“إنني ألمح فى الأفق عالمًا جديدًا وعولمة مشرقة زاهرة، إنني أشاهد يقينا نهاية لتاريخ آثم وسوداوى مرير، ذاقت جرائمه شعوب وأمم فى العالم ويلات ومآسي ودماء وكوارث، إنني أشاهد يقينا بداية لمرحلة تاريخ إنساني مزدهر ومعطاء بالخير والسلام والحب والإخاء”

sss

من المفترض أن هذه الكلمات تنم عن مشهد رائع لشخص استطاع أن يحلم ويضع أمنياته فى سطور بسيطة، وغلفها بطاقة مميزة من الكلمات المنتقاة جيدًا، والتي اتخذت الحب والخير والسلام عنوانا لها، ولكن فى حقيقة الأمر أن هذا الشخص لا يرتبط ظهوره إلا بالغموض والكثير من التحريض.

الكلمات كانت من خطاب تسليم جائزة نوبل للسلام 2011 بمدينة النرويج بتاريخ 10 ديسمبر فى نفس العام الذى شهد تحركات عدة على مستوى الدول العربية، وثورات لشعوب خرجت تنادي بالحرية والحياة وصلت لحالة من الانفجار بسبب أوضاع متردية فى أوطانها.

الكلمات جاءت على لسان الناشطة اليمنية توكل كرمان، الاسم الأشهر فى عالم الحقوق والسياسة والثورات فى العالم العربي والتي أطلقت كلماتها خلال تسملها جائزة نوبل للسلام، كأول امرأة عربية تحصل عليها وثاني امرأة مسلمة، ولكن ما شكل كلمات “كرمان” الأخرى التي اعتادت البوح بها خلال طريقها؟ ما هي الطرق التي سلكتها السيدة الأربعينية التي بين يوم وليلة أصبحت ضمن مجلس إدارة يشرف على ماتسطره بعوالم التواصل الاجتماعي؟

اقرأ أيضا: 

مجلس رقابة المحتوى.. “فيس بوك” يُعيد محاكم التفتيش إلكترونيًا

السيدة صاحبة نوبل للسلام كان لها دور واضح فى تحديد المسميات وإلقاء التهم على الجميع، وإسباغ ملامح ملائكية على آخرين أدانهم العالم، وجميعها مواقف لا تنصف فكرة السلام التي تشدو بها، أو التي هي عنوان لجائزة عالمية، فهي دائمة استخدام كلمات مثل” مرتزقة، تآمر، قتلة”.

رغم حديث توكل كرمان الدائم عن الدفاع عن حرية الصحافة والإعلام وحقوق الإنسان والمرأة فى اليمن، والمعروف أنها رئيسة منظمة صحفيات بلا قيود وعضو شورى حزب التجمع اليمني للإصلاح، إلا أنها فى أول تصريحات لها بعد اختيارها ضمن مجلس إدارة “فيس بوك” الذى يعد رقابة صريحة وواضحة لمنصتي “فيس بوك” و”انستجرام”، ويعود بنا إلى عصر محاكم التفتيش، قالت إن مهمة المجلس هي الاشراف على المحتوى- لم تقل تحت أى بند فى الحقوق هذا الإشراف- ولكن هذا الإشراف وفقا لمعايير حقوق الإنسان والموائيق الدولية لحرية الرأي والتعبير.

 

استخدمت الناشطة اليمنية تعبير شديد الغرابة وهو “سنكون عدسة إضافية للرقابة”

كما قالت إن أعضاء المجلس مختلفو الهوية واللغات، وإنها ستزيل أي منشورات تحرض على الكراهية والعنف والإرهاب  والعتصرية- دون تحديد أى معايير تستخدمها السيدة المفوهة لتحديد تلك التوصيفات وانطباقها على المنشورات.

