رغم أن الاتفاقيات الدولية والدساتير والأديان، تساوي بين الضحايا دون النظر إلى سلوكهم ومعتقدهم وحياتهم الشخصية، إلا أن مع ظهور أي حادثة تتعلق بالعنف ضد النساء، يظهر سيل من التفتيش في النوايا والحكم على الأشخاص والتشفي أحيانا فيهم،  حتى لو كانوا ضحايا وقائع يجرمها القانون.

بدأت القصة مع ظهور فيديو لمراهقة ادعت فيه تعرضها للاغتصاب على يد زميلها، حتى انهال عليها سيل من التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، تتجه لإدانتها، لكونها من رواد موقع التواصل الاجتماعي “تيك توك” وتقدم فيديوهات وصفها البعض بـ”غير الأخلاقية” ثم ظهورهما سويا بفيديو آخر تنكر فيه الفتاة واقعة الاغتصاب وتقصرها على الضرب فقط.

بعيدا عن صحة الواقعة من عدمها وهو ما ستتناوله جهات التحقيق، لكن لماذا يبرر البعض جريمة الاغتصاب عموما أو جريمة  عنف  ضد المرأة ويقرنها بسلوك الأنثى، فإذا رضى المجتمع عن مظهرها يحق الدفاع عنها، وإن لم يرض البعض يبدأ بترديد سؤال “إيه اللي وداها هناك وتستحق ما جرى لها”.

ولي أمر

أستاذ العقيدة والفلسفة والنائبة البرلمانية آمنة نصير، تؤكد أن  “الاغتصاب جريمة،  والقرآن طالب صراحة بغض البصر حتى لمن يستسهل النظر إليها، مثلما طالب كل المؤمنين بحفظ فروجهم، بحسب الآية 30 و31 في سورة النور،
فعفة النفس فرض على كل إنسان مهما كان مظهر من أمامه وهيئته وما يفعله وما سلوكه، ولو طبق كل شخص هذا المبدأ لانقطعت الرذيلة وعلى الجميع التمسك بالتوجيه الإلهي” بحسب “نصير”.

ترى “نصير” أن المجتمع خاصة في السنوات الأخيرة نصب نفسه ولي أمر، وجعل لنفسه الحق في الوصاية على المجني عليه في أي جريمة أو سلوك يتضاد مع القيم الإنسانية والمسئولية.

تتساءل نصير “هل سيحاسب الشخص مع المجتمع أم سيحاسب بمفرده؟، فإذا برر المجتمع  فعل ما شنيع، هل سيتخلص الإنسان من العقاب الإلهي؟”، مضيفة “كل إنسان طائره في عنقه وسيحاسب بما فعل ولن يصطحب معه المجتمع الذي برر أفعاله الشنيعة”.

تطالب “نصير” في نهاية تصريحاتها لـ”مصر 360″ بوقوف المجتمع ضد الجرائم والسلوكيات الشاذة، والكف عن الوصاية والبحث عن تبريرات لتلك الجرائم.

 

الحرة والعاهرة سواسية أمام القانون

المادة 267  من قانون العقوبات تقول: من واقع انثى بغير رضاها يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة او المؤقتة ..فإذا كان الفاعل من اصول المجنى عليها او من المتوليين تربيتها او ملاحظتها او ممن لهم سلطة عليها او كان خادما بالأجرة عندها او عند من تقدم ذكرهم يعاقب بالسجن المؤبد

المحامي  بالنقض والدستورية العليا طارق العوضي يقول “الاغتصاب جريمة طالما لم تتوافر الرضائية، والقانون يحمي النساء، حرائر كن أو عاهرات، وإعطاء أي مبرر لمرتكبي جرائم الاغتصاب هو جريمة في حد ذاته” بحسب منشور له على موقع التواصل الاجتماع “فيس بوك”.

الخلل الأسري

عضو المجلس القومي للمرأة إيزيس حافظ تستنكر التبريرات أو الشماتة في أي ضحية عنف، متسائلة “كل من يبرر جريمة بحق النساء ويلقيها على عاتق الفتاة  هل بحثت داخل بيتك وعرفت تربي أبناءك؟، هل أنت قريب منهم وتعرف ماذا يحوي هاتفهم وحساباتهم الشخصية وتعرف أصدقائهم جيدا؟”.

وتؤكد في تصريحاتها لـ”مصر 360″ أن هناك خلل أسري بالمجتمع المصري، وهو ما أوصل منظومة القيم لهذا المستوى في تبرير جرائم يعاقب عليها القانون وتمقتها الأعراف والأديان.

تشير “حافظ” إلى أن الاغتصاب له ضوابط قانونية، ولا يوجد بالقانون ما يسمى “ذهبت للمغتصب المنزل بنفسها وذلك مبرر لقبول الجريمة” لافتة إلى أن الجريمة قد تصل عقوبتها للإعدام .

بروباجندا الإعلام وراء التبرير

ترجع “حافظ” حالة التبرير التي خلقها المجتمع بسبب تعاطي الأمر إعلاميا بشكل خاطئ موضحة “بعض الإعلامين يخلقون حالة بروباجندا حول واقعة ما، فيتناولوا صورا للضحية ويصنفوها ويفتشوا في سلوكياتها مثلما حدث في وقائع سابقة لخلق حلقة تشعل الرأي العام، دون دراية منهم أن هذا يكرس لمبدأ التبرير أو تصنيف الضحايا على أساس سلوكهن وشكلهن وطريقة لباسهن.

هدف بعض الإعلامين في التعاطي مع تلك القضايا ارتفاع نسبة المشاهدة والتفاعل ولكن لايقدروا عقبات الأمر دون النظر لتكريس نهج العنف على النساء،  ومن ثم تحميل الأنثى دائما وأبدا مسئولية أي فعل يقع عليها، حسبما تقول “حافظ”.

تحذر عضو المجلس القومي للمرأة من هذا النهج الذي يجعل المجمتع بالتدريج أكثر تشددا، ويزيد من وتيرة العنف ضد النساء؛ مما يجعلها أكثر تحفظا وخوفا في التعامل والنزول للشارع والمكوث في البيوت ويتبعه انهيار المجتمع اجتماعيا وثقافيا وتعليميا وأيضا اقتصاديا.

اقرأ أيضا: 

“نستطيع أن نحيا بدونهم”.. حملة نسوية تستهدف الاستغناء عن الرجال في الحياة

“نساء المخيمات” يستغثن من كورونا.. هل من نجاة؟