رد علي الصديق سعيد شعيب

 لا استطيع ان اخفي سعادتي الكبيرة، بهذا الحوار الممتع والراقي والمهم، مع صديقي الكاتب المرموق سعيد شعيب، وسعادتي ايضا بما يثار من موضوعات ونقاط إتفاق واختلاف، ربما هي الوسيلة الوحيدة الناجعة في تقدم الافكار، والوصول الي خلاصات مثمرة ومفيدة، ،وبمناسبة مقاله الاخير المنشور في موقع مصر 360 بعنوان ما ذنبنا اذا كان اغلب قادة يناير فاشلين؟ بتاريخ 16 مايو سوف اجمل ملاحظاتي في اربعة نقاط رئيسية:

 

النقطة الاولي: فشل الثورة شرف لا ندعية

فليأذن لي الصديق سعيد شعيب في البداية، ان نقفز بكل ما احتواه رده الاخير علي مقالي السابق، حيث جوهر الخلاف الاصلي وهو ان قادة يناير اكثر ديكتاتورية من مبارك ، الي ارضية مشتركة وهي ان هذه المجموعات المدنية او اليسارية او اي كان اسمها قد تكون  فاشلة بالفعل كما اشار، وانما لم تكن هي السبب في فشل ثورة يناير، وهذا موضوع وحوار اخر، و ان فشلها تاريخي ومزمن وممتد من ستينات القرن الماضي.

وحتي عام الكرونا الذي نعيشه، فلم يكن لهذا الفشل دورا حاسم او حتي غير حاسم في مصير ثورة يناير ،فهذا الفشل كان ولازال وسيظل طالما لم تكن هناك مراجعات او نقد ذاتي علي اوسع نطاق، و كون هذا الفشل اصطدم بحدث تاريخي مثل ثورة يناير، فهذا لا يعني بالضرورة انه السبب في فشلها، فهناك عشرات الاسباب لفشل ثورة يناير.

لم يكن فشل المجموعات المدنية واحدا منها ، بمعني يمكن الحوار والحديث حول فشل هذه المجموعات  بمعزل عن ثورة يناير، والدليل علي ذلك غياب تأثير هذه المجموعات في مسارات ومألات الثورة، التي ذهبت بدايتها للاخوان المسلمين ومن ثم ارتدت في نهاية الامر الي الدولة العميقة، وبذلك المعني المنسجم مع طرح الصديق سعيد شعيب في ردة الاخير، هو بالفعل تجاوز لنقطة الخلاف الاولي، بأن المعارضة المدنية سببا في فشل ثورة يناير، وهذا ما يدعوني الي توجيه الشكر والتقدير له، لتوسيع بنية الحوار الي دائرة او دوائر اكثر اتساعا، في اجتهادتنا المتواضعة لفهم ما حدث في هذه الثورة العظيمة، ومن هنا سوف  اجادل الصديق سعيد شعيب حول بعض النقاط التي اثارها مؤخرا في رده، لكن بالمجمل اعبر عن امتناني من هذه النقلة النوعية في الحوار ، الي البحث في هذا الفشل بذاته وتاريخه

النقطة الثانية:غيبوبة الفشل

قضيتي في هذه النقطة، هي تحديد المصطلحات حول ماهية الفشل، معاييره، الادراك به في وقت مناسب ومبكر،حيث انني اري ان  صديقي سعيد شعيب، لم ينتهج معيارا موحدا للقياس في منظومة الفشل برمتها ، فمن ناحية خلط بين فشل من هم في السلطة، ولديهم كافة الامكانيات والقدرات والنفوذ والقوة والاقتصاد، وجاثمون علي صدور ومصير شعوبهم، وبين الفشل لدي قوي سياسية مدنية خارج السلطة والنفوذ وفي موقع المعارضة المستلبه في جل حقوقها في العمل السياسي والاجتماعي، واحيانا في وجودها ذاته، وتتعرض دوما  للتصفية والقتل والاعتقال والحصار وشتي انواع الانتهاكات التي نعرفها ولا نعرفها.

بل في بعض الاحيان القمع والتنكيل لمجرد ممارسة حقهم في حرية الراي والتعبير، بينما عبد الناصر والاتحاد السوفيتي ومحمد علي كانوا علي رأس السلطة، بتوجهات ماركسية اوقومية اوحتي  بأهوائهم الخاصة، ومن هنا فأن فشل هولاء يرجع بطبيعة الحال لرجعيتهم او امكانباتهم المعرفية والمهارية المنفرده، او الي فسادهم، اواستبدادهم، او الي انحيازاتهم الطبقية.

