عاد ملف تبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة “حماس” الفلسطينية، مجددًا، وأعلنت الحكومة الإسرائيلية – رسميًا- لأول مرة، عن مساعيها السرية لاستعادة 4 جنود، تقول الحركة إنها تحتجزهم منذ حرب عام 2014، التي شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على القطاع، فيما تقول تل أبيب إنهم قتلى، وتطالب بإعادة جثامينهم إلى ذويهم. وذلك مقابل الإفراج عن نحو خمسة آلاف أسير فلسطيني، بعضهم معتقل منذ سنوات طويلة في سجون إسرائيل.

sss

وأعلنت “كتائب القسام”، الجناح العسكري لحركة حماس، في أبريل 2016، أن لديها 4 جنود إسرائيليين أسرى، وهم: “شاؤول آرون” و”هادار غولدن” و”أباراهام منغستو” و”هاشم بدوي السيد”.

وقبل أيام، دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى إجراء حوار فوري عبر وسطاء حول الإسرائيليين المفقودين في قطاع غزة.

وقال مكتب نتنياهو في تصريح مكتوب “إن منسق شؤون الأسرى والمفقودين “يارون بلوم”،  وطاقمه بتعاون مع هيئة الأمن القومي والمؤسسة الأمنية، مستعدون للعمل بشكل بنّاء من أجل استعادة القتلى والمفقودين وإغلاق الملف، ويدعون إلى بدء حوار فوري من خلال الوسطاء”.

اقرأ أيضًا: اليمينان الأمريكي والإسرائيلي يتسابقان لضم «الضفة الغربية»

وتمت آخرصفقة تبادل أسرى بين “حماس” وإسرائيل في 18 أكتوبر 2011، بعد تسليم الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، الذي أُسر في عملية نوعية نفذتها المقاومة الفلسطينية داخل موقع عسكري إسرائيلي قرب معبر كرم أبو سالم جنوب شرقي مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، في 25 يونيو 2006.

وكان يحيى السنوار، رئيس حركة حماس في قطاع غزة، أعلن الخميس الماضي، عن استعداد الحركة تقديم “مقابل جزئي” لإسرائيل، لكي تفرج عن معتقلين فلسطينيين. وقال السنوار: “هناك إمكانية أن تكون مبادرة لتحريك ملف تبادل الأسرى بأن يقوم الاحتلال الإسرائيلي بعمل طابع إنساني أكثر منه عملية تبادل، بحيث يطلق سراح المعتقلين الفلسطينيين، وخاصة المرضى والنساء وكبار السن من سجونه، في ظل انتشار وباء كورونا”.

“ورقة اختبار”

فور الإعلان عن مبادرة “السنوار”، بدأ الإعلام الإسرائيلي طرح نقاشات علنية بشأن الصفقة المنتظرة، حيث كشفت صحيفة “معاريف” عن أن الأجهزة الأمنية والسياسية الإسرائيلية عقدت “اجتماعات مهمّة”؛ لمناقشة المبادرة مع مسؤولين رفيعي المستوى في وزارة الأمن الداخلي.

وأحدثت المبادرة حراكًا تفاعليًا داخل الأوساط الإسرائيلية، السياسية والأمنية منها على السواء، أعرب نادي الأسير الفلسطيني عن مخاوفه من احتمال إصابة خمسة آلاف أسير فلسطيني في سجون “إسرائيل” بفيروس “كورونا المستجد” (كوفيد-19)، عقب إصابة سجّانين إسرائيليين بالوباء، وتأكيد إصابة أسير بعد خروجه من السجن بالمرض.

المبادرة أحدثت حراكًا تفاعليًا داخل الأوساط الإسرائيلية، السياسية والأمنية منها على السواء

وقال ديوان رئاسة الوزراء الإٍسرائيلية، تعليقًا على تصريحات رئيس حركة حماس في غزة، إن الأجهزة الإسرائيلية المعنية بشؤون الأسرى مستعدة للتحرك بشكل بنّاء، وفتح حوار فوري عبر وسطاء من أجل استعادة جثامين الجنود والمفقودين المحتجزين لدى حماس في قطاع غزة.

وقالت مصادر إسرائيلية إن هذا الإعلان جاء ردًا على تلميحات من حماس أبدت فيها استعدادها لإبرام صفقة تبادل للأسرى بعد تفاقم أزمة فيروس كورونا، التي أصابت الجميع، وفق هذه المصادر.

غيرأن موافقة إسرائيل على المبادرة لا تعني إبرام الصفقة فورًا، بل ما زالت في بداية طريق طويل لمفاوضات شرسة، قد تثمر عن صفقة نهائية، خصوصًا أن الفجوة بين الجانبين متباعدة، وإسرائيل تدعي أن حماس لا تحتجز أحياء، بل تحتفظ بجثث الجنود، وهي رواية تسوقها أمام أهالي الجنود، وتعتبرها ذريعة لتأجيل المفاوضات إلى أجل غير مسمى.

