في خطوة اعتبرها مراقبون أنها ستزيد من تعقيدات مفاوضات سد النهضة الإثيوبي، ذكرت وسائل إعلام محلية ودولية عن قيام إثيوبيا ببناء سد جديد، في وقت صعدت فيه الحكومة المصرية من مواقفها تجاه أديس أبابا بتوجيه خطاب رسمي إلى مجلس الأمن بشأن تطورات القضية ومراحل المفاوضات.

sss

أعلنت وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية، الجمعة الماضية، أنه تم توقيع اتفاقية تقوم بموجبها المؤسسة الإثيوبية لأعمال البناء بتنفيذ مشروع “سد كازا” وأعمال أخرى بـ2.5 مليار بر إثيوبي.

ويبلغ ارتفاع السد الجديد 57 مترا، وطوله 2.54 كيلومتر، ولديه قدرة على تطوير 10 آلاف هكتار من الأرض وإفادة أكثر من 20 ألف مزارع.

وأشارت الوكالة إلى أن لجنة تطوير الري الإثيوبية، وافقت على تقديم منحة نقدية، تقدر بأكثر من 4.7 مليار بر، لشركة أعمال البناء الإثيوبية وشركة سور للإنشاءات وشركة عفار لأعمال بناء المياه.

وذكرت الوكالة أن شركة سور للإنشاءات ستقوم بتنفيذ مشروع تطوير الري في كازا بتكلفة 1.8 مليار 1 بر إثيوبي، وتساوي العملة الإثيوبية 0.48 جنيه مصري.

ووافقت شركة عفار لأعمال إنشاءات المياه على تنفيذ مشروع الري “تنداهو” وصيانة السدود للوقاية من الفيضانات بمبلغ 433.1 مليون بر.

تأثير محلي

بحسب ما قالته الوكالة فإنه سيتم الانتهاء من سد كازا وتطوير الري في غضون أربع سنوات، بينما من المتوقع أن يستغرق مشروع تنداهو مدة تصل إلى عام واحد.

ويري الدكتور عباس شراقي، رئيس قسم الموارد الطبيعية بمعهد البحوث الإفريقية، تعليقا على إعلان بناء سد كازا في اثيوبيا فى ولاية تيجرى شمال اثيوبيا، بإن السد يقع على أحد روافد نهر عطبرة، والذي يسمى نهر كازا، ويصل طول النهر حوالي 100 كيلومتر، ويتصل برافد آخر يسمى رواسا، داخل اثيوبيا ثم يلتقيا مع نهر عطبرة الرئيسي داخل الأراضي السودانية.

اقرأ ايضًا:

أثيوبيا تسبح ضد التيار وتملأ السد في موسم الأمطار

ويقول “شراقي” يبلغ ارتفاع سد كازا 57 متر وطوله 2.54 كيلومتر، لري 25 ألف فدان في فترات الجفاف بما يعادل حوالي 50 – 75 مليون متر مكعب سنوياً، مضيفا أنه “رغم أن نهر كازا فرعى الا أنه يعبر الحدود الى السودان وينطبق عليه ما ينطبق على الأنهار الدولية من ضرورة التنسيق بين دول المنابع ودول المصب عند اقامة مثل هذه المشروعات حتى لو كان صغيراً او لم يكن له ضرر على دول المصب.

وقلل “شراقي” من أهمية هذا السد، قائلا:” بإن سد كازا قد يكون له تأثير محلى على بعض المزارعين أو الرعاة في شرق السودان في منطقة القضارف الذين يعتمدون في جزء من زراعتهم ورعيهم على الأمطار”، مضيفا “مياه هذا الرافد على الحدود الاثيوبية حيث يلتقي نهر كازا بعطبرة، ولكن بصفة عامة ليس له تأثير على ايراد نهر النيل السنوي لكونه سد صغير محدود التخزين، ولكنه يمثل انتهاكا اثيوبيا لمصر والسودان”.

مصر تخاطب مجلس الأمن

وفي خطوة استباقية، اعتبرها مراقبون بإنها تحول نوعي في اتجاهات القاهرة لدبلوماسية جديدة تخوضها، في إطار جهود سابقة تسعي فيها الحكومة المصرية إلى تغليب صوت العقل في أزمة سد النهضة، وردا على مماطلات أديس أبابا، خاطبت وزارة الخارجية مجلس الأمن بشأن تطورات سد النهضة في رسالة رسمية، حملت كثيرا من التحذيرات.

