جاهدت مصر على مدار تسعة أعوام لترميم احتياطياتها النقدية التي تضررت في أعقاب ثورة يناير 2011، والوصول بها إلى أعلى مستوى في تاريخها عند 45.5 مليار دولار، قبل أن تأتي أزمة “كورنا”، ليأخذ الاحتياطي منحنى نحو الأسفل، ويفقد 8.5 مليار دولار خلال شهرين.
sss
واضطر البنك المركزي المصري، لاستخدام 3.1 مليار دولار من الاحتياطي النقدي خلال شهر أبريل الماضي، في سداد التزامات دولية خاصة بالمديونية الخارجية للدولة تقدر بنحو 1.6 مليار دولار، وتغطية خروج بعض المستثمرين من خلال آلية البنك لتحويل أموال المستثمرين الأجانب.
تحجيم الاستيراد من الخارج
وتضررت مصادر العملة الصعبة بمصر منذ ظهور “كورونا” خاصة قطاع السياحة الذي يساهم بحوالي 13% من الناتج المحلي، مع تقلص تحويلات المصريين بالخارج الذيي توقف غالبيتهم عن العمل مع الإغلاق الكامل للاقتصاديات الأجنبية، وكذلك إيرادات المرور بقناة السويس مع تباطؤ حركة مرور سفن النفط العملاقة من الخليج.
يضع محسن عادل، رئيس هيئة الاستثمار، “روشتة” لتعزيز موارد مصر الدولارية والخروج من الأزمة، عبر وضع أولويات لتحجيم الاستيراد من الخارج، وتقليل الضغط على موارد الدولة من العملات الأجنبية، خاصة السلع غير الضرورية التي يمكن توفير بدائل محلية لها بأسعار تنافسية، وبجودة أفضل بما يضمن تحولا في الطلب الاقتصادي عليها.
لا تزال قائمة السلع المستوردة تضم منتجات غير ضرورية، فالمستلزمات النسائية تتضمن ملابس داخلية بقيمة 13.87 مليون دولار، وعطور ومكياج بنحو 48.44 مليون دولار، وأحزمة وكورسيه بنحو 1.8 مليون دولار، ومستحضرات للعناية بالشعر وصبغات بـ 23 مليون دولار تقريبًا، وحمالات صدر بـ 7.158 مليون دولار، وأجهزة لقص الشعر أو إزالته بـ 2.517 مليون دولار، ومجففات للشعر بـ 1.344 مليون دولار.
ويطالب “عادل” بإجراء تحليل “حساسية شامل” لتأثير تغيرات أسعار الصرف على مؤشرات التصدير وتكلفة الواردات، والتي لم تظهر حتى الآن بصورة كاملة في ظل تماسك الجنيه أمام الدولار، وإجراء إصلاحات هيكلية وسريعة للاقتصاد المصري، تتضمن ربط قواعد البيانات في الدولة بصورة كاملة لإتاحة فرصة لتوجيه دعم للمستحقين والمتضررين بصورة أكبر من الأزمة.
اقرأ أيضًا:
يحافظ الجنيه المصري على وضعه ضمن أكثر العملات تماسكًا بين الاقتصاديات الناشئة منذ تفاقم تداعيات فيروس كورونا، حيث انخفض سعر صرفه أمام الدولار خلال 45 يومًا بنسبة 0.3% فقط، مع اتخاذ الحكومة العديد من الإجراءات والتدابير للحد من انتشار فيروس كورونا، وكذلك محاصرة وتخفيف تداعياته السلبية على الاقتصاد.
منظومة المشروعات الصغيرة والمتوسطة
يدعو رئيس هيئة الاستثمار الأسبق إلى الإسراع في إتمام منظومة المشروعات الصغيرة والمتوسطة وضمها تحت كيان مؤسسي يضع حزمة تعديلات تتضمن منظومة التراخيص وتخصيص الأراضي والمحفزات، وتوفير البنية التكنولوجية لإدارتها.
كما يطالب بتبني سياسات فعالة وحقيقية لترشيد استهلاك الطاقة بالنسبة للسيارات والأجهزة الكهربائية بغرض توفير فاتورة استيراد المواد البترولية عبر دعم سياسة تحويل السيارات من البنزين إلى الغاز وتشجيع الجمهور على شراء الأجهزة الأكثر توفيرًا للكهرباء.
وبلغت قيمة الواردات من الخام والمنتجات البتروليـة في الربع الأخير من العام الماضي حوالى 2.7 مليار دولار بانخفاض نسبته حوالي 13% رغم زيادة الكميات المستوردة بنسبة 0.4%، بسبب انخفاض الأسعار العالمية لبعض المنتجات.
ودعا “عادل” إلى إعداد إستراتيجية مبنية على بيانات حقيقية لتحفيز الفلاح على زراعة الحبوب وتعويضه عن فارق زراعة المحاصيل الأخرى الأكثر ربحية مع تحديد سعر توريد المحصول قبل زراعته ودعم الأسمدة الكيميائية والتقاوي عالية الجودة للتشجيع علي زراعة المنتجات محلًيا، بدلاً من استيرادها من الخارج.