واعتبر عصمت منصور، الباحث المختص في الشؤون الإسرائيلية، أن موافقة إسرائيل على بدء المفاوضات هي مجرد “ورقة اختبار”، تريد منها التأكد من المعلومات الاستخبارية لديها بشأن حالة الجنود لدى الحركة.

باحث في الشؤون الإسرائيلية: موافقة إسرائيل على بدء المفاوضات هي مجرد “ورقة اختبار”، تريد منها التأكد من المعلومات الاستخبارية لديها بشأن حالة الجنود لدى الحركة

وتؤكد الرواية الرسمية الإسرائيلية أن الجنود كلهم قُتلوا، سواء خلال أَسْرِهم، أو أثناء مكوثهم في غزة.

وإن تأكدت هذه الرواية فإن إسرائيل ستكون الطرف الأقوى في المفاوضات، لأنها تستطيع مقايضة ملف الجنود برزمة تسهيلات اقتصادية لغزة، أو الإفراج عن عدد محدود من كبار السن وأصحاب المؤبدات العالية.

أما حال ثبوت العكس، أي أن الجنود لا يزالون أحياء، فسيشكل ذلك هزة سياسية غير مسبوقة للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وحينها ستضطر الحكومة لتقديم تنازلات كبيرة لحماس، لأن الشارع الإسرائيلي لن يتوانى بالضغط على الحكومة لإنهاء الملف بأي تنازلات ممكنة.

وقال حيزي سيمنتوف، مراسل القناة 13 الإسرائيلية، إن هناك احتمالًا بأن تقدم “حماس” معلومات واضحة عن حالة الجندييّن شاؤول آرون وهدار غولدن، مؤكدًا أن هذه رغبة إسرائيلية قبل الدخول في المفاوضات، لذلك يتوقع أن تكون المفاوضات صعبة، وقد تستغرق وقتًا طويلًا.

موسكو على الخط

دخلت موسكو على خط المفاوضات بين تل أبيب وغزة لإتمام صفقة تبادل الأسرى، وبحث رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية مع ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي، الأربعاء الماضي، الأوضاع الإنسانية الصعبة للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، ودعا إلى حمايتهم من فيروس كورونا، والضغط على الاحتلال لضمان سلامتهم، وتحمُّل المسؤولية الكاملة عن حياتهم. وأكد هنية أن “حماس” مصممة على الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، في إطار التبادل الذي يمكن إنجازه إذا استجابت إسرائيل لمتطلبات هذا الأمر.

 

يرى عبد الستار قاسم، أستاذ العلوم السياسية بجامعة النجاح في غزة، أن قبول نتنياهو بعرض السنوار لبدء المفاوضات حول الجنود، هو مناورة سياسية، فلن يقبل الظهور كزعيم إسرائيلي رضخ لشروط حماس في صفقتي تبادل، لذلك يحاول استغلال الملف بتوجيه رسائل لخصومه السياسيين بضرورة الاصطفاف خلفه لتشكيل حكومة موسعة يمكنها اتخاذ قرار بعقد الصفقة، إن ثبت أن الجنود الأسرى لدى حماس أحياء”.

في المقابل، تشترط “حماس” قبل إبرام أي صفقة أن تفرج إسرائيل عن الأسرى المحررين من صفقة الجندي جلعاد شاليط عام 2006، حيث استطاعت حماس إبرام صفقة تبادل عام 2011 من خلال الوسطاء المصريين، تمثلت بالإفراج عما يزيد على ألف أسير فلسطيني، من أبرزهم يحيى السنوار نفسه، وعدد من أعضاء المكتب السياسي الحالي للحركة.

يقول حسن عبدربه، المتحدث باسم هيئة شؤون الأسرى والمحررين، إن عدد الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية بلغ خمسة آلاف أسير، موزعين على 22 معتقلًا ومقر احتجاز في إسرائيل، بينهم 430 معتقلًا إداريًا يقبعون في الأسر دون توجيه اتهامات، و700 حالة مرضية، و200 طفل قاصر، لمن لم يتجاوزوا 18 عامًا، و41 أسيرة، وبلغ عدد الأسرى المفرج عنهم من صفقة شاليط وأعيد اعتقالهم 70 أسيرًا.

إلى ذلك، يقول سعيد بشارات، رئيس تحرير شبكة الهدهد للشؤون الإسرائيلية، وأحد الأسرى المفرج عنهم من صفقة شاليط، إن “مدى القبول الإسرائيلي بشأن الإفراج عن قيادات عسكرية من “حماس” والفصائل الأخرى سيبقى مرهونًا بمعرفة مصير الجنديين غولدن وأرون، لأنهما يمثلان خصوصية للمؤسسة العسكرية، وتم أسرهما أثناء تنفيذ عملية عسكرية في غزة، وفي حال ثبت أنهما أحياء سيكون الجيش في حرج، إما القبول بشروط حماس مهما كان مداها، أو ظهوره كمن تخلَّى عن أبنائه”.