صدرت قرارات مدير الإدارة العامة لمكافحة العدوى غريبة جدا ومرعبة في ذات الوقت، بشأن عدم إجراء مسحات للأطباء والأطقم الطبية المخالطة بشكل مباشر للحالات التي تثبت إيجابية إصابتها بفيروس كورونا المستجد، بالمخالفة للبرتوكول الذي سبق أن صدر عن اللجنة العلمية بوزارة الصحة بالدليل الشامل، ويجعل مسحات تحليل البلمرة المتسلسل PCR لمقدمي الخدمة الطبية المخالطين واجبا بمجرد التأكد من إيجابية الحالة المرضية التي تعاملوا معها.

جاءت هذه القرارات غريبة لأنها تصدر عن إدارة مكافحة العدوى والتي تأتي مهامها الوظيفية بالأساس متعلقة بمكافحة العدوى، وتقف ضد أي تفشي لها، وطالما ثبتت إيجابية الحالة المرضية التي يخالطها الطبيب مرتديا الواقيات المتوسطة الموصوفة لطبيعة عمله، والتي تكون أقل من تلك التي يجب ارتداؤها في مناطق العزل وأثناء التعامل مع الحالات الإيجابية المؤكدة، أو مخففة في الأماكن المخصصة للسكن بعيدا عن المرضى، فقد بات مشتبها في إصابته بالعدوى وبناء عليه يجب إجراء مسحة سريعة له والتحليل للتأكد من عدم إصابته حتى لا يصبح هذا الطبيب سببا في عدوى زملائه ومرضى آخرين من غير المصابين بالعدوى. 

هذه هي طبيعة مهام ووظيفة إدارة مكافحة العدوى، والتي يجب أن تصدر منشوراتها وتعليماتها المعممة بها، أما التعليمات التي صدرت مؤخرا فاعتقد أن ذلك لا يمكن أن يصدر عنها. 

التعليمات التي صدرت من ناحية أخرى مرعبة جدا ويجب أن يحاسب مصدرها لأنها تندرج تحت عنوان إثارة البلبلة والفوضى، فهذه التعليمات لا تصدر إلا عن جهات أعلى وتكون بعد إعلان فشل إدارة مكافحة العدوى تماما، وهذا هو الذي جعلني أقول عن هذه القرارات إنها صادمة ومرعبة، خاصة وأنه بمتابعة التجارب المختلفة وحتى في نموذج انهيار المنظومة الصحية الكارثي في إيطاليا لم يتوقف النظام الصحي الإيطالي عن توفير المسحات الطبية للطواقم الطبية العاملة وبشكل دوري مستمر، حفاظا عليهم في أماكن عملهم واستمرارهم في أداء الدور المنوط بهم حتى تعافي الأمة والخروج من الأزمة. 

ندرك جميعا أن التفشي المجتمعي وانهيار المنظومة الصحية أمام أي وباء هو الأمر الذي نسعى جميعا خلال هذه المرحلة إلى عدم حدوثه وتدارك ما فاتنا الفترة الماضية لمنع الوقوع فيه، وسنناقش في هذا المقال الإمكانيات والموارد المتاحة والتي يجب استغلالها قبل إعلان ذلك وحتى لا نصل إلى تلك المرحلة التي يصبح فيها الجميع مصابون، ونجد أن إجراء التحاليل والمسحات الطبية غير ذات فائدة مرجوة، فالنتائج نعرفها مسبقا، وهي أن الجميع مصابون، ولا نجد لهم أماكن للرعاية وسنتعامل فقط مع الأكثر احتياجا وأكثر أملا في النجاة.

نعم هذه هي المرحلة التي نخشى منها جميعا، وإعلان هذه المرحلة أو التعاطي معها لا تأتي قراراتها أبدا من إدارة مكافحة العدوى وإنما تكون بقرارات لها صفة الغرفة المركزية برئاسة الوزراء أو وزارة الصحة وممهورة بتوقيع الوزير المختص أو رئيس مجلس الوزراء، ولذلك فإن توصيف هذه القرارات بالمرعبة لأنها تأتي سابقة على موعدها وأوانها بكثير جدا، وتأتي مخالفة تماما لصلاحيات مصدرها وتثير الرعب المجتمعي خاصة وأننا ما زلنا نمتلك العديد من الموارد والإجراءات التي يمكن اتخاذها خلال هذه المرحلة قبل اللجوء إلى حزمة قرارات إعلان الاستسلام للقدر.

