في استجابة لمطالب دولية، وانتقادات قادتها الولايات المتحدة على وجه الخصوص لمنظمة الصحة العالمية، وافقت الدول الأعضاء في المنظمة على بدء تحقيق مستقل في كيفية استجابة العالم لانتشار فيروس كورونا، في محاولة لوقف تبادل اللوم الذي توجه إليها منذ تفشي الجائحة .
وجاءت الموافقة بإجماع الأعضاء الـ 193 في الاجتماع السنوي للجمعية العامة للمنظمة، الذي عُقد عبر الإنترنت في جنيف الثلاثاء الماضي، حيث يسمح القرار بالتحقيق في دور المنظمة ذاتها، في حين طالبت دول الاتحاد الأوروبي، إلى جانب بريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا، بإجراء تحقيق في الكيفية التي تم التعامل بها مع الفيروس.
وحسب إحصاء أعدته وكالة فرانس برس استناداً إلى مصادر رسميّة، فإن فيروس كورونا المستجدّ قد أودى على الأقل بـ320 ألفا و255 شخصاً في العالم منذ ظهوره في الصين في ديسمبر، بينما سُجّلت رسميّاً أكثر من أربعة ملايين و850 ألفا و670 إصابة في 196 بلداً ومنطقة منذ بدء تفشي الوباء.
محاولة لتشتيت الانتباه
الاستجابة جاءت عقب انتقادات شديدة من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، والتي تشكل إداراته أكبر المانحين للمنظمة الدولية، عبر تصريحات شن خلالها هجوما شديدا على المنظمة واصفا بأنها “دمية” لدى الصين، وأوقف تمويل الولايات المتحدة لها.
“كورونا” الفتّاك.. واقعية “الصحة العالمية” تطيح بأحلام “ترامب”
الهجوم على المنظمة شمل أيضا تصريحات عدائية ضد الصين واتهامات من ترامب لبكين بمحاولة التستر على انتشار الفيروس – وهو ما دأبت الأخيرة على نفيه – وقال إن المنظمة لم تحاسب بكين”.
ويسعى ترامب لإعادة انتخابه لاحقا خلال العام، ويرى خصومه أن انتقاده محاولة لتشتيت الانتباه عن الانتقادات الموجهة لكيفية تعامل إدارته مع الوباء في الولايات المتحدة التي شهدت أكبر عدد من حالات الوفاة في العالم، حيث تجاوزت 91 ألف، وفقا لما أفاد به موقع “بى بى سي “
وتحتل الولايات المتحدة التي سجلت أول وفاة بكوفيد-19 مطلع فبراير الماضي، البلد الأكثر تضرراً من حيث عدد الوفيات والإصابات، وبعدها بريطانيا التي تحتل المرتبة الثانية، وتلتها إيطاليا، وتحلّ فرنسا رابعةً.
مشروع القرار الذي تقدم به الاتحاد الأوروبي، نيابة عن 100 دولة، دعا إلى إجراء “تقييم شامل ومحايد وغير منحاز” للاستجابة الدولية للفيروس”.
يركز القرار على “التسلسل الزمني (لتحرك المنظمة) فيما يتعلق بوباء كوفيد-19”. وكانت المنظمة قد واجهت انتقادا لتأخرها في إعلان حالة طوارئ صحية.
ويدعو القرار العالم إلى ضمان “إتاحة شفافة وعادلة وفي وقت مناسب” لأي علاجات أو لقاحات، كما يحث منظمة الصحة العالمية على إجراء تحقيق بشأن “مصدر الفيروس ومسار انتقاله إلى الجنس البشري”.
وقالت رئيسة الجمعية العامة، كيفا باين، سفيرة جزر الباهاما لدى المنظمة “لا يوجد كما أرى أي طلب من القاعة للحديث، وأعتبر ذلك موافقة على القرار وتبنيه بدون اعتراض”.
وخلال أعمال الجمعية العامة شن وزير الصحة الأمريكي أليكس أزار انتقادا لاذعا قائلا:“يجب أن نكون صرحاء بشأن أحد الأسباب الرئيسية لخروج هذا الانتشار (للفيروس) عن السيطرة: كان هناك فشل من قبل هذه المنظمة في الحصول على معلومات كان العالم بحاجة لها”.
تساؤلات مشروعة
وشهد الاجتماع خلافات متباينة بين الدول الأعضاء حول دور المنظمة في التعامل مع الوباء.
وقالت المتحدثة باسم الاتحاد الأوروبي، فيرجيني باتو-هنريكسون، إن هناك عدة أسئلة بحاجة إلى أجوبة كجزء من أي مراجعة.
