لم تكن الأزمة بين وزارة الصحة ونقابة الأطباء مفاجأة، فتاريخ المناوشات بينهما ممتد منذ عقود، وتهدر معها الحقوق الصحية للمصريين، ما بين مسؤلية نقابة، تدافع عن مصالح أعضائها، وتسعى لمكاسب سياسية، ووزارة صحة لا تستجيب، فيخسر طرف غير مشارك بمعركة الاستقطاب بين النقابة والوزارة، وهو المريض والصحة العامة.
فمن جانب، هناك نقص في عدد الأطباء البشريين في مصر، بسبب سياسة وزارة الصحة على مدى عقود، حتى أصبحت مصر طاردة للمهارات والخبرات الطبية.
فحسب نقابة الأطباء، يبلغ عدد الأطباء المسجلين 213 ألف طبيب، هناك 82 ألف فقط في الداخل، بنسبة (38%)، أي طبيب لكل 2000 مواطن، لو جنبنا 10% من غير العاملين في المهنة أو يعملون في مهن مساعدة، و المعدل العالمي طبيب لكل 400.
فهل من حل دائم لإنهاء المناوشات السياسية بين مسؤلي الصحة العامة في مصر؟
ولماذا لا يبدأ حوار بين وزارة الصحة ونقابة الأطباء لوضع حل ينهي الخلاف بينهما؟
وهل تسعى النقابة دائما لاستغلال مطالب الأطباء وتحقيق مكاسب سياسية من خلالها؟
خريطة طريق
يضع الخبير الصحي، الدكتور علاء غنام، مدير برنامج الحق في الصحة، بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، خريطة طريق للخروج من الاشتباك الدائم بين وزارة الصحة، ونقابة الأطباء، في أربع إجراءات تنتهي بوضع حلول دائمة للخلاف بين الجانبين.
الإجراء الأول كما يطالب به الدكتور علاء غنام، أن تقدم الوزارة تسوية مرضية للأطباء ضحايا مكافحة فيروس كورونا “كوفيدا19″، واعتباره شهيد حرب، في مخصصاته المعنوية والمادية، فهو في مواجهة وباء، والوباء حرب، بالإضافة إلى وضع شبكة حماية له من العدوى في مواجهة الوباء، على سبيل المثال، تخصيص عدد من الأسرة في كل مستشفى، بحيث لا توثر على طاقة العمل داخلها، ومعاملة الأطباء المواجهين لكورونا”كوفيد19” بتميز مادي يمنحهم الاطمئنان على حياتهم، على أن تشمل إجراءات الحماية كل الطواقم الطبية، الممرضات، والعمال، وفني التحاليل، والعاملين في الطب الوقائي، فالجميع يواجهون مصيرا مشتركا، كما أن معظم الطواقم الطبية العاملة في المستشفيات والقطاعات الصحية الحكومية، دخلهم ضعيف، ومستوياتهم الاقتصادية ضعيفة.
ويعتقد “غنام” أن نقابة الأطباء تشعر بالتهميش في رسم السياسات الصحية، وخاصة فيما يتعلق بالأطباء، فتتحول النقابة إلى منصة سياسية حتى تلفت الانتباه إلى مطالب الأطباء.
صراع قديم
ويرجع “غنام” الصراع بين وزارة الصحة ونقابة الأطباء، لما قبل عام 2011، حيث كانت النقابة تحت سيطرة الإخوان المسلمين قرابة 20 عاما وتحولت إلى منصة سياسية للتعبير عن أفكارهم، بدلا من كونها منصة نقابية تدافع عن حقوق الأطباء، وهو ما أضر بالعمل النقابي.
ويشير إلى نجاح مجموعة من شباب الأطباء في التخلص من سيطرة الإخوان على النقابة، بعد عام 2011، لكن النقابة ظلت منصة سياسية ولم يستطع الأطباء التخلص من فكرة الخلط بين العمل النقابي والنشاط السياسي.
أما الإجراء الثالث، فهو بحسب “غنام” تشكيل لجنة مشتركة للتنسيق بين وزارة الصحة، ونقابة الأطباء، تدعوا لها الوزارة، فهي الطرف الأقوى، وصاحب السلطة والقرار-حتى لا يفرط الحبل- ونرى مزيدا من هجرة المهارات الطبية.