ويري خبراء بإن التحرك الدولي الجديد الذي قدمت عليه الخارجية المصري، يأتي في إطار مساعيها لإيجاد حل لنزعها مع إثيوبيا إزاء «سد النهضة»، الذي تبنيه الأخيرة على أحد الروافد الرئيسية لنهر النيل، والذي يهدد بخصم جزء كبير من حصتها في المياه، وهو ما ينذر بأن الأمور في تصاعد وأن جميع الخيارات مرشحة خلال الفترة المقبلة، في حال استمرار تعنت الموقف الإثيوبي في المماطلة.

الخطاب وجهه وزير الخارجية المصري، سامح شكري، إلى رئاسة مجلس الأمن بشأن تطورات القضية ومراحل المفاوضات.

وفقا لبيان وزارة الخارجية المصرية فإن شكري وجه خطابا إلى أعضاء مجلس الأمن اشتمل على «تطورات قضية سد النهضة ومراحل المفاوضات وما اتخذته مصر من مواقف مرنة ومتسقة مع قواعد القانون الدولي.

وشددت مصر على أن الخطاب طالب بـ أهمية الانخراط الإيجابي من جانب إثيوبيا بغية تسوية هذا الملف بشكل عادل ومتوازن للأطراف المعنية، وبما يضمن استدامة الأمن والاستقرار في المنطقة.

رسالة قوية

ومنذ إعلان إثيوبيا بناء مشروع سد النهضة في عام 2011، استمرت المفاوضات بعد اعتراضات مصرية وسودانية، انتهت بتوقيع إعلان مبادئ ثلاثي في عام 2015، اشترطت فيه كلا من مصر والسودان، ردا على طلب إثيوبيا بزيادة سعة السد، شريطة أن يُسلما نسخة من التصميم وإجراءات السلامة، وهو ما ترفضه وتماطل فيه أديس أبابا.

الدكتور نصر الدين علام، وزير الموارد المصرية الأسبق، أكد أن الشكوى المصرية تضمنت رسالة قوية وجهتها القاهرة إلى أديس أبابا، معتبرا بأنها مفيدة للمحافظة على فاعلية تحركات مصر الداخلية والخارجية”.

اقرأ ايضًا:

“الصفقة الحرام”..إسرائيل تتسلل لمنابع النيل من الأبواب الخلفية

بينما حذر الدكتور أحمد المفتي الخبير في القانون الدولي والموارد المائية السوداني، من تغليب الخيار العسكري في ملف سد النهضة بعد تعنت اثيوبيا واصرارها على ملء السد في الموعد الذي أعلنته.

تحذيرات “المفتي” الذي يشغل منصب مدير مركز الخرطوم لحقوق الإنسان، كما أنه عمل ممثلاً للسودان في لجنة التفاوض الأولى حول سد النهضة، جاءت خلال حواراً أجراه مع قناة “امدرمان” السودانية، زعم خلاله أن لجوء مصر للتحكيم الدولي يُمثل المرحلة قبل الأخيرة، وبعدها ستلجأ إلى الخيار العسكري، معتبرا إن لجوء مصر للتحكيم الدولي يُمثل المرحلة قبل الأخيرة، والتي بعدها ستلجأ مصر إلى الخيار العسكري- بحسب قوله.

وقال إن الموقف الإثيوبي المتعنت هو الذي سيدفع مصر إلى حافة حرب المياه، بعد أن تقدمت بقرار لمجلس الأمن بوقف التشييد وملء السد إلى حين اكمال التفاوض والوصول لاتفاق، مضيفا إذا لم يُصدر مجلس الأمن قراراً بوقف التشييد في سد النهضة لن يكون أمام مصر سوى الخيار العسكري لحفظ حقوق شعبها، ولن تسمح بموته بالعطش.

وأعرب “المفتي” عن مخاوفه من تأثيرات وأضراراً كبيرة ستقع على السودان إذا تم ضرب السد، ويجب على الحكومة الانتقالية السودانية مشددا على ضرورة الاهتمام بهذا الملف والجلوس مع خبراء قانونيين وفنيين، قائلا بإن “المشكلة الكبرى أن السودان ومصر، غير مقتنعين بجدية إثيوبيا في ملء خزان السد دون التوصل لاتفاق.

