لا يخلو حديث المؤسسات المالية العالمية حاليًا من ثلاثة عبارات مستجدة لوصف الاقتصاد الدولي حالياً ما بين “الانحباس الكبير” أو “الركود أو الكساد العظيم” أو “الإغلاق الطويل”، والتي تجسد جميعها مخاوف نابعة من حسبة أرقام ومعادلات وتوقعات أسوأ ما فيها عدد أصفارها الضخم ومصداقيتها المرتفعة، فلغة الأعداد قلما تكذب.

تسيطر حسابات خسائر الاقتصاد العالمي من جراء كورونا حاليًا على المؤسسات الاقتصادية أكثر من الحديث عن أعداد الإصابات أو حمى التسابق على إنتاج لقاحات وأمصال لا تزال جميعها قيد التجارب السريرية، مع إيمان عميق لديها بأن الداء دائمًا في الاقتصاد فهو المحرك للثورات والمسبب للمجاعات، والضمان الأساسي للاستقرار المجتمعي.

وظائف مفقودة وأحلام مهددة.. “الروبوت” يعمق من مأساة العمال في عيدهم

تحمل التوصيفات الجديدة لاقتصاد العالم نوعًا من التشابه مع مصطلحات أطلقها اقتصاديون قبل تسعة عقود لتوصيف أزمة 1929 التي بدأت مع انهيار سوق الأسهم الأمريكية ليطول معها كل دول العالم تقريبا مع انخفاض التجارة العالمية بنحو 70% وتوقف المصانع عن العمل وفشل المزراعون في تسويق منتجاتهم ليهبط متوسط الدخل الفردي وتتفشى البطالة ويتشرد الآلاف.

توقع بنك التنمية الآسيوي، في تقرير جديد قبل ساعات، أن يخسر اقتصاد العالم ما بين 5.8 و8.8 تريليون دولار، نتيجة لوباء كورونا،1.7 تريليون دولارمنها في آسيا والمحيط الهادئ ترتفع إلى 2.5 تريليون دولارحالة استمرار إغلاق المنشآت الاقتصادية لمدة ستة أشهر أخرى.

لم تختلف التقارير الصادرة عن صندوق النقد الدولي كثيرا لكنها كانت أكثر صخبًا في المصطلحات، ليؤكد آخر تقاريره حدوث “أسوأ تراجع اقتصادي منذ الكساد العظيم” في العشرينيات، مع توقعه بتراجع النمو العالمي بنسبة 3%، مقدرًا حجم الخسارة التراكمية للناتج المحلي الإجمالي العالمي خلال العامين الحالي والمقبل بنحو 9 تريليونات دولار، أي أكبر من اقتصاديّ اليابان وألمانيا مدموجان معًا.

ووفقا لجيتا جوبيناث، مديرة إدارة البحوث في صندوق النقد الدولي، فإن سرعة الانهيار في الأنشطة الاقتصادية التي تبعت انتشار الفيروس لا يشبه شيئا شهدته في حياتها، فحتى مع وجود افتراضات بأن يشهد النصف الثاني من 2020 وضعًا أفضل، فإن النمو العالمي سيتراجع  6.3 نقطة عن يناير الماضي وهو رقم كبير يجعل ما يعيشه العالم الأسوأ من 19 عامًا.

وكان تركيز البنك الدولي، أكثر على التداعيات الاقتصادية لكورونا على البشر، متوقعا بأن تدفع بنحو 60 مليون شخص إلى الفقر المدقع ليعيشوا على أقل من 1.9 دولار يوميًا، في أول زيادة لمعدل الفقر العالمي منذ العام 22 عاماً، ما  يضغط على جهودالإغاثة الطارئة التي يقدمها التي وصلت إلى 100 دولة نامية تضم 70٪ من سكان العالم.

إفلاس الشركات

لا يمر يوم حاليا إلا وتعلن شركات ضخمة عمرها يتجاوز القرن عن إفلاسها جراء الفيروس ومعها آلاف الموظفين، فأمريكا شهدت خلال شهر واحد إفلاس شركة “جي سي بيني” التي يتجاوز عمرها 118 عاماً  وتضم 90 ألف عامل، ومجموعة  خدمات السيارات «هيرتز» التي تأسست قبل أكثر من 100 عام، و”جي كرو جروب”، صاحبة أكبر سلسلة محال للملابس الجاهزة.