ويرى “غنام” أن آراء الأطباء ليست متماسكة ومتنوعة، وبالتالي من مصلحة الأطباء الحديث والتفاوض، لسد الفجوة، والتعلم من تجارب بعض الدول، فعلى سبيل المثال في بريطانيا هناك مجلس يسمى ” المجلس الأعلى الطبي” دوره الأساسي مراجعة أخلاقيات المهنة، و”مجلس أعلى للصحة” دوره هو وضع التخطيط الإستراتيجي للصحة، ويتكون المجلس من ممثلين من نقابة الأطباء كممثل لمصالح الأطباء، وممثلين من النقابة وخبراء في مجال الصحة.
وأوضح، أن الوزارة دورها منظم ومسئولة دستوريا عن الصحة العامة والطب الوقائي، في إطار النظام الجديد للتأمين الصحي الشامل، أما النقابة فدوها الأساسي هو العمل على تحقيق مطالب الأطباء، مشيرا إلى أن الصدام بينهما يهدر الحق في الصحة العامة.
ويشخص “غنام” الأزمة والصراع بين وزارة الصحة ونقابة الأطباء، بأنه مرض اختلاط الأدوار والمهام ما بين النقابة والوزارة، التي تشهد حالة من الخلل أيضًا منذ عام 1936.
وينتقل إلى الإجراء الرابع، وهو المجلس الأعلى للصحة، بحيث يضم خبراء الصحة ويكون لنقابة الأطباء ممثلين فيه، ويمنح ترخيص ممارسة المهنة، وتتحمل النقابة مسؤليتها في الحفاظ على مطالب أعضائها، ويكون المجلس، مسئولا عن التخطيط الإستراتيجي للصحة في مصر.
ويقول “غنام”، إننا بذلك نكون قد حملنا لكل هيئة مسؤليتها، التأمين الصحي هيئة تمويلية، والخدمات الصحية تتحملها هيئة الرعاية ومسؤليتها الاعتماد والجودة والرقابة، ووزارة الصحة تتبعها، المستشفيات، العامة والتعليمية.
شد وجذب
كما يوضح أن العلاقة بين الوزارة والنقابة تشوبها حالة من الشد والجذب الدائم، فكل مواقف الوزارة تعترض عليها النقابة سواء مواقف صحيحة أو خاطئة، والأمر أصبح فقط مجرد إثبات موقف وليس مشاركة فعالة، أما من جهة الوزارة فهي تعمل على تجاهل مطالب النقابة.
ويشير إلى أن الصدام بين النقابة والوزارة من يدفع ثمنها هو المريض فقط، موضحا أن المرضى والمنظومة الصحية بأكملها تقتضي حالة من التكاتف بين النقابة والوزارة بدلا من الصدام الدائم.
ويوضح أن المشاركة المجتمعية هي الحل لفض الصدام بين النقابة والوزارة، مشيرا إلى الخطأ الذي تقوم به وزارة الصحة والسكان وهو الانفراد بالسياسيات الصحية، والانفراد التي تصر عليه الوزارة دون مشاركة النقابة في أي من القرارات.
موقف غير أخلاقي
ويرى الدكتور علاء غنام أن هناك بعض القضايا المثارة لابد من وجود تعاون مشترك بين النقابة والوزاة فيها، من ضمن هذه القاضايا أزمة المسحة وبروتوكول الكشف عن الأطباء، تلك الأزمة المثارة خلال الفترة الماضية ، فيقتضي على الوزارة الاجتماع بأعضاء النقابة والاستماع إلى مطالبهم.
لكنه يعتبر محاولة الانسحاب وافتعال ازمة موقف غير أخلاقي.
كما لفت الخبير الصحي إلى أنه يرى أن هناك ضرورة أن تدعو الوزارة إلى اجتماع بأعضاء النقابة، مشيرا إلى أن النقابة وهي الطرف الثاني يكون لديها نية وقابلية للتفاوض، فعلى الوزارة أن تحقق مطالب النقابة المعقولة والقابلة للتنفيذ الفوري، لحماية الأطباء من العدوى.
كذلك أشار إلى أن النقابة طرحت بعض الحلول لإدارة الأزمة، منها تدريب لائق، والذي هو دور الطب الوقائي في الأساس، لافتا إلى أن الانسحاب من المعركة بما يسمى الاستقالات الجماعية موقف غير أخلاقي، لكن هناك ضرورة في توفير مستلزمات وإمدادات طبيبة للأطباء وحمياتهم من العدى وعدم تركهم فريسة سهلة أمام الوباء.