وفي شهر إبريل الماضي، طالب” المفتي” الحكومة السودانية – في تصريحات له بوضع سيناريوهات لما قد يحدث في حال انهيار إحدى بوابات سد النهضة، موضحا بأنه ينبغي أن يتم وضع سيناريوهات التعامل حال انهيار إحدى البوابات أو السد بأكمله، وضرورة إلزام إثيوبيا بدفع تعويضات عاجلة وعادلة حال حدوث تلك الكارثة.

عدم وجود دراسات فنية متكاملة

وينتقد عدد من الخبراء في كلا من مصر والسودان، عدم وجود دراسات فنية متكاملة لمشروع سد النهضة، بحسب ما ذكره الدكتور الوليد ىدم مادبو، خبير التنمية العالمية السوداني، في مقال منشور له أمس، الأحد على موقع ” سودانايل” بعنوان “ججج المدافعين عن سد النهضة”.

وكتب الخبير السوداني، “يعجب القارئ الكريم لو استبان له أنه لا توجد دراسة فنية متكاملة عن مشروع بسد النهضة الإثيوبي، والمتوفر هو فقط مجرد تقارير استهلالية رُوِّجَ لها على أساس أنها دراسات من قبل “بعض الجهات” كلها تشير إلى ضرورة إعداد دراسة مستفيضة، تقي دول حوض النيل شرور مثل هذه الفيضانات، التي عمِدت أمريكا مؤخراً إلى تفكيكها تفادياً للمخاطر ودرأً للكوارث؛ خاصةً وأن كل شركات التأمين أو معظمها بات يتفادى الدخول في مثل هذه الصفقات الغالية ذات العواقب الوخيمة”.

ينتقد ” مادبو” تجاهل إثيوبيا كلا من مصر والسودان، قائلا: “لقد وافقتا (مصر والسودان) في إعلان المبادئ (2015)، على طلب إثيوبيا بزيادة سعة السد، شريطة أن يُسلما نسخة من التصميم وإجراءات السلامة؛ علماً بأن الإثيوبيين شرعوا في بناء السد عام 2011م، وذلك في حد ذاته يعد خرقاً لاتفاقية (1902م)، والتي تشترط التزام الأطراف كافة وعدم بناء سدود على النيل الأزرق وفي ديار بني شنقول خاصة، إلا بعد التشاور مع الأطراف المعنية في هذه الحالة”.

الانتهاء من 73% من سد النهضة

وفقا لتصريحات إثيوبية رسمية فإن عملية بناء السد الإثيوبي انتهت بنسبة 73 في المائة، في وقت تجمدت فيه المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا، عقب انسحاب الأخيرة من اجتماع في واشنطن، نهاية فبراير الماضي، كان مخصصاً لإبرام اتفاق نهائي بخصوص قواعد ملء وتشغيل السد، برعاية وزارة الخزانة الأميركية والبنك الدولي. أعقبه مباشرة إعلان إثيوبيا بدء تخزين 4.9 مليار متر مكعب من في بحيرة السد، في يوليو المقبل.

جمع الأموال لاستكمال البناء 

ردت إثيوبيا على الخطوة المصرية بحسب ما نشره موقع «إثيوبيا إنسايدر»، إنه نص الخطاب الذي تقدمت به مصر لمجلس الأمن الدولي ضد إثيوبيا، بسبب عزم الأخيرة المضي قدما في خططها لملء سد النهضة، ونقل الموقع عن المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية قوله إنهم على علم بتقديم الشكوى، وسيقدمون الرد عليها إلى مجلس الأمن.

وفي وقت سابق، أطلقت اثيوبيا حملة لجمع الأموال لإكمال أعمال مشروع سد النهضة، عقب رفض الجانب الاثيوبي التوقيع مؤخرا على اتفاق حول السد مع السودان ومصر متجاهلا الوساطة الامريكية، وهو أحد التحديات التي تواجه إثيوبيا بحسب ما يقول الدكتور عبد الفتاح مطاوع خبير المياه.