تعاني مصر استيراد نحو 65% من احتياجاتها الغذائية من الخارج فتحتل المرتبة الأولى عالميًا في واردات القمح وتعاني فجوة في إنتاج الزيوت تصل إلى 97%، وسد العجز ما بين الإنتاج والاستهلاك يتطلب مراجعة التركيب المحصولي، بزيادة السلع الأساسية، على حساب محاصيل الفاكهة.
كما يطالب بإعادة تفعيل دور المجلس الأعلى للاستثمار، لكي يتولى مراجعة الإجراءات والقوانين المتعلقة بالاستثمار في الأنشطة والمجالات ما يعطى ثقة لجميع المستثمرين المصريين والأجانب بأن المرحلة المقبلة ستشهد نقلة نوعية في منظومة الاستثمار، وإطلاق منصة “استثمر في مصر” كهوية وطنية موحدة لإعداد الرسائل التسويقية للمنتجات المصرية.
كذلك يدعو إلى تخفيف القيود على حركة التجارة التي من شأنها تحسين عائدات القطاع الخاص من التصدير، وتشكيل مجلس جديد للتجارة الإلكترونية في مصر ليتواكب مع الزخم الكبير في التفاعل التجاري عبر الإنترنت في البلاد، والتركيز على تنفيذ ومتابعة برنامج تعميق التصنيع المحلى لزيادة القيمة المضافة للمنتجات المصرية.
ويرى كذلك ضرورة تفعيل قانون شراء المنتجات المحلية رقم 5 لسنة 2015 بإلزام جميع الجهات الحكومية بتطبيقه مع تفعيل مواد شراء المنتجات من المشروعات الصغيرة والمتوسطة الواردة في القانون رقم 141 لسنة 2004، وتفعيل الحوافز الضريبية الجديدة والتي صدرت بموجب تعديل القانون مما يشجع الشركات على إعادة استثمار فوائض الأرباح المحققة ضمن نتائج أعمالها مجددًا.
استيراد بـ70 مليار دولار سنويا
وأكد الدكتور محمود محيي الدين، المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل التنمية، في ندوة عبر الفيديو كونفرانس أخيرًا، أن مصر تستورد بـ70 مليار دولار سنويا ما يتطلب التقليل من تلك الفاتورة عبر التصنيع المحلي، وجعل الموازنة العامة كلها مرتبطة بالتنمية المستدامة وتحصيل الإيرادات على المستويين المحلى والمركزي عبر مراجعة بمنهج اقتصادي وتنموي وليس من منظور توازن القوائم المالية على النحو المعمول به.
ويدعو خبراء اقتصاد الحكومة إلى مواصلة التفاوض مع جميع الجهات الدائنة على إسقاط أو تأجيل بعض فوائد وأقساط الديون، بعدما صرح وزير المالية محمد معيط، بأن الحكومة طلبت من صندوق النقد والبنك الدوليين، إسقاط بعض الديون أو الفوائد، وتأجيل البعض الآخر.
اقرأ أيضًا:
واضطرت الحكومة إلى طلب حزمة مالية ضمن أداتيّ “التمويل السريع” التي تقدم مساعدات عاجلة لأعضاء الصندوق الذين لديهم مشكلات في مصادر العملة الصعبة كالسياحة والتحويلات النقدية، ولا تتطلب وجود برنامج كامل، أو مراجعات دورية للاقتصاد، وبرنامج “الاستعداد الائتماني” الذي يقدم قروضًا سريعة لا تزيد عن عامين لكنها تتضمن مراجعات منتظمة من الصندوق، لكيفية مواجهة الدول مشكلاتها.
تشغيل المصانع المتوقفة
ويطالب أحمد قورة، رئيس البنك الوطني المصري الأسبق، بتوجيه جزء من حزم المساعدات التي أعلنت عنها الدولة لمواجهة آثار كورونا لتشغيل المصانع المتوقفة بشكل عاجل خاصة التي تنتج سلع أساسية للمساهمة في سد فجوة الاستيراد التي تضغط على الاحتياطي النقدي، مع تشجيع المشروعات الصغيرة على النمو بخفض معدل الفائدة على قروضها لتصل إلى 5%.
ويدعو مصرفيون إلى تطبيق الضريبة التصاعدية والضرائب على الأرباح الرأسمالية التي تساعد الدولة على توفير موارد مالية كبيرة من شريحة رجال الأعمال والمستثمرين، وإجراء اختبارات التحمل لمعرفة حجم الاحتياطيات الدولية الذي نحتاجه للحفاظ على وضع ميزان المدفوعات الحالي ونضيف الحجم إلى الالتزامات الخارجية قصيرة الأجل لنحصل على الحجم الآمن والكافي لحيازة مصر من الاحتياطيات الدولية.
ويؤكد قورة أن الجهاز المصرفي لديه أدوات يمكن عبرها مواجهة الطلب غير المبرر على اليورو والدولار بتوفيرها للعملاء الجادين الذين يوجهونها لصالح استيراد مستلزمات إنتاج أساسية، للحفاظ على وفرة العملة الصعبة بالجهاز المصرفي الذي يشجع المستثمرين الأجانب على ضخ استثمارات أجنبية مباشرة جديدة في مشروعات على أرض الواقع، والتأكيد على ضمانة للأجانب بقدرة الدولة على توفير النقد الأجنبي اللازم لتمويل تحويلات الأرباح للخارج حفاظا على استثماراتهم الموجودة.