحد من انتشار الفيروس، بعد أن تهاوت نظم صحية لدول كبري أمامه وعجز الطب الوقائي في ردعه والقضاء عليه، في الوقت الذي ترصد فيه الدراسات وجود أكثر من 50 تطبيق للتبع الرقمي حتى الآن، يٌعمل به في نحو 29 دولة، بالتزامن مع بدء تلك الدول التخفيف من الإجراءات الاحترازية التي اتبعتها لمواجهة الجائحة، وبعيدا عن ما تثيره القضية من جدل دائر بين المختصين، حول تأثير هذه التطبيقات علي الخصوصية، مازالت دولا أخري من بينها مصر تواجه الوباء بالطرق التقليدية، لتثير تساؤلات ، من أبرزها ما الذي يعيق المؤسسات المصرية سوا الحكومية وغير الحكومية في الدخول إلى هذا المعترك الذي سبقتنا فيه دول بمراحل .
sss
أعلنت منظمة الصحة العالمية عزمها طرح تطبيق ذكى يتتبع مصابى فيروس كورونا، خلال الشهر الجارى، يتيح لسكان البلدان الفقيرة معرفة ما إذا كانوا قد أصيبوا بالفيروس من عدمه، موضحة أنها تدرس إضافة خاصية تعتمد على تقنية «بلوتوث»، لتتبع أثر المخالطين، مع الحفاظ على سرية البيانات.
بحسب ما كشف عنه، كبير مسؤولى نظم المعلومات بالمنظمة “برناندو ماريانو”، إن التطبيق سوف يسأل الناس عن الأعراض، ويقدم لهم إرشادات بشأن ما إذا كانوا قد أصيبوا بالفيروس أم لا، مع تزويد المواطنين بالمعلومات وكيفية الخضوع للكشف وفقا لبلد المستخدم.
وكانت الهند وأستراليا والمملكة المتحدة، قد طرحت تطبيقات عن الفيروس، باستخدام تكنولوجيا خاصة بكل بلد، فضلا عن خصائص مشتركة؛ منها إبلاغ الناس بما إذا كان يتعين عليهم الخضوع للكشف، بناء على الأعراض وتسجيل تحركاتهم، لتوفير الكفاءة فى تتبع المخالطين للمصابين.
وطرحت سنغافورة تطبيق trace together، وطرحت فرنسا تطبيق stop covid، فيما تعاونت شركة آبل، مع البيت الأبيض فى الولايات المتحدة، لطرح تطبيق يساعد على معرفة المصابين بالفيروس.
تطبيق إلزامي
وأصدرت الهند قرارا لجميع موظفي القطاعين العام والخاص بتحميل تطبيق إلكتروني يساعد في تعقب ورصد المصابين بفيروس كورونا، وذلك بالتزامن مع تخفيف بعض إجراءات الإغلاق في أقل المناطق تأثرا بالفيروس.
وقال مسؤولون بوزارة التقنية لرويترز: “من الواجب تنزيل التطبيق على ما لا يقل عن 200 مليون هاتف، ليكون فعالا مقارنة بعدد السكان البالغ 1.3 مليار نسمة”.
وفى نهاية إبريل الماضي، أعلنت وزراة الصحة المصرية، عن تفعيل تطبيق “صحة مصر”، بهدف تقديم سلسلة من الإرشادات تهدف إلى توعية المواطنين من فيروس كورونا المستجد وكيفية التعامل عند الاشتباه في الإصابة بالمرض، ولكن التطبيق ليس سوي تطبيق استرشادي بهدف التوعية من الفيروس.
تصريحات دون خطوات
ويري الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، أن الأزمة الراهنة تعكس أهمية صياغة الاستراتيجيات الوطنية لبناء مجتمع رقمي يكون بمثابة العمود الفقري للتنمية، مشيرًا إلى أهمية توافر بنية تحتية قوية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات؛ لتمكين المواطنين من الحصول على جميع الخدمات الأساسية مع مراعاة التباعد الاجتماعي.
تصريحات الوزير جاءت خلال رئاسته اجتماعًا استثنائيًّا للمكتب التنفيذي للجنة الفنية المتخصصة للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والإعلام، التابعة للاتحاد الأفريقي، والذي عُقد عبر الفيديو كونفرانس؛ نهاية الأسبوع الماضي، لمناقشة جهود قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في الدول الأعضاء بالاتحاد الأفريقي، في دعم الخطط الوطنية لمواجهة فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19)، بمشاركة الدكتورة أماني أبو زيد، مفوض البنية التحتية والطاقة بالاتحاد الأفريقي، وعدد من وزراء الدول الأعضاء باللجنة ممثلي بوروندي، مالاوي، سيراليون، وجيبوتي.