ومن ثم لا ينبغي مقارنة هذا الفشل بفشل من هم في موقع الضحية والمعارضة السياسية، التي غالبا ما يعود فشلها بالدرجة الاولي،  الي عجز وقلة حيلة في  الحركة والامكانيات، وبسبب العزلة المضروبة عليهم من قبل السلطات ،وسياسة تكسير العظام التي تمارس ضدهم، وفي ذات الوقت لا يمكن اعتبار نفس المعيار لنجاح كل من نيلسون مانديلا وغاندي في تجربتهما ،هو المعادل الموضوعي لفشل التيارات السياسية المصرية، وذلك بسبب السياق التاريخي والموضوعي وتوازن القوي والمصالح في عوالم خمسينات وثماننينات القرن الماضي، ناهيك عن التفاصيل المحيطة بخصوصية كل تجربة علي حدة، من عوامل وظروف لم يتوافر منها ما يكفي رمق ثوار الربيع العربي في البلدان الثائرة، فعالم القطبيين والحرب الباردة وصراع الامبراليات والصراع الايدلوجي، كان له اثر عظيم في مجمل التحولات السياسية في تلك الحقبة.

وهذا بدوره مختلف الي حد كبير مع حقبة العولمة والنظام العالمي الجديد، بل لا اخفيك فالعالم الان تجاوز هذه المحددات القديمة، وبتنا الان إزاء موجة ثالثة او رابعةن من حراك سياسي واقتصادي عالمي، قد يؤدي الي انهيار منظومة الدول المحلية بالاساس، واعتماد منطق مجلس امناء العالم، والذي بدأت بواكيره منذ الان، من حروب بيولوجية وتحالفات للشركات العملاقة والعابر للقارات، من خلال مجموعة من الاشخاص والشركات تجاوزت سلطاتهم السيادة الوطنية للحكومات ومؤسسات الدول، لترسم خريطة عالم جديد ملئء يالمفاجأت، نحو راسمالية الكوكب وليس راسمالية دول بعينها.

النقطة الثالثة الفشل يفرز فشلا اكبر

من المقولات المأثورة التي تعلمناها في مشوارنا السياسي والحقوقي، ان الانظمة الفاشلة لابد وان تفرز معارضة فاشلة، وان الانظمة المستبدة لابد وان تفرز معارضة مستبده، في تأكيد واضح، علي ان المجتمعات المتخلفة حتما لابد ان تنتج معارضة متخلفة، والشي بالشي يذكر، اراجع مع الصديق سعيد شعيب بأن سياق الفشل لا يقتصر علي المعارضة المدنية فقط ، بل امتد الي المعارضات الدينية، والي السلطة أيضا بكل اجهزتها.

فإذا كان فشل المعارضات المدنية يتعلق بتعثرات في المسار الحركي والنظري لهذه القوي، فأن فشل السلطات كارثي، وانا اقصد هنا كل السلطات في دول المنطقة، لاسيما تلك الدول التي شهدت حراكا سياسيا قويا، ( مصر – سوريا – تونس –لبيا – اليمن ) ومؤخرا  ( السودان –العراق – لبنان – الجزائر ) انظمة بائسة وفقيرة ومحدودة، وفقدت شرعيتها منذ زمن طويل ،وادخلت تلك المجتمعات والدول في نداهة الفقر والتسول والقمع والتأخر والتخلف والعوز والارهاب والطائفية والتمييز والاقتتال والحروب الاهلية الخ الخ ، فبوجه عام واجمالي استطيع الجزم ان فشل هذه المعارضات المدنية التي اشار اليها صديقي سعيد شعيب تحملته وحدها ،بكل تداعيات هذا الفشل غير المؤثر في المحيط  واضراره ونتائجه فوق رأس تلك الحركات والاحزاب وحدها.

بينما فشل عبد الناصر ومحمد علي والاتحاد السوفيتي، دفع ثمنه الملايين من البشر، قتلا وجوعا وفقرا وتخلف ودمار وانهيار، بينما لم يدفع احد حتي الان فاتورة فشل الحركات السياسية المدنية الا اعضائها ، وفي نهاية الامر لا اتصور ان غاندي ومانديلا أمثلة  مناسبة  في هذا السياق فالاول جاء في سياق حركة تحرر إقليمي و عالمي، تمخض عتها هذا النموذج من قادة تيارات وحركات التحرر الوطني ، عبد الناصر ونكورما وسيكارنو وغاندي ولومبا ،واخرين فلقد كانت طبيعة هذه المرحلة تحتم ذلك ، والاخير مانديلا جاء نتيجة ضغوط العالم كله والراسمالية العالمية تحديدا حيث كان مانديلا وصمة عار في جبين العالم الاول الذي يؤكد علي انه العالم الحر بالاضافة الي ان جنوب افريقيا كانت اخر قلاع التمييز العنصري والابارتهيد في العالم كله.