جنودٌ في المعارك لا يهابون الموت، بل يقدمون أنفسهم في الصفوف الأولى، دون تردد أو خوف، يواصلون العمل الليل بالنهار، حتى يضمدون الجراح، ويسكنون الآلام، يستمعون إلى المرضى وأنينهم دون تأفُفٍ أو تفرقة.

حين ظهرت أزمة فيروس كورونا المستجد، أخذ أصحاب البالطو الأبيض، في تقديم بطولات وتضحيات جديدة، بالصمود في وجه الأزمة بجميع المستشفيات من شمال المحروسة إلى جنوبها، ومن غربها إلى شرقها، في ملحمة وطنية لا تتوقف.

المئات من الأطقم الطبية على مختلف مستوياتها – أطباء وصيادلة وتمريض وفنيين وأعمال معاونة وخدمات – جادوا بأرواحهم جراء الفيروس المستجد، بخلاف الإصابات، ومازال العمل بتفانٍ في سبيل حماية حياة المواطنين وتقديم الخدمة العلاجية لهم، والقضاء على الوباء الذي بات يفتك بالناس في العالم أجمع.

شهداء وتكريم

وخطوة جديدة من الدولة في سبيل رد الجميل للأطقم الطبية، وتقديرًا لما يقدمونه في سبيل الوطن، وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي، الحكومة، بإطلاق أسماء الشهداء منهم بسبب الفيروس المستجد، على شوارع ومناطق الأحياء السكنية الجديدة التي تقيمها الدولة.

الحقوق الصحية المهدرة في الصراع بين نقابة الأطباء ووزارة الصحة

وجاء في نص حديث الرئيس – خلال افتتاح أحد المشروعات القومية -: “الناس اللي قدمت لمصر تضحيات من الأطباء والداخلية والدفاع والقضاء نطلق اسم الشهداء على الشوارع والأحياء في المشروعات السكنية الجديدة”.

هذا بالإضافة إلى تكريم شهداء الأطقم الطبية، من خلال تقديم شهادات تقدير لأسرهم مع هدايا مادية ومعنوية رمزية، تعبيرًا على امتنان المصريين لجهودهم.

وصية المخلص

الدكتور الراحل أحمد دراز، أحد شهداء الطاقم الطبي، جاد بروحه، في سبيل إنقاذ أرواح المواطنين من بطش “كورونا”، على الرغم من معاناته من أمراض مزمنة تجعله أكثر عرضة للخطر، “كان يُعاني من الضغط والسكر”، بحسب ما جاء على لسان شقيقه محمد دارز.

تفانى في عمله، وكان يقدم نفسه لفحص والتعامل مع الحالات المصابة دون خوف على نفسه أو تردد، يتحدث الأخ “دراز”  – في تصريحات صحفية – عن شقيقه: “كان مخلص و متفاني فى عملة، ورغم مرضه، وكان لدية زملاء أطباء من الشباب في الإدارة، لكنه كان بيرفض أن أى منهم يتعامل مع حالات، وهو الذي يتوجه بنفسه للتعامل معها”.

ويذكر عن أخيه: “الدكتور أحمد كان يتعامل به بإنسانية، حتى وهو على فراش الموت، فكر فى زملاءه من الأطباء والتمريض وسجل لهم رسالة صويته يقول لهم: خليكم شجعان، لو خوفتوا أو رجعتوا عن واجبكم، البلد هتضيع”.

وعن تواصل الدكتور أحمد مع أسرته بعد إصابته بالفيروس المستجد، قال شقيقه: “كان في البداية التواصل معهم صويتًا، وبعد تدهور صحته أصبح الرسائل مكتوبة، التي كانت أخرها وصية لزملاءه بالعمل من أجل البلد”.

وتقدم أهل الدكتور أحمد دراز، بالشكر للرئيس عبدالفتاح السيسى،قائلين: “تكريم أثلج صدورنا، وخفف الكثير من الآلالم التى نشعر بها، وهو بمثابة فخر و وسام على صدورنا، ورسالة أن مصر لا تنسى أولادها”.

محافظ الشرقية الدكتور ممدوح غراب، وافق على إطلاق اسم الشهيد الراحل على مركز طب الأسرة لقرية النعامنة، حيث مسقط رأسه، تنفيذًا لتوجيهات الرئيس السيسي.

الابن على درب أبيه في حب الوطن والإخلاص، بل ويفتخر “مازن”، طالب في الصف الثاني الثانوي: “هعيش عمري كله افتخر أني نجل الدكتور أحمد دراز، ولما أتجوز هاحكى لأبنائى عنه، وإزاى كان يتعامل مع مهنته كرسالة، ومات وهو يؤدى واجبه”.

لفتة طيبة

هناك في جنوب مصر، حيث محافظة أسوان، كانت بطولة أخرى للممرض إيليا عبده خير، الذي صعدت روحه إلى السماء،  على إثر إصابته بفيروس كورونا، خلال عمله.

