اشكر صديقي العزيز الحقوقي الكبير حجاج نايل على الرد الذي كتبه على مقالى السابق: لذلك فشلت .. اغلب ثوار قادة يناير كانوا أكثر ديكتاتورية من مبارك. فما كتبه في غاية الأهمية، لأنه يؤكد على فكرة انه لا يجب ان نسمح لأحد بان يحتكر التاريخ. فلابد من وجود شهادات وآراء من كافة الإتجاهات والأطراف، ليس فقط من قادوا ثورة يناير المجيدة وشاركوا فيها، لكن ايضاً من الذين كانوا ضدها. بهذه الطريقة يمكن للمجتمع أن يتقدم للأمام مستفيداً من ايجابيات الثورة، ومتجبناً بالقطع خطاياها.
الفكرة الأساسية التي طرحها حجاج ، وهي أن قادة الثورة لم يكن لديهم خبرة سياسية، فلا يعرفون كيف يديرون الصراعات السياسية مع المجلس العسكري والإخوان، ولا مع الدولة المصرية العميقة.
وإذا كان الأمر كذلك .. فهذا معناه انهم لا يستحقون ان يقودوا أي تغيير حقيقي في البلد. إذا كنت قد قررت ان تكون “سياسي” وأعلنت اهداف وفشلت في تحقيقها، فعليك أن تتنحى جانباً ونبحث كمواطنين عن من يستطيع التحقيق الأهداف التي أعلنتها.
هنا ليست الأولوية، لي كمواطن، الأسباب التي شرحها حجاج، رغم اتفاقي مع كثير منها،لأن هذا في الحقيقة لا يقدم ولا يؤخر في أن اقرر كمواطن ان هؤلاء الثوار لايصلحون مهما كانت الأسباب. واذا أرادوا أن يتصدورا المشهد العام مرة أخرى، فعليهم هم أن يتعلموا مما حدث، وأن يحاولوا اقناع الناس بأنهم لن يكرروا خطاياهم. أي يا صديقي العزيز حجاج هذه هي مشكلتهم هم وليست مشكلة المجتمع.
ربما يمكنني القول ان الدفاع عن الفشلة، ولا اقصد صديقي حجاج، أصبح مزاج منتشر في الشرق الأوسط. فجمال عبد الناصر على سبيل المثال، فشل في ان يكون رئيس جمهورية، فشل في التصدي لما يسميه الكثيرين المؤامرات الخارجية الإمبريالية الغربية. فشل في ان يخوض الصراع مع اسرائيل، وفشل في تحقيق أي انتصار عسكري. وأهدر دم وأموال المصريين في اليمن. وفشل في أن يعطي المصريين حقهم في الحرية وفشل وفشل.
مع ذلك فهناك هوس للدفاع عنه وتبرير هذا الفشل المروع، وكأنه ضحية والحقيقة أنه ليس ضحية ولكنه رئيس فاشل في إدارة مصالح البلاد.
التبرير لمحمد على في مغامراته العسكرية والتي تسببت في تراجع البلد، ومع ذلك فهناك من يضع الأمر في رقبة الإمبريالية الغربية ولا يضعه ، إلا نادراً، في رقبة محمد على الذي ارتكب خطايا مروعة، مع تقدير ايجابياته بالطبع.
وبمناسبة انني وصديقي الكبير حجاج كنا أعضاء في شبابنا في حزب سري شيوعي، ستجد من يعلق انهيار الإتحاد السوفييتي (الإمبراطورية الاستعمارية السوفييتية) في رقبة الغرب الإمبريالي الرأسمالي المتوحش. متناسيين ان الذي سبب فشل هذه الإمبريالية السوفيتية وفشل كل التجارب الإشتراكية كان من داخلها، كان بسبب من قادوا، ولم يقدموا لبلادهم الحرية والرفاهية، وقدموا ديكتاتورية متوحشة.