وكشفت دراسة لمؤسسة براند فاينانس،المتخصصة في العلامات التجارية، عن خسائر متوقعة في أكبر العلامات التجارية حول العالم بنحو تريليون دولار نتيجة تفشي فيروس كورونا، خاصة قطاع المطاعم والسفر وشركات الطيران والرحلات.

ويشهد قطاع الطيران العالم موجة من إعلانات الإفلاس وتسريح العمالة، مثل شركات البريطانية “فلاي بي” “فيرجن أستراليا”، والطيران الوطنية في جنوب أفريقيا، وأفيانكا القابضة، ثاني أكبر شركة طيران في أمريكا اللاتينية، والخطوط الجوية النرويجية منخفضة التكلفة التي قدمت طلبا لإعلان إفلاس أربع شركات تابعة لها فى الدنمارك والسويد.

النهوض بزراعة القطن في مصر.. أهداف طموحة وواقع أليم

ويقدر الاتحاد الدولي للنقل الجوي “إياتا”، خسائر شركات الطيران بنحو 113 مليار دولار من إيرادات نقل المسافرين عالمياً في 2020، وطالبت 3 أكبر تحالفات شركات طيران عالمية، هي “ون وورلد” و”سكاي تيم” و”ستار ألاينس” تمثل أكثر من 58 شركة طيران في العالم، الحكومات بتقييم جميع الوسائل الممكنة لمساعدة الصناعة.

السياحة والترفيه

وتقدر منظمة السياحة العالمية انخفاض عدد السائحين الدوليين بنسبة تصل إلى 3% خلال العام الحالى، ما يسبب خسائر للسياحة الدولية تتراوح بين 30 و50 مليار دولار، مملثة فى إنفاق الزوار الدوليين، وينذر معه بفقدان ملايين الوظائف المباشرة وغير المباشرة.

كما ارتفعت خسائر صناعة الترفيه عالمًيا (السينما والملاهي والمطاعم) إلى 17 مليار دولار حتى الأن، بجانب فقدان 7.7 ملايين وظيفة بسبب تدابير الحجر الصحي والابتعاد الاجتماعين وفقا لدراسات مراكز بحثية خاصة.

ولا يختلف الحال كثيرا بالنسبة للرياضة العالمية التي تقدر خسارها بعشرات المليارات ممثلة في حقوق البث والإعلانات، فوفقًا لشبكة “إي إس بي إن” فإن حجم خسائر إيرادات القطاع الرياضي في الولايات المتحدة الأمريكية فقط يعادل 12 مليار دولار، وفي بريطانيا خسر الدور الإنجليزي 300 مليون جنيه إسترليني، وفي ألمانيا 77 مليون يورو.

ويتوقع تقرير صادر عن هيئة العمل الرئيسية التابعة للأمم المتحدة، أن تكون عدد ساعات العمل العالمية في الربع الثاني من عام 2020 أقل من الربع الرابع في عام 2019 (قبل تفشي الوباء) بنسبة 10.5%، أي ما يعادل 305 ملايين وظيفة بدوام كامل.

ويقول الدكتور على الإدريسي، الخبير الاقتصادي، إن جميع الدراسات الاقتصادية الدولية تدور في فلك خسائر إجمالية تقدر بـ 9 تريليون دولار خلال عامي 2020 و2021( 9000 مليار دولار)، موزعة بين غالبية القطاعات ما بين السفر، والأعمال التجارية والمتاجر والمطاعم، والطاقة الإنتاجية للمصانع.

ويقدر خبراء اقتصاديون عدد المؤسسات التي ستتعرض للإفلاس في العالم بقرابة 400 مليون مؤسسة في العالم تتعرض للافلاس وتواجه خسائر قياسية بسبب فيروس كورونا، مع غلق النشاط الاقتصادي وتغير أنماط الاستهلاك وتوجيهها نحو السلع الغذائية، وتوقف قطاعات كاملة في مقدمتها السياحة والطيران.

ويقول الإدريسي إن استخدام صندوق النقد الدولي مصطلح “الإغلاق الكبير لا ينبع من فراغ فما يشهده الاقتصاد العالمي حاليا من ركود هو الأسوأ منذ “الكساد الكبير” في العشرينيات الذي تكرر مجددا في الثلاثينيات، خاصة أن الوباء جاء بعد تأثر النمو الاقتصادى العالمى خلال عام 2019 بسبب الحرب التجارية بين أمريكا والصين والتي ساهمت في تزايد تأثيرات الوباء.