في تطور جديد لمسار أزمة مفاوضات سد النهضة الإثيوبي، أصدر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، بيانا الثلاثاء الماضي، متعلقًا بالقضية، وأكد البيان مواصلة الأمين العام، متابعة التطورات عن كثب.

ولاحظ الأمين العام تقدما جيدا في المفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان، حتى الآن، ويشجع الأطراف الثلاثة على المثابرة في الجهود المبذولة لحل الخلافات المتبقية بالطرق السلمية وتحقيق اتفاق مفيد للطرفين، وشدد “جوتيريش” على أهمية إعلان المبادئ لسد النهضة الموقع في 2015، الذي يشدد على التعاون القائم على التفاهم المشترك والمنفعة المتبادلة وحسن النية ومبادئ القانون الدولي، وشجع الأمين العام على التقدم صوب التوصل إلى اتفاق ودي وفقا لروح هذه المبادئ، بحسب البيان.

وقبل ساعات أعربت مصر عن استعدادها الدائم للانخراط في العملية التفاوضية حول سد النهضة، والمشاركة في الاجتماع المُزمع عقده، بدعوة رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، مؤكدةً على أهمية أن يكون جادًا وبنّاءً وأن يُسهم في التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن وشامل يحفظ مصالح مصر المائية وبنفس القدر يراعي مصالح إثيوبيا والسودان.

وقالت الخارجية المصرية، إنه قد عُقد يوم ٢١ مايو ٢٠٢٠ اجتماع بين رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد والذي تم خلاله الاتفاق على عودة الأطراف الثلاثة لطاولة المفاوضات لتكملة الجزء اليسير المتبقي من اتفاق ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي حسبما تم في مسارات التفاوض خلال الشهور الاخيرة.

وكان رئيسًا وزراء مصر والسودان ووزيرا الخارجية والري ورئيسا جهازي المخابرات في البلدين قد ناقشوا تطورات الأوضاع بشأن ملف سد النهضة الإثيوبي.

اقرأ أيضًا:

تفاعل حقيقي أم دعائي.. العزل المنزلي يصنع ردود أفعال واسعة لـ”دراما رمضان”

وذكر بيان للخارجية المصرية الثلاثاء، أن الاجتماع الذي عقد عبر تقنية “الفيديو كونفرانس” تناول ملف سد النهضة الإثيوبي من كافة جوانبه.

وقال رئيس وزراء السودان، عبد الله حمدوك، خلال الاجتماع إنه سيجري اتصالاً برئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد علي، لاستيضاح موقفه إزاء العودة إلى مائدة المفاوضات على أساس مسار واشنطن.

مغالطات إثيوبية

وتقدمت مصر بمذكرة التفاهم المصرية لرئيس مجلس الأمن في أول مايو الجاري، وردت عليها إثيوبيا بمذكرة التفاهم الإثيوبية في 14 من الشهر ذاته.

ووجه العديد من الخبراء انتقادات للمذكرة الإثيوبية التي جاءت ردا على المذكرة المصرية المرسلة إلى مجلس الأمن، والتي تحتوى على ٦٥ بنداً، من أبرزها، كما يقول الدكتور عبد الفتاح مطاوع، خبير المياه، ما جاء بالبند الثاني منها ونصه الذى يقول: “إن مشروع سد النهضة الأثيوبي العظيم هو مشروع إثيوبي وطني تحت الإنشاء، بمصادر الشعب الأثيوبي والحكومة الإثيوبية، و بعد إطلاق المشروع (فى عام ٢٠١٠)، دعت إثيوبيا كل من مصر و السودان للمشاورات و بادرت بمجموعة من اللقاءات، ومع هذا فإن التقدم في المفاوضات تم إعاقته من مصر بأكوام من المعوقات”.

بحسب ما يرى “مطاوع” فإن المذكرة الإثيوبية حملت سيلاً من المغالطات وعدم الدقة واللياقة في ذكر المذكرة لبعض الأحداث، وعدم ذكر أحداث أخرى حدثت على مرأى ومسمع من عيون وآذان و كاميرات و ميكروفونات وإعلام العالم، مضيفًا “من بين ما استرعى انتباهي، عدم وجود أي ذكر للقاء الوفود الثلاثة، ومن بينها الوفد الإثيوبي، بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثناء مباحثات واشنطن، و لقائه مرتين مع وزراء الخارجية ووزراء موارد المياه بدول مصر والسودان وإثيوبيا، وعلى خلاف لما تناقلته وسائل الإعلام المقروءة و المسموعة و المرئية و وسائل التواصل الاجتماعي.