وأضافت: “كيف انتشر الوباء؟ وما هو تفسير علم الأوبئة لذلك؟ هذا كله في غاية الأهمية لنا حتى نتقدم وحتى نتجنب أي وباء آخر من هذا النوع، ولكنها أشارت إلى أن هذا الوقت ليس هو الوقت المناسب “لتبادل اللوم”.
ويرى خبراء أوروبيون أن لقاحاً ضد فيروس كورونا المستجدّ قد يكون جاهزاً خلال سنة، في سيناريو يقدّمونه على أنه متفائل ولن يقضي بالضرورة على المرض الذي أودى بحياة قرابة 300 ألف شخص في العالم.
تعاون دولي
ووافق المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم جيبريسوس، مسبقا على مراجعة الطريقة التي تعاملت بها المنظمة مع تفشي فيروس كورونا، غير أنه رفض تلميحات بأنها تحتاج إلى إصلاحات بعيدة المدى، قائلا:” إن التقييم المستقل، الذي يبحث الدروس المستفادة ويقدم توصيات، سيحدث في “أقرب فرصة ممكنة”.
بعد وقفه لتمويل الصحة العالمية.. إفريقيا تدفع ثمن قرار ترامب
وأضاف “أن التركيز سينصب على مكافحة الجائحة، وإنقاذ الأرواح باستخدام كل الأدوات المتاحة”، مشددا على ضرورة الحصول على لقاح بشكل عادل، وبأسعار معقولة، مؤكداً أيضاً على قيادة البحث والتطوير للحصول على اللقاحات والتشخيص والعلاج.
وفي إشارة إلى ضرورة التعاون الدولي في الوقت الذي تتعرض فيه المنظمة الدولية لانتقادات قال تيدروس: إنه يذكرنا أيضاً بأنه على الرغم من اختلافاتنا، فنحن جنس بشري واحد، وقوتنا تنبع من عملنا معاً”، متوقعا بأن “الأيام القادمة قد تكون صعبة وقاتمة، ولكن بتوجيه من العلم، سوف نتغلب عليه معاً، دعوا الأمل يكن ترياقاً للخوف، والتضامن ترياقاً للانقسام. وإنسانيتنا المشتركة ترياقاً لتهديدنا المشترك”.
ترامب مجددا
بالتزامن وجه الرئيس الأمريكي في رسالة من 4 صفحات، إلى الجمعية العمومية حملت اتهامات إلى المنظمة، مهددا مدير عام المنظمة تيدروس أدهانوم، بسحب تمويل المنظمة التابعة للأمم المتحدة إذا لم تلتزم بإجراء “تحسينات جوهرية كبيرة” في غضون شهر، وإلا خاطرت بفقدان ملايين الدولارات وعضوية الولايات المتحدة معًا.
وحملت الاتهامات الأمريكية تأخير إعلان حالة طوارئ صحية دولية بضغط من الرئيس الصيني شي جينبينج، امتداح “شفافية” الصين رغم ورود تقارير عن فرض رقابة وفقدان التعاون الدولي، والإخفاق في التعليق على التمييز العنصري المرتبط بالفيروس، والذي قيل إنه حدث داخل الصين.
وقال ترامب إن مدير عام المنظمة جيبريسوس كان باستطاعته إنقاذ “حياة الكثيرين” إذا تصرف بالطريقة التي تصرف بها رئيس المنظمة السابق هارلم برونتلاند، عند انتشار مرض سارس، معتبرا أن “الأخطاء المتكررة” لتيدروس وللمنظمة كانت “مكلفة جدًا للعالم”.
الأمم المتحدة
وأوصى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش بأن يُعقد الاجتماع السنوي لقادة العالم في سبتمبر المقبل، عبر رسائل فيديو مسجلة مسبقًا بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد19-).
وأشار “جوتيريش”، في رسالة بعث بها الاثنين الماضي إلى رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، تيجاني محمد باندي إلى أن “المجتمع الطبي يتوقع أن تستمر الجائحة في التفشي بدرجات متفاوتة من الشدة”. وقال إنه من المتوقع أن تظل بعض القيود على السفر الدولي سارية في سبتمبر المقبل، مما يجعل “من المستبعد للغاية” أن يتمكن المسؤولون من جميع الدول الأعضاء في الجمعية العامة البالغ عددها 193 دولة من السفر إلى نيويورك.