انا وصديقي الغالي حجاج نعيش في كندا، واذا فشل رئيس الوزراء الحالي جستون ترودوا في أن يحقق لنا مكاسب، غالبا لن نسأل انفسنا لماذا فشل، لكن سوف نبحث عن غيره ليحقق لنا ما نريده. وهناك عرف في كندا، اذا فشل رئيس الوزراء في النجاح في انتخابات المقاطعات أو الإنتخابات الفدرالية يستقيل، واذا لم يفعل من تلقاء نفسه يتم إجباره على الاستقالة، حيث لا مكان للفاشلين.
واظن ان حجاج يمكن أن يوافقني أن أي شخص أو تيار سياسي أو شركة .. الخ، اذا اراد ان يتقدم، فعليه أولاً ان يسأل نفسه: ما هي الأخطاء التي قمت بها وكيف اتجاوزها، وكيف أقدم لجمهوري ما يريد، وكيف اقدم له مكتسبات لم يكن يفكر فيها؟
أي لكي تحقق أي نجاح اظن انه من المهم ألا تسأل نفسك عما فعله الأخرون، ولكن عما فعلته أنت. والحقيقة أن حجاج أشار الى ذلك.
الأمر الثاني المهم، هو أن تأسيس بلد على أساس الحرية واحترام حقوق الإنسان لا يحتاج الى خبرة عويصة، فقد فعلها من قبل ثوار عظام مثل غاندي في الهند ونيلسون مانديلا في جنوب افريقيا، وكلاهما لم يكن لديه أي خبرة، وفي حالة مانديلا قضى معظم عمره في السجن. ومع ذلك لم يستند ابداً الى ما اسماه صديقي حجاج “الشرعية الثورية”، ولكنه أسس بلد ديمقراطي حر.
اتذكر وانا شاب عندما انتقدت الأستاذ هيكل رحمه الله، لأنه قال ان علينا ان نختار مبارك رئيس مجدداً لأن لديه خبرة 18 عاماً، وقلت ساخراً وقتها في جريدة العربي علينا أن نقيم مركز تدريب للرؤساء لكي يتخرجوا منه. وهذه المقالة كانت السبب في ان رئيس التحرير وقتها أصدر قراراً بطردي من العمل، وتدخل الأستاذ هيكل بنفسه وتم إلغاء القرار.
وبالتالي عندما قلت ان من حق مؤيدي مبارك ان يكون لهم مكانهم في المجتمع، ليس كما قال حجاج “مثالية” ويحتاج الى آلهة. وأضاف “ليس هكذا تدار الثورات ولا العلوم السياسية”. بل هو كما يعرف صديقي حق من حقوق الإنسان، وهي كما يعرف حقوق تولد معك ولا يحق لأحد مهما كان المبرر ان يسلبها منك.
واذا كانت “ليست هكذا تدار الثورات ولا العلوم السياسية”، فدعني أرفضها رفضاً قاطعاً لأنها ضد حقوق الإنسان، أو للدقة ارفض تصور صديقي عنهما. ربما لذلك عاد صديقي الكبير واقر بان لانصار مبارك وكل القوى التي كانت ضد الثورة حقوق، وكان لابد من “التسامح ” معها في إطار حرية التعبير. وفي نفس الوقت اوافقه دون شك على محاسبة الفاسدين طبقاً لوثيقة العدالة الانتقالية التي كما يقول هي أرقى ما وصلت إليه البشرية من تسامح في هذا الصدد ومع ذلك فهي وثيقة تؤكد علي ضرورة المحاسبة وتشكيل لجان للحقيقة لمعرفة ما حدث من انتهاكات والمسئولين عنها وكذلك تعويض الضحايا واصلاح المؤسسات الفاسدة.
كل ذلك لا يعني اطلاقاً التشكيك أو التقليل من قدر النبلاء الذين كانوا جسد هذه الثورة العظيمة، وان شعاراتها واهدافها كانت احلام عظيمة، والحوار الدائر حولها هدفه تقييم اداء القادة، والنظر بغضب كما قلت في مقالتي السابقة، حتى نتخلص من الخطايا ولا نعيد تكرارها.
شكراً صديقي الحقوقي الكبير على إثارة هذا النقاش الغني، والذي يؤكد فكرة أن التاريخ لا يجب أن يحتكره أحد، حتى يمكننا أن نتعلم منه.