الحقيقة ربما يتفاجيء البعض بأن هذا المقال يدور حول نمط التفكير السائد والموقف العام من قبل مجموعة من النخب وأصحاب الأقلام والمواقع باختلاف مواقعهم ومواقفهم من المشهد السياسي والعالم، أكثر منه مناقشة لقضية مجلس حكماء الفيس بوك واختيار أعضاء له دون المستوى ولا أخفي ارتباكي الشديد وقلقي من ردود الأفعال العربية والمصرية حول هذا الموضوع، مما رأيته وقرأته بعيني وللوهلة الأولى لم اصدق بأننا في هذه الحالة الفكرية والبحثية البائسة بؤس هذه اللحظة التاريخية التي نعيشها والتي تشهد انهيارا عاما على كل المستويات.

ودفعني هذا القلق والارتباك إلى تغيير مسار المقال الذي كنت أعد له بالأساس والبداية كانت مع قراري بالتعليق على موضوع تأسيس مجلس حكماء للفيس بوك مكون من 20 شخصية للتدخل أو مراقبة محتوى الفيس بوك ومراجعة قرارات مديرة التنفيذي مارك زوكربيرج وكنت أستعد للكتابة من منظور حقوقي يرتبط بمساحات حرية الرأي والتعبير التي يتمتع بها جمهور الفيس بوك منذ تأسيسه كما أنني قررت البحث في وثيقة تأسيس الفيس بوك ومدى انسجامها مع مثل هذا القرار  وكعادتي في كتابة المقالات ابدا دائما بالمذاكرة والبحث المضني في الموضوع وقراءة الاتجاهات المختلفة ووجهات النظر المتعددة في الموضوع.

ومن ثم أدقق زاويتي وقناعاتي في القضية موضوع المقال وبما أنني من مستخدمي اللغة العربية فقد قمت بفتح معظم المواقع والصفحات والصحف والمدونات وووكالات الانباء العربية لمعرفة الأبعاد الكاملة للموضوع أو علي الاقل لمعرفة وجهات النظر القانونية والاجتماعية والسياسية والثقافية حول مجلس حكماء يراقب محتوي الفيس بوك ولكنني وبدون مبالغة لم اجد سوي جمل وعبارات الرفض والاستهجان والادانة للقائمين علي الفيس بوك  لاختيار المدعوة توكل كرمان في عضوية هذا المجلس.

عشرات بل مئات الكتابات والاخبار والمقالات والمواقع تردد نفس الكلمات ونفس الاتهامات وكأنها مأخوذة من مصدر واحد  صوتا واحدا  في كل هذه الفضاءات لا لتوكل كرمان.

في ذات الوقت الذي ذهبت محاولاتي عبثا في البحث عن مقال أو دراسة واحدة تتحدث عن أي من جوانب الموضوع أو حتى معلومات، حول هذا القرار وتفاصيله ومرجعياته وأسبابه أو أي مداخلات ذات طابع علمي في الموضوع، لم أجد سوى موضوع واحد مكرر في كل ما يخرجه محرك البحث باللغة العربية وهو رفض عضوية توكل كرمان في مجلس الحكماء والهجوم الشرس علي القائمين علي الفيس بوك.

لا استطيع أن أعبر عن ضيقي الشديد من البحث عن مصادر باللغة العربية لأنني لم أجد أي مادة علمية رزينة حول هذا الموضوع لم أجد تعليلا قانونيا أو سردا تاريخيا لتجربة الفيس بوك والدواعي، التي دفعت لاتخاذ هذا الاجراء لم أجد مقالا سياسيا أو حتى علميا حول دور هذا المجلس وتأثير عمله على حريات الرأي والتعبير ومدى توافقه مع الشرعة الدولية لحقوق الانسان، أو حتى ملائمته لمنطق ومنهج عمل الفيس بوك نفسه، لم أجد معلومة واحدة حول هيكلة المجلس ودوره وموقعه في هذا العملاق الازرق، كما يسمونه لا شيء علي الاطلاق سوي عضوية توكل كرمان في هذا المجلس، وفي هذا السياق أود أن أنوه إلى أنني وبالرغم من اتفاقي مع كل ما أثير حول هذه السيدة.

ولدي تحفظي الكامل علي شخصيتها وقدراتها الثقافية والمعرفية المحدودة ومواقفها الداعمة لاتجاهات دينية وسياسية فاشية ورجعية ودخولها في معترك سياسي ليست له أي علاقة بتحرير اليمن والدفاع عن حقوق الإنسان بوجه عام وانحيازها لكتل سياسية وحزبية متهمة بالإرهاب، وحصولها على جائزة نوبل في إطار من التوازنات السياسية المحسوبة إبان الربيع العربي إلا أنني فوجئت بانها علي ذات القدر من الأهمية للإعلام والصحافة والاوساط السياسية والحزبية لدينا سواء الحكومي منها أو المعارض.

ولا استطيع أن اتصور أن جهات وهيئات إعلامية وسياسية تنفق المليارات وكتاب وصحفيين ولجان وأحزاب، يعطون هذا القدر من الأهمية والثقل لهذه السيدة، دون إثارة أي من جوانب أخرى، في هذا الموضوع بالغ الاهمية وتكريس كل هذه الجهود في مواجهة امرأة، لا تشكل أي أهمية في مجتمعها اليمني نفسه.

وكان بالأحرى لكل هؤلاء الانخراط في مناقشة جادة وواعية لطبيعة مجلس الحكماء ودوره ومعاييره وسوف يقتضي تعديل المعايير الحالية إلى معايير أكثر ثراء وأكثر اتزانا من إلغاء عضوية توكل كرمان بطبيعة الحال، دون إثارة هذه الضجة والتي خدمت هذه السيدة أكثر من أي شي آخر، فبهذه الحملة وبهذا الضجيج، تأكد القائمون على الفيس بوك أن توكل كرمان شخصية هامة جدا ومؤثرة، في من يمتلكون مقدرات الرأي العام في بلداننا، وأن لها من القدرات إلي درجة أن دولة عظيمة ذات تاريخ عريق مثل الدولة المصرية تسخر كل طاقاتها وامكانياتها واعلامها واساتذة جامعاتها لمنع وصول توكل كرمان لعضوية مجلس الحكماء بالفيس بوك.

بالفعل شر البلية ما يضحك أظن لو تم تجاهل هذه المسألة لربما كان إلغاء عضويتها بإيماء أو إيحاء صغير في عمود في أحد الصحف المتوسطة الانتشار اكثر جدوى وأنه في أسوأ التقديرات لو جاءت في عضوية المجلس لن يكون لها تأثير يذكر لأنها ليست ساحرة لتؤثر في قناعات وإيمان 19 عضوا آخرين بحرية الرأي والتعبير أو بأي قضية أخرى، اللهم انها فلسفة النكاية الشخصية التي أصبحت منتشرة في إعلامنا وعوالمنا وشخصنة السياسة وشخصنة الصراعات السياسية، لكل من هو مختلف وبما أنكم أقمتم الدنيا، ولم تقعدوها كعادتكم فإن توكل كرمان قادمة الى مجلس حكماء الفيس بتبريكات حملاتكم التي دوما وتاريخيا تصنع من القطط أفيالاً.

*اتاوا – كندا 

*سأكتب في المقال القادم ما كنت أنوي كتابته اليوم حول طبيعة ودور مجلس حكماء الفيس بوك