تراجع شعبية ترامب
ومؤخرا تزايد عدد الأمريكيين المنتقدين للرئيس دونالد ترامب على مدى الشهر الماضي، فيما يرتفع عدد الوفيات بسبب جائحة فيروس كورونا، ليتخلف الرئيس الأمريكي الآن عن منافسه الديمقراطي المحتمل جو بايدن بفارق ثماني نقاط مئوية بين الناخبين المسجلين، حسبما أفاد استطلاع للرأي أجرته رويترز./إبسوس.
للوقاية من “كورونا”.. ما هو الأساس العلمي لغسل اليدين لمدة 20 ثانية؟
وأظهر الاستطلاع الذي أجري يومي الاثنين والثلاثاء الأسبوع الماضي، أن 41 بالمئة من الأميركيين البالغين أيدوا أداء ترامب في المنصب، في تراجع أربع نقاط عن استطلاع مماثل أجري في منتصف أبريل، في حين لم يؤيد 56 بالمئة ترامب، بزيادة قدرها خمسة بالمئة في الفترة الزمنية ذاتها.
بحسب الاستطلاع أن 46 بالمئة من الناخبين المسجلين قالوا إنهم سيؤيدون بايدن في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في الثالث من نوفمبر، بينما سيصوت 38 بالمئة فحسب لترامب.
ويتزايد انتقاد الأميركيين على ما يبدو لطريقة معالجة ترامب للأزمة الصحية. ووفقا لاستطلاع الرأي، فإن الذين لا يوافقون على أداء الرئيس الأميركي في إدارة الاستجابة لتفشي فيروس كورونا في البلاد يفوق عدد الموافقين على أدائه بنسبة 13 بالمئة، وهو أعلى مستوى لعدم التأييد منذ أن بدأ استطلاع الرأي يطرح هذا السؤال في مطلع مارس.
يرى الرأي العام أن ترامب أقوى في توفير الوظائف بينما بايدن ملائم أكثر في التعامل مع قضايا الصحة، بحسب رويترز.
وأجري الاستطلاع عبر الإنترنت وباللغة الإنجليزية في أرجاء الولايات المتحدة، وحصل على إجابات من 1112 أميركيا بالغا، من بينهم 973 عرفوا أنفسهم بأنهم ناخبون مسجلون. ويبلغ هامش الخطأ في الاستطلاع نحو أربع نقاط مئوية بالزيادة أو النقصان.
موجة جديدة
في 15 أبريل الماضي، وبينما يحضر ترامب مؤتمرا صحفيا إثر إعلان ترامب تعليق تمويل منظمة الصحة العالمية وقعت المشادة بين الرئيس الأمريكي، والمراسل الصحفي بريان جيمس كارم، خلال المؤتمر بالبيت الأبيض.
وانتقد كارم، ترامب واتهمه بالتهرب من مسؤولياته تجاه الأمريكيين، وقال: “تحدثت إلى مئات الأشخاص في جميع أنحاء البلاد خلال الأسابيع القليلة الماضية، وأكدوا لي أنهم لا يزالون غير قادرين على الخضوع لاختبار كورونا وأنهم لا يزالون يتعايشون بشكل عادي دون تباعد اجتماعي كما هو متبع”.
صدق أولا تصدق.. “ترامب” يريد حقن مصابي كورونا بالكلور
فرد ترامب على كارم بالتأكيد أن مسؤولية تنفيذ الاختبارات والالتزام بالتباعد الاجتماعي متروكة للمحافظين.
وكان ترامب أصدر أوامره بتعليق تمويل منظمة الصحة العالمية مؤقتا، بسبب طريقة تعاملها مع أزمة فيروس كورونا، وقال خلال المؤتمر الصحفي، إن “منظمة الصحة العالمية فشلت في القيام بواجبها الأساسي ويجب أن تخضع للمساءلة” قائلا: “المنظمة عززت التضليل الصيني بشأن الفيروس، مما أدى على الأرجح إلى تفشي الوباء على نطاق أوسع”.
وحذر أنتوني فاوتشي الخبير الأمريكي في مجال مكافحة الأمراض المعدية، في الكونغرس من أن فتح الاقتصاد الأمريكي قبل الأوان قد يفضي إلى موجات تفش جديدة لفيروس كورونا الفتاك.
ونبه فاوتشي مدير المعهد الوطني لأمراض الحساسية والأمراض المعدية خلال جلسة الأسبوع الماضي لجنة بمجلس الشيوخ إلى أنه لم تتم بعد السيطرة على الوباء في مناطق من البلاد، مشددا علي ضرورة اتباع الولايات لتوصيات خبراء الصحة وانتظار إشارات من بينها تراجع عدد حالات الإصابة الجديدة قبل إعادة الفتح.