لم تهدأ شعلة الخلافات الأسرية داخل المجتمع المصري، خاصة في ظل الظروف الحياتية التي يعيشها الجميع هذه الفترة، وسط جائحة عالمية تؤثر في شعوب بأكملها، فالجميع يعاني ضغوطًا اقتصادية اجتماعية سيئة، تساعد على تفاقم الأزمات بين الأزواج، وبين أفراد الأسرة الواحدة.

الأمر الذي أدى لظهور عدد كبير من الحركات والحملات النسوية، التي جسدت أهم مطالبها في البحث عن المساواة بين المرأة والرجل، وإن كان معظمها غير معلن إلى الآن، حيث تهتم تلك الحملات بالمطالبة بمساواة المرأة بالرجل من حيث العمل وإلزامه بالتواجد مع الأبناء مثلما أجبرت هي على ذلك بفعل الضغط المجتمعي، من أجل رعايتهم.

بدون رجال

إلا أن هذا ليس بالأمر اليسير في تنفيذه، فبدأت بعض الفتيات والسيدات في إحياء حملة نسوية كانوا بدأوها بالفعل بداية العام الماضي، وهي حملة “بدون رجال”، والتي تدعو للعيش بدون ذكور، كنوع من رفض الاتكالية والاعتماد على الرجل في الحياة عمومًا، طوال هذه الفترة ظلت هناك جبهة موازية مناهضة رافضة كل ما يظهر من مطالب توحي بعدم المنطقية، أو تدعو لما اعتبرته انحلالًا وقلبًا للموازيين في بعض الوقت، حيث وُصفت الحملة في بدايتها بأنها غير منطقية ومعادية للطبيعة البشرية وتخالف تركيبة المجتمع المصري، باعتباره أحد المجتمعات العربية الشرقية المحافظة.

 

اقرأ أيضًا:

“نساء المخيمات” يستغثن من كورونا.. هل من نجاة؟

ظهر حسنها عدد من المتصدين للحملة، كان من بينهم عدد من علماء الاجتماع الذين عبروا عن رفضهم من خلال كتاباتهم ومحاضراتهم في هذا السياق للفكرة، ما يؤكد عدم احتمال المجتمع لمثل هذه الأفكار التي ربما تساهم في تفككه أكثر من بنائه، وفي نشر العيوب والعوار اكثر من التصدي له ومواجهته على الإطلاق، كما يرون.

 

الهروب من المشاكل

يقول الدكتور “شريف محمد” أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة، إن عددًا كبيرًا من السيدات يلجأن للانضمام لمثل هذه الجمعيات والحركات النسائية الجديدة للهروب من مشاكلهن، مع العلم أنهن بهذه الطرق لا يتخلصن من مشاكلهن بل تزيد، ومع الوقت تتحول تلك المشكلات التي من الممكن أن تكون بسيطة إلى عقد نفسية.

واستشهد بقصة إحدى مؤسسات الحملة وتدعى “ز. ر”، وهي سيدة ثلاثينية، والتي أوضحت أن الحملة لاتعني من وجهة نظرها إهانة الرجل على الإطلاق، فقط تحاول النساء في مصر وفي العالم أجمع البحث عن الاستقلالية والبعد عن الاتكالية ورمي المسؤوليات على عاتق الرجال فحسب، موضحة أنها انضمت لهذه الحملة وتعد من مؤسسيها بعد طلاقها مباشرة والذي تم بسبب مشكلاتها الزائدة مع طليقها حول الماديات ورغبته في السيطرة على راتبها الشهري وجعله جزء أصيل من دخل الأسرة وضمن الموارد التي تنفق الأسرة من خلالها، بالإضافة أنه كان يرفض مساعدتها تمامًا في عمل المنزل أو أي شيء، هو فقط يريدها أن تساعده ولا يريد أن يساعدها، مما جعلها غير قادرة ع تحمل الأوضاع وطلبت الطلاق على الفور منذ عام تقريبًا، وبعد أن استمر زواجهما طيلة عامين قبلها، إلا أنها قررت بكامل إرادتها إنهاء حياتهما معا بمجرد تأكدها من محاولات زوجها الدائمة في إهدار مجهودها والاعتماد عليها بهذا الشكل ورفض مساعدتها.

لم تكن “ز. ر” الحالة أو النموذج الوحيد للمطالبات بالعيش بدون رجال، فسبقتها لذلك “نيرة موسى” طالبة الفرقة الرابعة بكلية التربية النوعية والتي اتخذت قرارها بسبب الخلافات الشديدة بين والديها، والتي ترتب عليها انفصالهما خلال دراستها بالمرحلة الإعدادية، حيث تولت الأم مسؤلية بنتها بالكامل، مما ضاعف لدى الابنة إحساسها بعدم الفائدة من وجود رجال في حياتها، فلم يسأل عنها والدها طوال تلك الفترة فتقول: “المرأة تستطيع أن تحيا بدون رجال، يكفيها عملها واعتمادها على ذاتها لتحيا بشكل مستقل ولا ترمي بنفسها تحت أقدام من يتحكم في مصيرها”.

تحكم الرجل

لم تقصد حملة “بدون رجال” أن تخص بتوجهها الأزواج فقط، وهو ما قاله “سيد عبد الراضي” أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، موضحًا أن عددًا كبيرًا من المنضمات لهذه الحملة لم يكن من المتزوجات، حيث إن الزواج لم يقف سبباً يوماً من الأيام في رفع نسبة الخلافات بين الذكور والإناث في المجتمع، وإنما الأزمة في تصرفات أفراد المجتمع، والتي تسيء لفصيل دون الآخر، فانضم للحملة عدد من النساء اللاتي يرغبن في الهروب من جحيم الأسرة التي يتحكم فيها أيضا رجل سواء كان أب أو أخ أكبر أو ما شابه ذلك.

تقول لينا سمير طالبة الدراسات العليا بجامعة القاهرة، إنها انضمت للحملة بعد تعرضها لضغط عنيف طوال السنوات القليلة الماضية بعد وفاة والدها بعد أن قرر شقيقها الأكبر منعها من استكمال دراستها، إلا أنها تمسكت بحقها في التعليم مما ترتب عليه حرمانها من ميراثها، إلا أن هذا الأمر رسخ بداخلها صورة ثابتة عن جميع الرجال، وهي رغبتهم في التحكم فحسب، فانضمت للحملة دون تردد.

 

اقرأ أيضًا:

“الضحية الكبرى”.. قلق أممي من مخاطر “كورونا” على المرأة

وأضافت “لينا” أن عدد النساء داخل الحملة يزيد عن ألفي سيدة خلال عام واحد، وهي تتوقع زيادة العدد خلال الفترات المقبلة، نتيجة لما تلقاه المرأة المصرية من ضغوط مجتمعية هائلة خلال الفترة الأخيرة، موضحة أن جميع الانتقادات التي تتلقاها الحملة غير مؤثرة في القائمين عليها على الإطلاق، لأن ايمانهن برغبتهن في التحرر من جميع الضغوط والتحكمات الذكورية، أقوى من أي شيء، إلا أنهن يولين أهمية كذلك إلى الاستماع لانتقادات المجتمع للاستفادة مما يتناسب معهن، وخاصة علماء الاجتماع لأنهم الأكثر اتصالاً بمشكلات المجتمع دائماً.