يقول “مطاوع” “وصل الأمر إلى عدم اعتراف إثيوبيا بنتائج مباحثات واشنطن ونتائجها، وكأنها ذهبت للنزهة والدردشة والفرفشة، ثم غابت عن اجتماع التوقيع، وبناء عليه فإن ما حدث هي غير ملتزمة به”.

تمثل شهادة “مطاوع” والتي نشرها عبر مقال مطول في جريدة الأهالي بعنوان “سد النهضة في مجلس الأمن.. قراءة سريعة في المذكرة الإثيوبية” أهمية كبرى لتدحض ما ذكرته المذكرة بالبند الثاني الذى ذكر به خطأ فادح وهو أن تاريخ إطلاق المشروع في عام ٢٠١٠ وهو ما لم يحدث، و حقيقة الأمر أن هذا الإطلاق حدث في عام ٢٠١١ ،بحسب ما يقول “مطاوع” الذي كان شاهداً على ذلك، بصفته كان المسئول المباشر عن إدارة ملف التعاون مع إثيوبيا و دول حوض النيل و مبادرة حوض النيل و اتفاقية عنتيبى المنقوصة – و التي جاء ذكرها بمذكرة التفاهم – حيث تولى رئاسة قطاع مياه النيل لقرابة عشر سنوات انتهت في الرابع من إبريل ٢٠١١، بعد هجمة إخوانية شرسة لإزاحته واحتلال المنصب، والإتيان بهشام قنديل وتمكينه من إدارة الملف.

تحركات حزبية سودانية

قبل أيام، أكد الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بالسودان، أن أحدا لا يريد توريث الأجيال المقبلة مسببات للصراع، وعلى الجميع الحرص أن على أن يتم كل شيء بالاتفاق والتوافق الجماعي، بخصوص سد النهضة الاثيوبي.

وقال الحزب السوداني، في بيان، الأحد الماضي، إنه ظل يتابع باهتمام بالغ، الأوضاع المتطورة بشأن سد النهضة بين السودان ومصر واثيوبيا؛ كما ظل يتابع عن قرب وكثب جولات التفاوض الثلاثي بين الوفود الفنية معولا على نتائجها في إرساء الحلول التوافقية بين البلدان الثلاثة المتجاورة.

وأعرب عن أسفه بعدما تفاجأ بإعلان إثيوبيا، وبعد سنوات من التفاوض، قرارها المنفرد بملء وتشغيل سد النهضة بدون اتفاق مع دولتي المصب (السودان ومصر)، مشيدا بموقف الحكومة الانتقالية السودانية المتحفظ على توقيع اتفاق جزئي بخصوص السد، مؤكدا أن هذا الموقف يجد الدعم، وأنه يصب في مصلحة شعوب البلدان الثلاثة.

وأضاف أنه يتابع بكامل اليقظة تطورات المشهد المقلق للأوضاع المتفجرة بين الدول الثلاث، لافتا إلى أن سد النهضة الرئيسي يشيد على بعد 12 كيلومترا من الحدود السودانية، والسد الجانبي على بعد 5 كيلومترات فقط من الحدود وبسعة 74 مليار متر مكعب، سعة معلنة، قدرتها دراسات متشائمة بأن تزيد إلى 90 مليار متر مكعب، وهي تعادل 200 بحيرة مثل بحيرة سنار و120 فيضان مثل فيضان 1988، مما يجعل أثر أي خطأ فيه يتضرر منه كل السودان.

ودعا الحزب الحكومة الانتقالية إلى مراعاة التوافق التام عند اتخاذ أي قرار حول سد النهضة، وبعد تشاور مجتمعي كامل، وأن تؤخذ كل مخاوف الخبراء والمهتمين من المواطنين مأخذ الجد، خاصة الذين يتحدثون عن المخاوف من أن يؤدي انهيار السد إلى دمار السودان، مشددا على ضرورة اعتماد مقاييس ومعايير السلامة، والالتزام الجازم بمبدأ الإخطار المسبق لدولتي المصب، وإشراكهما في إجراءات الاطمئنان.