اقرأ ايضًا:

“جراد وفيضانات وكورونا”.. ثلاثية تنذر بكارثة إنسانية في شرق أفريقيا

يري “مطاوع” بإن هناك العديد من القرارات الصعبة التي على الحكومة الإثيوبية أن تتخذها سريعاً جداً، وقبل الانتخابات الداخلية التي كان مقرراً لها سبتمبر من هذا العام، وأجلت إلى أجل غير مسمى بسبب جائحة كورونا، وربما لأسباب أخرى، ومن هذه القرارات الصعبة المفاضلة بين تدبير الموارد المالية اللازمة لاستكمال بناء السد، أم تدبير تلك الموارد اللازمة لغذاء الإثيوبيين والحفاظ على صحتهم، أم تدبيرها لتشغيل شبكات الطاقة، أم لتشغيل العمالة العاطلة والمهددة بالبطالة بسبب كورونا، وتلك إجابات ينتظرها رجل الشارع الأثيوبي.

يوضح خبير المياه بإن هناك قرارات إثيوبية صعبة أخرى على المستويين الإقليمي والدولي، ومنها مدى جاهزية النظام الحاكم الآن، في التعامل مع ما تحت السطح من توترات عرقية وقبلية وصراع وتنافس على الثروة والسلطة، وفي نفس الوقت المغامرة بالدخول في نزاعات وصراعات غير محسوبة وغير محمودة العواقب للنظام، إذا ما استمر عناده وشروعه في بداية ملء السد قبل توقيعه على وثيقة واشنطن، وكيف ستكون صورته أمام المجتمع الدولي؟ حيث شعب يعاني من العديد من الأزمات ونظام فاقد للرؤية.

ما طرحه ” مطاوع” خلص فيه بالنهاية إلى أنه ستحدده قدرة النظام والشعب على الصمود في ظل استمرارية الوضع على ما هو عليه؟ خاصة وأن إثيوبيا مر عليها ثلاثة أنظمة مختلفة خلال الست سنوات الماضية، اعتلى فيها سدة الحكم ثلاثة رؤساء وزراء من أعراق مختلفة.

مفاوضات محصلتها صفر

وفقا لخبراء فإن المأساة خلال المفاوضات الدائرة على مدار العشر سنوات الماضية، لم تكن تسترشد في المقام الأول بالعلم أو القانون، وهو الرأي الذي يؤكده الدكتور محمد هلال، أستاذ مساعد في القانون، كلية موريتز للقانون، جامعة ولاية أوهايو، ومستشار قانوني بوزارة الخارجية المصرية.

كتب “هلال ” سلسة مقالات من 3 أجزاء، نشرتها العديد من الصحف  محلية ودولية، بداية منذ مايو الجاري، شرح فيها أزمة سد النهضة منذ بدايتها، موضحًا أهمية المفاوضات التي دخلتها الدول الثلاث مصر، السودان، إثيوبيا، لحل الأمر، معتبرا بإن الاضطرابات السياسية أعاقت المفاوضات لافتا إلي أن البلدان الثلاثة شهدت شكلاً ما من أشكال تغيير النظام خلال السنوات العشر الماضية، بالإضافة إلى اعتبارات سياسية محلية وانتخابات، خاصة في إثيوبيا التي تجري فيها انتخابات هذا العام، ما جعل إثارة العامة بمشاعر العظمة أكثر ملائمة مع الوقت الذي تمر بهذه الدول، وجعل الوصول لتسوية أمرا أكثر صعوبة.

وتطرق “هلال في مقاله ” إلى سبب آخر أو ما وصفه بـ ” شعور (تخيلي بالكامل) بالظلم التاريخي، وشعور (وهمي سائد) بالاستحقاق، وتصورات شعبية ومفاهيم خاطئة، وأساطير ثقافية وحتى فولكلورية، وكل هذه العناصر اجتمعت لتجعل المفاوضات مباراة محصلتها صفر”. علاوة على ذلك، على الرغم من أن المحادثات ركزت على سد النهضة، أصبح من الواضح، على الجانب الإثيوبي، أن سد النهضة لم يكن فقط سدًا للطاقة الكهرومائية، ولكنه أيضًا أداة لإنشاء وتقنين حق غير منظم في استغلال ثروات النيل الأزرق وبناء مشاريع على منابع النيل.

واعتبر ” هلال ” الموقف المصري ” كان نهجًا عادلًا ومتوازنًا يرضي أهداف إثيوبيا التنموية، مع حماية مصر من حالات الجفاف المستقبلية، لسوء الحظ، رفضت إثيوبيا هذا الاقتراح المصري بإيجاز”.