منذ اليوم الأول لأزمة فيروس كورونا، كانت الرسائل المتواترة للحكومات العربية متعلقة بقدرتها على تأمين الغذاء، وامتلاكها خطوطًا مفتوحة للاستيراد تضم عشرات الدول وليس دولة واحدة فقط، لطمأنة جمهور تكالب على تخزين السلع.

sss

امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطع لأثرياء يدفعون عربات تسوق ممتلئة عن آخرها بالسلع، البعض حول جميع غرف منزله إلى مخازن، ببضائع في كل مكان، على “الدولايب” وأسفل أسرة غرف النوم، تحاشيًا لنقص الإمدادات أو فراغ المتاجر.

التركيز الحكومي العربي على الغذاء، الذي يلازم الحديث عن الفيروس وإجراءات مواجهته مرتبط بحساسية شديدة لدول تعتمد على استيراد نحو 70% من احتياجاتها الغذائية من الخارج في المتوسط، وتفتقر لإمكانية تعويضه داخليًا، في ظل ندرة الماء وغياب الأراضي الخصبة.

نقص الإمداد الغذائي

تسبب “كورونا” في نقص سلاسل الإمداد الغذائي عالميًا مع قيود العمل وحركة الشحن، وتقليص الدول المنتجة للحبوب الكميات المسموح بتصديرها، تحسبًا للطوارئ، فالمشكلة الأساسية المرتبطة بـ”كورنا” تتعلق في الأساس بقدرة العلماء على اكتشاف اللقاح.

تأتي التصريحات الصادرة عن المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي، دايفيد بيسلي، شديدة التشاؤم بعدما حذر من حدوث مجاعات، فـ 821 مليون شخص ينامون جوعى كل ليلة في كل أنحاء العالم، وهناك 135 مليونًا آخرين يسيرون نحو حافة المجاعة بنهاية عام 2020.

البرازيل، التي تعتبر من كبرى الدول في إنتاج الغذاء، تعاني أزمة حاليًا حتى اضطرت قبل ساعات لإضاءة تمثال المسيح الشهير الواقع بمدينة ريو دي جانيرو، برسائل تدعو للقضاء على أزمة الجوع، وأطلق برنامج بنك الطعام والخدمات الاجتماعية بالمدينة حملة لجمع المواد الغذائية كتبرعات تُقدم للمحتاجين.

اعتماد شبه كامل على الاستيراد

وتبدو المنطقة العربية في بؤرة الأزمة الغذائية المتوقعة في ظل اعتمادها على الاستيراد بشكل كامل، وأصبحت التقارير الدولية الصادرة عن المنظمات الدولية تركز تحذيراتها على العرب بالذات حول ملف الجوع، وآخرها توقعات لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا “الإسكوا”، بزيادة عدد الذين يعانون نقص التغذية بحوالي مليوني شخص.

اقرأ أيضًا:

كورونا يحاصر الاقتصاد غير الرسمي.. كيف تحمي الدولة المشروعات الصغيرة ؟

وتستورد السعودية 80% من غذائها من أكثر 157 دولة، لكن أغلب التعاقدات متعلقة بدول بعينها، فــ 15% من غذائها الحيواني يأتي من البرازيل، و11.67% من الأغذية المعلبة ومنتجات الأسماك من تايلاند، والأرز الذي يعتبر الوجبة الرئيسية يتم جلبه من “الهند وباكستان وفيتنام”.

يتكرر الأمر ذاته، في الإمارات التي تستورد قرابة 90% من غذائها من الخارج بما يكلفها 15% من دخلها القومي سنويًا، وتتوقع الدولة أن يتضاعف ذلك الرقم إلى أربعة أضعاف مستقبلاً ما دفعها إلى استحداث وزارة معنية بملف الأمن الغذائي، وإنشاء مخزون استراتيجي للسلع يكفي 6 أشهر.

لا يختلف الأمر في الكويت وقطر، فالاعتماد على استيراد الأغذية لديهما يتجاوز 90%، ولا يمكنهما تحقيق الاكتفاء الذاتي في أي منها مع ندرة الأراضي الزراعية والمناخ غير الملائم والشح المائي، بينما كانت البحرين أسعد حالًا بامتلاكها إنتاجًا محليًا وإن كان طفيفًا، لتبلغ فجوة الغذاء داخلها 85%.

ووافق مجلس التعاون لدول الخليج العربية، أخيرًا، على مقترح قدمته الكويت، يقضي بإنشاء شبكة أمن غذائي متكاملة، تهدف إلى تحقيق الأمن الغذائي للبلدان الستة، لكنها محاولة تبدو غير مجدية، فلا توجد بينها دولة منتجة يمكنها تعويض احتياجات الباقي وجميعها دول مستوردة.

تتواتر أرقام الاستيراد الضخمة للغذاء في دول مثل اليمن بنسبة 90% ولبنان 85%، والعراق أكثر من 60%، والأردن 60%، عمان 60%، وتونس أكثر من 50%، المغرب 50%، الجزائر 40%، وفلسطين 65%، لتتربع المنطقة العربية على عرش أكبر المستوردين للغذاء في العالم.

توقف التجارة الدولية

ووفقًا لمحللين اقتصاديين، فإن التضخم العالمي المفرط سيعني توقف التجارة الدولية لفترات زمنية بما فيها المواد الغذائية التي بدأ مصدروها تقليص التصدير خوفًا من حدوث انهيار مالي وفقدان العملات قيمتها، ما يتطلب من الحكومات العربية اتخاذ إجراءات عاجلة لزيادة الاحتياطي الغذائي الاستراتيجي.