وأعرب البيان عن تفهمه لما وصفه بـ “قلق مصر”، داعيا الحكومة السودانية لتفعيل شراكات بحثية متعمقة تستمع لوجهة النظر المصرية، والتأكيد على الحرص على سلامة أمن البلدين القومي، الذي لا تتجزأ مسألة المياه عنه.

ودعا الحكومة الانتقالية، ومجلس السيادة، لتشكيل مجلس خبراء قومي من السياسيين والقانونيين والعسكريين والفنيين يتولى ملف سد النهضة، كما دعا الدول الثلاث إلى قبول مسار واشنطن برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، والبنك الدولي والخاص بقواعد الملء والتشغيل لسد النهضة وإجراءات مجابهة حالات الجفاف، مشددا على رفضه الاتفاقيات الثنائية، بين اثيوبيا وأي من دولتي المصب، بما لديها من تداعيات سلبية ضارة بالمنطقة بأسرها وضرورة التمسك بالاتفاق الثلاثي بين اديس ابابا والخرطوم والقاهرة.

وحث على تجنب مخاطر ملء خزان سد النهضة دون اتفاق بين الدول الثلاث الذي سوف يحول النهر من ساحة للتعاون إلى ساحة للصراع، وستدخل الأطراف الثلاثة في معركة خاسرة في ظل الأوضاع الجيو-سياسية والإقليمية والدولية الراهنة.

وطالب الأطراف الثلاثة المتفاوضة باستئناف المفاوضات الثلاثية بروح إيجابية جديدة لاستكمال بحث المتبقي من القضايا العالقة وتجاوز النقاط الخلافية وصولا للاتفاق النهائي العادل الذي يحقق مصالح الدول الثلاث، ويعزز العمل المشترك ويطور آفاق التعاون والتنسيق فيما بينها.

إثيوبيا ملء السد في موسم الأمطار المقبل

في المقابل، قال المتحدث بالإنابة باسم الشؤون الخارجية الإثيوبية، أمسالو تيزازو، إن خطة إثيوبيا لبدء ملء سد النهضة الإثيوبي الكبير في موسم الأمطار المقبل هو جزء من البناء المقرر دون الحاجة إلى إخطار السودان ومصر، وذلك رداً على موقف مصر والسودان الأخير.

وفي مقابلة مع وكالة الانباء الإثيوبية، قال “يجب التوصل إلى اتفاق قبل ملء السد لأنه يتم خلال موسم الأمطار ولا يسبب أي ضرر كبير لدول المصب”.

وتابع أن مصر قدمت مؤخرا رسالة تعارض موقف إثيوبيا لسد النهضة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مضيفا أن “هذا ليس مفاجئا كالمعتاد ونعتقد أنه لن يحقق أي نتيجة”.

وذكر “لا شيء متوقع منا فيما يتعلق بملء السد، لأن مصر والسودان يعرفان أن ذلك سيحدث عندما يصل بناء السد إلى مستوى معين وبعد كل شيء يتم بناؤه لملئه، قائلا: “ليس لدينا واجب بإبلاغهم”.

مغالطات وعدم منطق

ويرى الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية والري، الرد الإثيوبي على رسالة مصر لمجلس الأمن بأنه حمل مغالطات وعدم منطق.

وكتب “نور الدين” معلقا:”ملخص الرد الإثيوبي على مذكرة مصر لمجلس الأمن بشأن التعنت والتسويف الإثيوبي يتلخص في ادعائها بأن مصر وافقت من قبل عبر إعلان مبادئ الخرطوم على استمرار العمل بالسد أثناء المفاوضات وهذا يعني أيضًا الموافقة على الملء الأول للسد لأنه من خطوات الإنشاء”.

اقرأ أيضًا:

الحقوق الصحية المهدرة في الصراع بين نقابة الأطباء ووزارة الصحة

وأضاف أن الرد على ذلك يأتي في الإشارة إلى أن هناك اتفاقية خاصة ومتخصصة جدًا بسد النهضة فقط وهى إعلان مبادئ سد النهضة الموقع بالخرطوم في 23 مارس 2015 وقعت عليها مصر والسودان وإثيوبيا وبالتالي هي المرجعية الأساسية لأي تفاوض، مستطردا بأن المادة الخامسة من إعلان المبادئ تنص وبوضوح على حتمية الاتفاق أولا على قواعد الملء الأول للسد بل وأضافت أيضا وجود مكتب استشاري يحدد نظام الملء خلال ستة أشهر فقط من تاريخ توقيع إعلان المبادئ ويحدد التعويضات إن وجدت في حال وجود أضرار وهو الذي لم تلتزم به إثيوبيا وطلبت استبعاده لاحقا.

