في سابقة هي الأولى من نوعها، اتهمت الشرطة الكندية، الجمعة الماضية ، مراهقًا يبلغ من العمر 17 عامًا قتل امرأة شابة طعنًا في فبراير الماضي، بارتكاب “جريمة إرهابية” من نوع جديد، وهي الإقدام على اجتراح فعل عنيف مرتبط بعارض نفسي هو “الحرمان العاطفي”، حيث أقدم الصبي وفق الاتهامات على فعلته مدفوعًا برغبته في الانتقام من المرأة، على خلفية فشله في الارتباط عاطفيا بفتاة في مثل سنه، الأمر الذي أودى به إلى هذا المصير.

وقعت هذه الجريمة في مدينة تورونتو، حيث تعرّف المراهق إلى السيدة البالغة 24 عاما، وهي أم لثلاثة أطفال أكبرهم في سن السادسة، عن طريق أحد المنتديات الإلكترونية، ثم قابلها وصار صديقين رغم فارق العمر بينهما، ووقعت بينهما خلافات تسببت بها فتاة أخرى أصغر سنًا عرفها الفتى بعد ذلك.

 

وذكرت شرطة تورونتو والشرطة الملكية الكندية الفيدرالية في مؤتمر صحفي مشترك عقد الثلاثاء الماضي، أن المتهم قتل أشلي نويل أرزاغا ذات الـ 24 عامًا طعنًا، وتم اكتشاف جثتها في صالون للتدليك داخل المبنى الذي كانت تعمل فيه، وهي مطعونة عدة طعنات قاتلة في الرقبة والوجه والبطن، ما يعني توافر نية القتل العمد لدى المتهم، الذي تم توجيه تهمة “الإرهاب المقترن بالحرمان” إليه، لأول مرة في تاريخ الشرطة الكندية.

صحيفة “تورونتو ستار”: دوافع الجريمة باتت واضحة للمحققين في النيابة العامة، بعد أن تم الاستعانة بأخصائي نفسي أكد أن “الحرمان العاطفي” (incel) لدى المتهم، دفعه إلى تبني أيديولوجيا متطرفة تجاه النساء

وكشفت صحيفة “تورونتو ستار” عن أن دوافع الجريمة باتت واضحة للمحققين في النيابة العامة، بعد أن تم الاستعانة بأخصائي نفسي أكد أن “الحرمان العاطفي” (incel) لدى المتهم، دفعه إلى تبني أيديولوجيا متطرفة تجاه النساء عامة والضحية بشكل خاص، ما أدى به ارتكاب جريمته بشكل مروع، وقتل المرأة طعنًا في النادي الصحي الذي تعمل به، بشكل قد يرقي إلى درجة الفعل الإرهابي العنيف.

وأضافت الصحيفة في تقرير لها، أنه عندما شعرت شرطة تورونتو بأن أيديولوجيا متطرفة (حركة «الإنسيل- Incel»)، وهي اختصار لجملة «involuntary celibate» أي عزوبية لا إرادية، قد تكون وراء الجريمة، وتأكدت من ذلك، اتصلت بالشرطة الفيدرالية الكندية التي قررت توجيه تهمة الإرهاب إلى القاتل، بعد أن اعترف بالجريمة بكل بساطة، مبررًا إيّاها بأن السيدة حالت دون إتمامه علاقة حب مع الفتاة، ما دفعه إلى قتلها انتقامًا لكونها حجر عثرة في طريقه، وأنها كانت سببًا مباشرًا في فشله العاطفي مع أكثر من فتاة خلال الأشهر الأخيرة ما قبل الجريمة.

الخجل والحب

يبدو أن ظهور «الإنسيلز» ليس مُستجدًا؛ فقد صدر عام 1987 كتاب بعنوان «الخجل والحب» من تأليف عالم النفس الأمريكي بريان جي جيلمارتين المتخصص في علم النفس الاجتماعي، وخلال رحلة تأليفه أجرى المؤلف مقابلات مع 300 رجل تراوحت أعمارهم بين 19 و50 عامًا لم يسبق لهم ممارسة الجنس في حياتهم، وأفصحوا له خلال حديثهم معه عن عدم ارتياحهم من جراء وضعهم الذي يعيشونه لا إراديًّا، وقد بحث الكتاب أسباب حالتهم وعلاجها.