وشدد ” طلعت ” على أهمية الاستفادة من تقنيات الثورة الصناعية الرابعة ؛ مؤكدًا على أهمية تطوير تطبيقات الصحة الإلكترونية في مواجهة الفيروس، وكذلك التطبيقات التي تتيح العمل عن بُعد، ولكنه لم يعلن أو يحدد خطوات عملية سوف تقوم بها الوزارة في هذا الشأن في القريب العاجل.
ويري خبراء أن مصر تعاني من أزمة فيما يتعلق بتكنولوجيا التحول الرقمي، وهي التي لديها إمكانيات اقتصادية وبشرية، تمكنها من أن تصبح ضمن الدول الرائدة في هذا المجال.
أساليب سريعة الرصد
منذ الإعلان عن أول إصابة فى مصر بفيروس كورونا، منذ شهرين ، والرهان كان على الطب الوقائي، إضافة إلي الإجراءات التى أعلنتها منظمة الصحة العالمية، وأهمها تفعيل التباعد الاجتماعي، إلا أن هذه النظرية لن تجدي نفعا فى ظل ارتفاع مؤشر الإصابة بالحالات وهو ما حاول التحذير منه الكاتب الصحفي، جمال غيطاس، المتخصص في تقنية المعلومات، بإن إعلان وزارة الصحة عن وصول رقم مخالطي المصابين بكورونا إلي 900 الف شخص، يعني أن مهمة متابعة هؤلاء من قبل الطب الوقائي، أصبحت ثقيلة وصعبة، وقد لا يجدي معها الأساليب المتابعة التقليدية، وباتت تتطلب واجهة تواصل وتتبع جماهيرية واسعة النطاق، وسريعة الرصد.
وقال”غيطاس” عبر منشور له، على “فيس بوك”: “كنت اتوقع أن يترافق مع إعلان وزارة الصحة، إعلان في اللحظة نفسها من قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، بالبدء الفوري للعمل في هذا الاتجاه، وتقديم بديل سريع يدعم جهود الدولة في مواجهة الوباء، لكن شيئا من هذا لم يحدث حتي اللحظة، ما جعل القطاع يبدو وكأنه خارج السياق، في حالة غير مقبولة وطنيا واخلاقيا .. كيف؟”.
ولفت إلي أن الدول التي تصل بها الأمور لهذه الدرجة، تسارع لاستكشاف كل السبل البديلة، لدعم جهود الرصد والمتابعة، ومن أهم البدائل التي يجري استخدامها عالميا، أسلوب الرصد والمتابعة الرقمية، المستند إلي تطبيقات تعمل عبر الهواتف المحمولة، بتشغيل وإشراف مباشر للسلطات الصحية.
بحسب ما يشير إليه غطاس فإن هذا الاتجاه يظهر ببطء خلال الشهرين الماضيين، وترددت الكثير من الدول في الأخذ به، إما لعدم استخدامه من قبل، أو التشكك في جدواه، أو لما يحمله من مخاطر وعوامل قلق، تتعلق بهتك الخصوصية، وحماية البيانات الشخصية، لكن استعصاء الوباء علي المحاصرة، حسمت التردد، ودفعت الأمور نحو المضي قدما في هذا الاتجاه.
وأفاد غيطاس، أنه حسب آخر الإحصاءات المتوفرة حتي الآن بالمواقع الخاصة بمؤشرات رصد المتابعة الرقمية لوباء كورونا عالميا، فإن عدد التطبيقات العاملة علي الهواتف المحمولة بصفة رسمية، وتحت تصرف السلطات الصحية بلغ 53 تطبيقا، موزعة علي 29 دولة، وتم تنزيلها من قبل 57 مليونا و276 الفا و151 مواطن داخل هذه الدول، هذا بخلاف أعداد أكبر من التطبيقات التي لا تعمل تحت الاشراف المباشر للسلطات الصحية الرسمية، ومطروحة للاختبار، أو لجهات اكاديمية أو قطاع خاص.