وتابع “نور الدين” أن المادة العاشرة من إعلان مبادئ سد النهضة تنص أنه في حال عدم الاتفاق أو وجود خلافات بين أطراف الاتفاقية الثلاث يتم اللجوء إلى وسيط دولي تكون قراراته ملزمة للجميع، وهو ما تم التوافق عليه بمشاركة أمريكا والبنك الدولي إلا أن إثيوبيا انسحبت في الجولة الأخيرة بعد ثلاثة أشهر من المباحثات بما يوضح النية الإثيوبية والرغبة في عدم الاتفاق واتخاذ قرارات منفردة، كما أنها رفضت التوافق حول وسيط دولي آخر تكون قراراته ملزمة للجميع.

وواصل “نور الدين” أنه ورغم وضوح المادة العاشرة والتي تحدد طرفا دوليا إلا أن إثيوبيا تريد أن يكون الطرف من اختيارها وتصر على ألا يكون دوليا بل قاريا وهذا يخالف نصوص إعلان المبادئ، معتبرا أن إثيوبيا تريد تطبيق سياسة السيادة المطلقة على مورد دولي عابر للحدود ومشترك، والتي ينص قانون الأمم المتحدة للمياه بأن السيادة على المورد المشترك هي سيادة مشتركة أي منقوصة لدولة المصب وليست مطلقة وبالتالي فالسيادة على النيل الأزرق مشتركة ومتساوية بين مصر والسودان وإثيوبيا.

وانتقد “نور الدين” تصريحات وزير الخارجية الإثيوبي التي ادعى فيها بأن مصر أخطأت باللجوء إلى أوساط دولية بما أفسد المباحثات، قائلا ” ” أليس من حق مصر اليقين بأن إثيوبيا ليس لديها نيه للتوصل إلى اتفاق؟! هل تريدوننا نتفاوض لمائة عام؟! ولماذا وافقت إثيوبيا في إعلان المبادئ على اللجوء إلى وسيط دولي في حال الفشل في التوصل إلى اتفاق؟.

سد إثيوبي جديد ينتهك حقوق المياه.. ومصر تصعّد لمجلس الأمن

وأضاف خبير المياه، “وزير الخارجية الإثيوبي يقول إن 65 مليون من الشعب الإثيوبي لا يتمتع بالكهرباء وهذا كذب وافتراء وتقرير مفوضية حوض النيل لعام 2016 تقول إن التمتع بالكهرباء في المدن في إثيوبيا تبلغ 100% وفي الريف تقترب من 30%، مستطردا “إثيوبيا أعلنت أن كهرباء السد للتصدير وليست للشعب الإثيوبي الذي مول السد”.

وانتقد ” نور الدين” تصريحات بشأن حق إثيوبيا الحصول على حصة من مياه النيل، قائلا :” نرد ونقول نعم إذا كانت تحتاجها أكثر من مصر أما أن يكون لديها تسعة أحواض أنهار وكل حوض يضم عشرات الأنهار وأن يكون لديها فائض كبير من المياه والأمطار (936 مليار متر مكعب) ثم تطمع في المياه القليلة التي تذهب لمصر فهذا حق يراد به باطل حيث ينص قانون الأمم المتحدة لمياه الأنهار الدولية على مدى وجود بدائل للمياه في دولة معينة لكي تحصل على حصة منها، ومصر ليس لديها إلا نهر وحيد بلا فروع أو أحواض بينما لدى إثيوبيا تسعة أحواض وعشرات الأنهار فأين العدالة المطلوبة وليست المساواة فالعدل فوق المساواة، إضافة إلى أن إثيوبيا لديها 35 مليون فدانًا تحت الزراعة ومصر لديها 8.6 مليون فدان فقط للزراعة بما يوضح وفرة المياه في إثيوبيا وشحتها في مصر.