 

لم يُحدث الكتاب الصدى والانتشار المتوقع، لكن بحلول عام 2000 اكتشف «جيلمارتين» جمهورًا مُخلصًا حسب وصفه على شبكة الإنترنت، وتمت دعوته للتحدث عن كتابه في اليابان التي يعاني فيها رجل من كل أربعة رجال غير متزوجين في الثلاثينيات من عدم قدرتهم على الانخراط في العلاقات الرومانسية وممارسة الجنس، ويرتبط ذلك بانخفاض الأمان الوظيفي في اليابان؛ مما يجعل المواطن الياباني غير قادر على الاعتناء بحياته الشخصية.

الحرمان العاطفي والتطرف

الناطق باسم الشرطة الفيدرالية الكندية: للإرهاب أشكالًا شتى، منها كما هو في حالة هذا المراهق الجانح، التطرف العنيف المرتبط بعارض نفسي مثل الحرمان العاطفي

من جهة أخرى، جاءت تصريحات الناطق باسم الشرطة الفيدرالية الكندية حسب bbc، فريدة من نوعها أيضا، ويمكن اعتبارها بمثابة بيان تأسيسي لنوع جديد من الإرهاب، لم يعرفه العالم من قبل، حيث قال الناطق إن “للإرهاب أشكالًا شتى، منها كما هو في حالة هذا المراهق الجانح، التطرف العنيف المرتبط بعارض نفسي مثل الحرمان العاطفي. ومن المهم أن نأخذ بعين الاعتبار أن الإرهاب غير محدد بمجموعة، أو دين، أو إيديولوجيا ما”.

وكان رجل في الأربعينيات من عمره يدعى أليك مانيسيان قد قتل 10 أشخاص دهسًا بسيارته، وأصاب 16 آخرين بجروح في أحد الشوارع التجارية المزدحمة بمدينة تورونتو أواخر عام 2018. وقال الرجل للشرطة لاحقًا إن الهجوم الذي نفذه جاء انتقامًا لسنوات عديدة من “رفض النساء له”، ووجهت الشرطة إليه وقتها 10 تهم بالقتل العمد و16 تهمة بالشروع في القتل، ولكن لم توجه إليه تهمة الإرهاب. وما زالت القضية منظورة أمام القضاء حتى الآن.

 

وقال محللون كنديون تعليقًا على الحادث الأخير، إن الكثير من الجرائم العنيفة المرتكبة خلال الأعوام الأخيرة مرتبطة بظاهرة “الحرمان العاطفي”، غير أن السلطات القضائية لم تلفت إلى خطورة هذا الأمر إلا حينما وقعت جريمة المراهق قاتل السيدة، وهو الحادث الذي يمكن اعتباره حدًا فاصلًا بين عهدين قانونيّن في مجال التعاطي مع مثل هذه النوعية من الجرائم. 

مُحبط جنسي آخر يرتكب جريمة قتل

لم أمارس الجنس مطلقًا وعمري الآن 22 عامًا، لم تقبلني فتاة أبدًا، قضيت عامين ونصف العام في الكلية وربما أكثر وما زلت بتولًا، هذا هو الوقت الذي يخوض فيه الجميع تجارب الجنس والمتعة واللهو، لكني طيلة هذا الوقت تنخرني الوحدة.

 

تلك الكلمات هي أبرز ما جاء في مقطع الفيديو الذي سجله الشاب الأمريكي إيليوت رودجر قبل ما أسماه يوم القصاص الموافق 24 مايو 2014، والذي أقدم فيه على ارتكاب حادثة قتل جماعي أسفرت عن مقتل ستة أشخاص، ثلاثة منهم لقوا مصرعهم في بلدة يسلا فيستا التابعة لولاية كاليفورنيا، قبل أن يتجه إلى ثكنة جامعة في مدينة سانتا باربرا ويفتح سلاحه الآلي عشوائيًّا، موقعًا ثلاثة قتلى و13 مصابًا، وانتحر بعدها مطلقًا على نفسه النار داخل سيارته.

 

وقبل أن يُقدم الشاب الأمريكي على الحادث أرسل رسالة إلكترونية مُفصلة بلغ عدد كلماتها 107 آلاف كلمة وصف فيها عالمه المشوه، إلى والديه ومعالجه النفسي الذي كان يُتابع معه جلسات علاجه من المرض الذي شُخص به في طفولته، وهو متلازمة «أسبرجر» التي تعد شكلًا من أشكال التوحد، وتؤثر في المصاب بها وفي طريقة فهمه للآخرين وتفاعله معهم.