ويقول خالد أبو إسماعيل، الخبير بمنظمة “الإسكوا”، إن كورونا سيحدث انكماشًا اقتصاديًا بقرابة 40 مليار دولار في المنطقة العربية بحلول منتصف 2021، مرجحًا وصول عدد الفقراء لنحو 101 مليون شخص في 13 دولة، ليست بينها دول الخليج التي لا تتيح بيانات حول الفقر داخلها.

ويضيف أبو إسماعيل أن الدول العربية يمكنها مواجهة شبح الجوع عبر عدة مقترحات أكثرها جدوى حاليا هو تغيير الأنماط الغذائية الحالية التي تتسبب في هدر طعام بحوالي 60 مليار دولار سنويًا.

هدر الطعام

وكشفت إحصائية بريطانية عن ارتفاع معدلات هدر الطعام إلى نحو 250 كيلوجراما من الأغذية للفرد سنويًا في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عموما بسبب عوامل ترتبط في المقام الأول بالعادات والتقاليد كإكرام الضيف، ونقص الوعي، وارتفاع الثراء ببعض الدول الخليجية.

وفقًا للإحصائية، تأتي السعودية في صدارة تلك الدول، فالمواطن السعودي يهدر نحو 427 كيلو جراماً من الغذاء سنوياً، والإماراتي  نحو 196 كيلو جرامًا، والفلسطيني نحو 93 كيلو جرامًا، بينما يهدر المواطن المصري الواحد نحو 73 كيلو جرامًا من الأغذية سنويًا.

ويبدو الوضع أكثر صعوبة في اليمن فنحو 20 مليون يمنيًا، أي حوالي 70 بالمئة من سكان البلاد، يفتقدون الى الأمن الغذائي، و10 ملايين من هؤلاء قاب قوسين أو أدنى من المجاعة، مع إعلان برنامج الغذاء العالمي تخفيض المساعدات الغذائية الإنسانية للمناطق التي يسيطر عليها الحوثيون إلى النصف.

وفي لبنان، لا تبدو الأحوال بأسعد حال، فالبلد الذي يعاني من فوضى سياسية لقرابة العامين، يواجه انهياًرا اقتصاديًا وشبح إفلاس يحول دون قدرته على شراء السلع الأساسية، وشهد مظاهرات في خضم أزمة كورونا تخللتها عمليات نهب للمحال التجارية التي تضم سلعًا غذائية.

ولا يختلف الأمر في سوريا، التي كانت حتى وقت قريب، قريبة من الاكتفاء الذاتي من الغذاء، لكنها تعاني منذ اندلاع الثورة والاقتتال الداخلي، الذي منع المزارعين من العناية بمحاصيلهم وهجرة البعض إلى المدن بحثًا في رحابها عن الأمان وفرص عمل أكثر استدامة.

زراعة المنازل

ودفعت مخاوف الشعوب العربية من شبح الجوع، إلى استثمار الأماكن الخالية أمام منازلهم في استصلاحها وزراعتها، فامتلاك الأموال لم يعد ذا جدوى، والأهم هو ما يمكنه أن تشتريه في المستقبل.

وفي سوريا، بدأت زراعة أسطح البيوت في دمشق تجد رواجًا وتضم المنازل حاليًا أشجار صغيرة وعبوات بلاستيكية تضم غالبية أنواع الخضروات، وتوسع الأمر حتى نجح أحد الشباب في إنتاج أطنان من الغذاء من أسطح عدة منازل مجاورة له.

وبالنسبة لمصر، فتصل فاتورة الغذاء بها إلى 250 مليار جنيه سنويًا، وتعانى من فجوة غذائية تقدر بنحو 60% من الإنتاج، نتيجة عدم كفاية الإنتاج من الموارد الغذائية فى سد الطلب الاستهلاكى بالكامل.

انخفاض الوعي الاستهلاكي

ويقول الدكتور عبد الرؤوف الإدريسي، الخبير الاقتصادي، إن المشكلة في مصر تتمثل في نقص المعروض الغذائي، وفي الوقت ذاته انخفاض الوعي الاستهلاكي لدى عديد من المواطنين ما يؤدي إلى زيادة الطلب، وتقليل مستويات الاكتفاء الذاتي، وضياع كميات من المحاصيل بسبب النقل غير السليم أو الأساليب التقليدية في الحصاد.

اقرأ أيضًا:

أجور مفقودة وإعانات ضئيلة.. معاناة العمال المتضررين حول العالم

وتبنت مصر في 2014 تدشين مشروعات زراعية عملاقة لإنتاج الحبوب، خاصة القمح والسلع الغذائية الأخرى من خلال مشروع المليون ونصف مليون فدان ومشروع الـ100 ألف صوبة زراعية ومشروع المليون رأس ماشية، علاوة على مشروعات المزارع السمكية في كفر الشيخ وقناة السويس وإعادة بحيرات مصر إلى سابق عهدها.

يقول “الإدريسي” إن مصر يمكنها الخروج من دائرة أزمة الأمن الغذائي بالاهتمام بقطاع الزراعة وزيادة المخصصات للبحوث والتطوير ودعم المزارعين، والقضاء على عادة الإسراف في تناول الطعام، والشراكة بين القطاعين العام والخاص لتحقيق الأمن الغذائي والسعي لتحقيق الزراعة التعاقدية واستهداف زيادة الإنتاج من المحاصيل الاستراتيجية خاصة الحبوب.