يأتي على رأس هذه الإجراءات، الحظر الكلي الشامل الذي طالبت به نقابة الأطباء وتلا ذلك حديث المستشار الرئاسي للصحة بأهميته 

ثانيا، الأطباء والأطقم الطبية هم عمود المرحلة الحالية وغيابهم و تساقطهم مرضى أو تفشي الوباء في أي منشأة طبية وخروجها من الخدمة ولو يوم واحد لتطهيرها تكلفته تعني الخسارة والانهيار التام وتفشي الوباء فلا يمكن أبدا مواجهة أي وباء أو قيام منظومة صحية دون الأطباء وكافة أفراد الأطقم الطبية، ويجب إعادة النظر في استغلال كافة الإمكانيات والطاقات البشرية المتاحة مع دعمهم التام وتقديرهم معنويا وماديا وتقديم كافة الامتيازات التي تضمن إدماج أكبر عدد ممكن من الأطباء والتمريض العاملين خارج المنظومة الرسمية للعمل داخلها والاستعانة بكافة أطباء الأسنان والصيادلة والعلاج الطبيعي وفقا لتأهيل كل منهم الدراسي والعلمي للاستعانة بهم لأقصى درجة في هذه الأزمة.

ثالثا، يجب استغلال كافة الإمكانيات والمنشئآت الطبية المتاحة واستغلالها الاستغلال الأمثل بواسطة غرفة مركزية موحدة تضم كافة المستشفيات الحكومية أيا كانت الجهة التابعة لها، ويشمل ذلك مستشفيات الهيئة والأمانة والجامعة والجيش والشرطة وكافة الوزارات دون أي استثناء جنبا إلى جنب مع استخدام التعديل التشريعي لقانون الطوارئ بإلزام المستشفيات والمراكز الطبية الخاصة بالعمل طبقا للقواعد الحاكمة وتحت إشراف هذه الغرفة المركزية على أن تتحمل ميزانية الدولة وتبرعات المجتمع المدني تكلفة هذا الدمج بأسعار عادلة.

رابعا، يجب أن ندرك جميعا أننا أمام أزمة ليست قصيرة الأمد وأن وجود خطة وإستراتيجية طويلة الأمد هي الحل الحقيقي للأزمة فالحلول السريعة والمؤقتة لن تحل الأزمة ولن تؤدي إلا إلى مزيد من الخسائر في الأرواح والاقتصاد معا، وهذه الخطة الإستراتيجية يجب أن تكون معلنة للجميع ولابد للإدارة السياسية بالبلاد أن تكون على علم بطبيعة الأزمة الراهنة وفق منهجية يقوم عليها الخبراء بطبيعة الأزمة لتطبقها الإدارة السياسية وليس تطويع الخطة ولي الحقائق لتلبي أحلام الإدارة السياسية بعيدا عن الحقيقة الواقعة.

خامسا، تشكيل غرفة مركزية في حالة انعقاد دائم تضم كافة العقول والموارد البشرية التي يمكن الاستفادة منها لتضم التشكيل المقترح لمجلس إدارة المجلس الصحي المصري ومتى سنكون أكثر احتياجا لانعقاد هذا المجلس إن لم نكن في حاجة له الآن، ولا يمكن أبدا أن نكون حتى هذه اللحظة وفي ظل الظروف الراهنة أسرى لأزمات أو مشاكل سابقة بين وزارة وأخرى أو وزارة ونقابة دون أن نسعى للتشارك جميعا للمرور من هذه الأزمة من خلال استغلال كافة الطاقات المتاحة، لا يمكنني تصور أن الدولة والوزارة لا تحتاج إلى جهود نقابة الأطباء وميكنة شكاويها التي يرفعها الأطباء لنقابتهم بنقص مستلزمات أو بداية انتشار العدوى في منشأة حتى تتوافر لها صورة حقيقية مغايرة لتلك الصورة التي يرفعها المدراء تحت شعار “كله تمام يا فندم”، أو قدرتها على حشد طاقات أبنائها من الأطباء وتدريبهم بلجان التعليم المستمر بها وحل كافة المعوقات التي تعيق التحاق أكبر عدد ممكن من الأطباء بهيكل العمل الآن وفورا، كما أن هذا التكاتف والتناغم المطلوب فورا يجعلنا جميعا أمام مساحة من المشاركة في القرارات والدراية بطبيعة المرحلة بشكل يوفر الكثير من عناء الاختلاف وتوجيه كافة الطاقات نحو العمل.