الهند تتصدر قائمة الدول
وبحسب الأرقام، فإن الهند تتصدر قائمة الدول الأكثر توسعا وجدية في استخدام هذه الآلية بصورة رسمية، وذلك بـ 16 تطبيقا، موزعة علي ولايات ومدن مختلفة بالبلاد، وبلغ عدد الأشخاص الذين قاموا بتنزيلها 50 مليونا و850 الفا و50 شخصا، ويوم الاثنين 4 مايو، نشرت وكالات الأنباء صورا لأفراد من شرطة مدينة نويدا، التابعة لولاية أوتار براديش، الهندية، وهم يفحصون هواتف ركاب المركبات بالمدينة، لمعرفة ما إذا كانوا قد قاموا بتحميل التطبيق الخاص برصد كورونا أم لا، ومن يوجد هاتفه بدون التطبيق يواجه عقوبة تتراوح بين 13 دولار وستة أشهر سجن، طبقا للقرارات الصادرة عن حكومة الولاية والمدينة.
الأرقام تشير أيضا إلي أن 38 من هذه التطبيقات، يتم تشغيله وفق سياسة واضحة للخصوصية وحماية البيانات الشخصية، و12 بدون هذه السياسة، و3 غير معروف موقفهم من هذه النقطة، كما يتم تشغيل 25 تطبيقا منها بصورة مركزية علي مستوي الدولة، و11 بصورة لامركزية، و17 من غير الواضح طريقة تشغيلهم.
وتضمن تلك الأرقام رصدا لما يوصف بـ “انتهاكات الحقوق الرقمية للمواطنين” حول العالم، ضمن إجراءات المتابعة الرقمية للوباء وتشغيل تطبيقات المحمول المشار إليها، وتشمل الانتهاكات المراقبة الجسدية أو الفعلية، والتتبع الرقمي، والرقابة، وحتي اليوم، جري تسجيل 71 حالة علي مستوي العالم من هذا النوع.
مصر ليست مسجلة
وبشأن مصر قال “غيطاس” فهي حتي هذه اللحظة ليست مسجلة ضمن قائمة الدول التي قامت ببناء وتشغيل تطبيقات محمولة للتتبع الرقمي لكورونا، تحت الاشراف المباشر للسلطات الصحية الرسمية، كما أنه لم يسجل بها أي من الاجراءات التي توصف بأنها انتهاك للحقوق الرقمية للمواطنين،و البيانات المتاحة عن الانتهاكات الرقمية عالميا في نطاق مكافحة كورونا، تشير إلي أن الوضع في مصر يعد جيدا جدا، وهي نقطة إيجابية تحسب للأجهزة المعنية بالدولة.
أعباء ثقيلة على المنظومة الصحية
ولخص “غيطاس” الأمر علي هذا النحو: الناحية الوبائية الأمر يتعقد، ويلقي بأعباء ثقيلة علي المنظومة الصحية للبلاد، بوتيرة متسارعة، ومن ثم حان وقت المسارعة في بحث اللجوء لهذا الخيار، و من ناحية الدولة وأجهزتها المعنية، لا قيود علي الأمر، ولا إجراءات استباقية تهدد حقوق المواطنين الرقمية، وذلك بشهادة مؤشرات رصد انتهاكات التتبع الرقمي الدولية، التي لا تفوت هفوة لأي دولة في هذا السياق، وبالتالي لا مبرر لأحد، لأن يتحجج بوجود موقف من هذه الجهة او تلك، يعوق المضي قدما في هذا الاتجاه.
وانطلاقا من هاتين النقطتين، يري “غيطاس” بإنه يصبح علي قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، بأجهزته الرسمية ممثلة في الوزارة وهيئاتها، ومؤسساته البحثية والأكاديمية، وشركات القطاع الخاص، والمجتمع المدني، أخذ زمام المبادرة، ووضع كل الخيارات الممكنة لبناء نظام مركزي أو لا مركزي، للرصد والتتبع الرقمي لحالات المخالطين والمصابين والأصحاء عبر المحمول، لدعم جهود الطب الوقائي الحالية، وفق لصحيح القانون والدستور فيما يتعلق بحماية الخصوصية والبيانات الشخصية.
وبنظرة تشاؤمية يقول “غيطاس” لا استطيع الجزم بأن الساحة خالية تمامًا من الجهود في هذا السياق، لكن المعلومات المعلنة في المجال العام، تشير بأن الساحة العلنية خالية فعلا، فلا تطبيق يعمل مع وزارة الصحة، ولا محاولة للاستكشاف والاختبار من اي جهة، مع أنه يفترض أن يكون القطاع قد قدم للدولة وقيادتها ما يتراوح بين 3 الي 5 بدائل، بعد طرحها للتجريب والاختبار والنقاش العام والتقييم، منذ اسبوعين إلي ثلاثة علي الأقل، فهذا هو الوضع الذي يليق بالدولة المصرية.