شقيقة الراحل “خير”، هناء عبده، تثمن باسم كل أسرته، التكريم: “لفتة طيبة من رئيس لا ينسى شعبه، خاصة الذين يضحون بأرواحهم فداء لهذا الوطن سواء كانوا شهداء بالقوات المسلحة أو الشرطة أو من الأطباء الذي يجابه الفيروس المستجد”.

وتحدثت “عبده” – في تصريحات صحفية – التي تعمل هى الأخرى في المنظومة الصحية: “كنت مجاورة له باستمرار ومرتبطة به جدًا، فكان هو مخلصًا فى عمله ولا يهمه المخاطر طالما فيها إنقاذ لأرواح آخرين أو تقديم خدمة طبية لهم”.

الشهيد إيليا لديه ثلاثة من الأبناء، وهم؛ “جورجينا” بالصف الثالث الإعدادى، و”جون” بالصف الأول الإعدادي، و”جاتيكا” بالصف الثاني الابتدائي، الذين وجهوا الشكر للرئيس عبد الفتاح السيسي – على لسان والدتهم ميري ناروس – الذى أدخل عليهم السرور بهذه اللفتة الطيبة.

في بورسعيد، كانت بطولة أخرى وأول شهيد من الجيش الأبيض، الدكتور أحمد اللواح، الذي توفي على إثر إصابته بالفيروس المستجد، الذي سبق الرئيس السيسي، الجميع، في تهنئة أسرته بالعيد، والتكريم والتوجيه بتوفير كل احتياجاتهم.

 طبيب الخير

زوجة الشهيد اللواح، أمل عرفة، شكرت الرئيس على تكريم زوجها، فيما قالت ابنته “إسراء” – في تصريحات صحفية -: “أرفع وسام حصل عليه والدي بعد وفاته، والدولة لم تنسِ أبناءها”.

وذكرت أن والدها رفض غلق المعمل الخاص به، خوفًا من “كورونا”، “أكد أنه لن يستطيع الجلوس فى المنزل، وإغلاق في وجه المرضى”.

وطالبت إسراء اللواح، محافظ بورسعيد، بإطلاق اسم والدها، على شارع الحالى الذي يتواجد فيه منزلهم، وهو شارع عبد السلام عارف، بحي العرب.

أسرة فوجئت بعد وفاته، بأن له أعمال خير كثيرة، منها تكفل عملية قلب مفتوح لطفل سورى، كما تكفل بأسرة موظف متوفى عنده وعدد من الأسر، كما اكتشفنا تبرعة لعدد من مؤسسات الخير.

ولعل هذا الخير، جعل مجموعة من طلاب الدكتور الشهيد أحمد عبده اللواح، حيث كان يعمل أستاذ الباثولوجيا الإكلينيكية بكلية الطب جامعة الأزهر، يقدمون صدقة جارية عن روحه بقرية توبياسى في المنطقة الشرقية لدولة غانا، بإنشاء بئر مياه، كتبرع من تلاميذه الأفارقة.

خطوة مقدرة

ثمن عضو مجلس نقابة الأطباء، الدكتور أسامة عبدالحي، تكريم الرئيس عبدالفتاح السيسي، للأطباء الذين استشهدوا على إثر إصابتهم بفيروس كورونا المستجد، خلال العمل.

وأكد “عبدالحي” – في تصريحات له -: أنها “خطوة ومقدرة، من قبل الرئيس السيسي، وتابعنا تعليماته بإطلاق أسماء الأطباء الذين استشهدوا إثر إصابتهم بكورونا على المدارس والمؤسسات مثل شهداء الجيش والشرطة، وهو أمر جيد، رحبت به نقابة الأطباء في إطار التكريم المعنوي”.

البالطو الأبيض بين مهاجر ومستقيل.. علاء غنام يطرح خطط لجذب الأطباء

وتابع: “ننتظر اكتمال التكريم من الناحية المادية، وأن يتم مساواتهم وتعويض أسرهم ماديًا مثل الجيش والشرطة”.

دعم مادي

وسبق وأعرب الرئيس عبدالفتاح السيسي، عن التقدير لكافة العاملين في القطاع الصحي، والذين يتصدرون جهود الدولة لمواجهة فيروس كورونا.

ووجه الرئيس بزيادة بدل المهن الطبية بنسبة 75% عن القيمة الحالية، بما يشمل الأطباء العاملين بالمستشفيات الجامعية، وذلك بتكلفة إجمالية قدرها حوالي 2,25 مليار جنيه، فضلاً عن إنشاء صندوق مخاطر لأعضاء المهن الطبية.

كما وجه الرئيس بصرف مكافآت استثنائية لجميع العاملين حالياً بمستشفيات العزل والحميات والصدر والمعامل المركزية على مستوى الجمهورية، على أن تصرف تلك المكافآت الاستثنائية من صندوق تحيا مصر.