حصلت توكل كرمان على جائزة نوبل للسلام مع ألين جونسون سيرليف، اعترافا بجهودهما السلمية من أجل حقوق المرأة والحريات والديمقراطية، هي نفسها السيدة التي طالبت مؤسسة عربية تهتم بشأن المرأة بملاحقتها لأنها تدعم جماعة إرهابية وتنتمي لها، كما تظاهر ضدها منذ عامين عدد من اليمنيين وطلبوا سحب جائزة نوبل منها، وهو الطلب الذى تكرر خلال السنوات الأخيرة فى أكثر من موضع بسبب سياسات المناضلة اليمنية المتخبطة، وتصريحاتها العدائية التي تخرج عن إطار السلام، وتتدخل فى الشأن الداخلي لكثير من الدول، وتمنح نفسها الحق فى الحكم على الجميع.

نشرت “دوتش فيللة” فى تقرير لها عن ردرود أفعال زملاء وزميلات “كرمان” بعد الحصول على نوبل للسلام اعتبر بعضهم أنها لاتمتلك أي دور بارز فى صدارة من يستحقون الجائزة، وجاء الحديث عن بعض اليمنيات اللاتي أثرن بشكل أكبر فى قضايا المرأة اليمنية، ومنهن أمة العليم السوسوة وزيرة سابقة لحقوق الإنسان فى اليمن، وأكد بعضهم أن ما حدث هو مجرد “تعاطف” بعد اعتقالها لساعات ومنعها من الصعود إلى المنصة بعد فشلها فى قيادة المظاهرة إلى رئاسة الوزراء، وهو ما دفع بعض الشباب على “فيس بوك” إلى التصويت لصالحها وقناة الجزيرة أيضًا.

ذكر أيضا خلال التقرير “زهرة صالح” القيادية فى الحراك السلمي الجنوبي وكانت أول مناضلة يمنية تبنت العملية السلمية فى نضالها منذ 2007 وقبل أن يعرف اسم توكل كرمان.

 ولدت كرمان فى 7 فبراير عام 1979 فى منطقة تعز باليمن، وانحدرت من أسرة ريفية وانتقلت للحياة فى العاصمة صنعاء لظروف عمل والدها، وعاصرت الكثير من الاضطرابات فى بلادها منها توحيد اليمن الشمالي والجنوبي 1990 وكانت فى عمر 11 عاما كما كانت الحرب الأهلية بين الفصيلين وكان عمرها 15 عاما.

اقرأ أيضا: 

حجاج نايل يكتب: مجلس حكماء الفيس بوك وفن صناعة الأفيال

من الطبيعي أن تتجه “كرمان” فى ظل تلك الحالة المصاحبة لبلدها الى السياسة والمهن الخاصة بالكتابة، فعملت بالصحافة بعد خروجها من الجامعة، وبسبب حالة القيود التي عاشها اليمن فى فترات كثيرة، كان ذلك داعما لها لتأسيس منظمة كانت جاذبة لاسمها وهي “صحفيات بلا قيود” عام 2005 كواجهة للدفاع عن حقوق المرأة والحقوق المدنية.

وألقي القبض عليها عدة مرات، وأصبحت عضوًا مهمًا فى حزب الإصلاح، وهو حزب ينتمي إلى الفصيل الإسلامي، وكانت “توكل” محظوظة فى الظروف التي أدت إلى الانتباه لها، وساعدها فى ذلك أنها تعلم من أين تؤكل الكتف، فكانت من الوجوه التي تم اعتقالها فى اليمن عقب اندلاع حركة الاحتجاجات ضد على عبد الله صالح، في 2011 وأثار اعتقالها احتجاجات كبيرة وتطورت المظاهرات وأطلق سراحها فى اليوم التالي، وسرعان ما أصبحت قائدًا للحركة.

ظل وجود “كرمان” على الشاشات خلال فترات طويلة، خاصة بعد حصولها على نوبل للسلام، وكانت لها مواقف أثارت جدلا ومنها تغريدات على “تويتر” نعت فيها الرئيس المعزول محمد مرسي ووصفته بصفات الأنبياء وكتبت أسفل صورته “صلوا عليه وسلموا تسليما”.

السيدة المراقبة على “فيس بوك” ستكون قراراتها مع المجلس “ملزمة” حول إزالة محتوى بعينه أو السماح به، هكذا أعلنت الناشطة الحقوقية التي تتحدث عن الحرية والسلام.