سادسا، التوسع فورا في إجراء المسحات الطبية للحالات المشتبه فيها خلال فترة الحظر للقضاء والسيطرة على الوباء طبقا لتعليمات وإرشادات منظمة الصحة العالمية والتي صدرت توصياتها واضحة بخصوص هذا الشأن لمصر واستغلال كافة الأجهزة المتاحة بالدولة جنبا إلى جنب مع أجهزة معامل التحاليل الخاصة، وإذا كنا نعاني من محدودية أو نقص في كواشف تفاعل البلمرة PCR فعلينا سرعة استيرادها مهما كان الثمن والتكلفة، لأن تكلفة الأرواح وتوقف عجلة الاقتصاد والفوضى التي ستنتج حال تفشي الوباء وانهيار منظومة الصحة تماما ستفوق بكثير جدا هذه التكلفة، وبصراحة فإن فرضية محدودية الكواشف تأتي متناقضة تماما مع إتاحتها للجمهور ودون أعراض تماما أو شرط المخالطة بمستشفى عين شمس التخصصي فقط لمن يدفع ثمنها 2600 جنيه، في الوقت الذي تتزايد معوقات كتلك التي نص عليها الأمر الإداري لوكيل وزارة قنا مؤخرا، ويشكو كافة المرضى من صعوبة حصولهم عليه على الرغم من أن بينهم حالات تعاني من أعراض ظاهرة جدا، أو استجداء الأطباء للتحليل في مستشفيات مصر كلها حال مخالطتهم لحالة مؤكدة.

سابعا، استغلال كافة الفنادق والنزل لتخفيف الأحمال عن المستشفيات واستيعابها للمرضى من الحالات المتوسطة والبسيطة منعا للتفشي أو انتقال العدوى لذويهم وغيرهم طوال فترة الغلق، ويجب أن يكون ذلك بدلا من التفكير في وجود سياحة داخلية خلال إجازة العيد لما ستؤديه هذه السياحة من تنقل للمصابين الذين لا تظهر عليهم الأعراض بين المحافظات ولقاء المواطنين من محافظات مختلفة ومن ثم عودتهم مرة أخرى لمحافظاتهم حاملين للوباء والعدوى بما يحتم بالتفشي.

كان القطاع الفندقي قد تلقى حزمة مساعدات مالية ضخمة من خزانة الدولة هي الأكبر بين كافة القطاعات واستغلال موارد هذا القطاع أعتقد أنها واجبة خاصة وإنها تمتلك بالأساس ما يمكنها من القيام بهذا الدور مع تغييرات بسيطة ودعمها بالكوادر الطبية للملاحظة والمتابعة فقط، اللازمة لهذه الحالات البسيطة تحت إشراف الأطباء البشريين وتدريبهم بسرعة لكافة الكوادر الطبية وأطقم هذه الفنادق للتغذية والنظافة على بروتوكولات العمل اللازمة ومناطق عملهم منعا لانتشار العدوى.

أخيرا، لابد أن تكون إجراءات الحظر والحملة الدعائية والإعلامية المصاحبة لها كلها تسير في اتجاه واحد يعمل على إثراء الالتزام بهذا الحظر الكلي الصارم ومنع الانتقال بين المحافظات والتزاور في الأعياد ولابد أن تعلم هذه الحملة الدعائية مع إعلان كافة هذه الإجراءات أنها ستلتزم جهدا مضاعفا لعلاج هذا الخلل الذي أصاب الوعي الجمعي المصري نتيجة تضارب القرارات التي تم اتخاذها خلال الفترة الماضية بين القرارات الصادرة في 24 مارس الرائعة جدا بمنظور طبي التي صدرت مع بداية الأزمة والتزم قطاع كبير جدا من المصريين بها وأدركوا حجم الأزمة والرعب من تفشي الوباء، وكان أذان النوازل وغلق المساجد والكنائس نفيرا كسارينة الغارة يجوب مصر بطولها وعرضها، ثم للأسف تم التراجع عنها سريعا جدا بعد أسبوع واحد في أول أبريل بمنظور اقتصادي لحظي غير استراتيجي للأسف، وأدى ذلك إلى تشوه هذا الوعي الجمعي للمصريين وانحلال الالتزام بالإجراءات الاحترازية والحظر الجزئي بنزول الملايين للشوارع نتيجة هذه القرارات.