يتجمعون في أعداد صغيرة بالقرب من الأماكن المهجورة، لا مكان يحميهم من برد الشتاء و لهيب الصيف، مآواهم الوحيد هو الشارع، لا يعرفون لهم اسما وليس لهم عنوانا ، تعرفهم من ملامحهم المتعبة التي تعكس شعورهم بالشقاء ، يرتدون ملابس رثة قديمة، يتسولون المارة بنظرات الشفقة والأحسان، عرفهم المجتمع باسم “أطفال الشوارع”.
هم أطفال صغار بعقول وتجارب الكبار، بعضهم لم يبلغ مرحلة المراهقة ، تحولوا من مجني عليه إلى جاني، ولحم رخيص تلتهمه نظرات الطمع، لسوءة يحاول المجتمع أن يخفيها أو يتغافل عنها، وهم ثمار خطيئة مجتمعية تهدد الجميع بالانفجار.
أرقام متضاربة
في أخر مسح أجراه المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، قدر عدد أطفال الشوارع بحوالي 16 ألفًا، أغلبهم ذكور بنسبة 83%، منهم 87 أصحاء، في حين أن البقية من ذوي الإعاقة، شارك في هذا المسح عدة جهات، منها المجلس القومي للطفولة والأمومة.
بينما أصدرت وزارة الداخلية، تقريرًا بعد الثورة عام 2012، أعلنت فيه أن أطفال الشوارع في مصر عددهم حوالي 29 ألف طفل، فيما خرجت “منظمة الأمم المتحدة للطفولة” برقم ثالث تقول فيه إن عدد أطفال الشوارع بمصر، يقدر بحوالي مليوني طفل، هو رقم كبير بالنسبة للأرقام التي تعلنها الجهات المعنية بمصر.
المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، قدر عدد أطفال الشوارع بحوالي 16 ألفًا
جرائم أطفال الشوارع
ربما كانت القضية التي عرفت باسم “التوربيني”، أحد أشهر قضايا أطفال الشوارع، التي هزت الرأي العام المصري، والتي تدور أحداثها حول قيام تشكيل عصابي يتزعمه “التوربيني”، الذي يستقطب أطفال الشوارع ويعتدي عليهم جنيسًا بالقوة، وبعدها يتم إلقاءهم من فوق القطارات وقتلهم.
وصل عدد ضحايا “التوربيني” بحسب اعترفات أعضاء العصابة لأكثر من 30 طفلًا، فيما توصلت الأجهزة الأمنية وقتها لجثة حوالي 15 طفلًا فقط، أسقطت القضية ورقة التوت عن المجتمع، ونبهت لخطورة ظاهرة أطفال الشوارع.
فبعد أن يهرب الطفل للشارع، يكون فريسة سهلة لعصابات الشوارع، التي يتزعمها في الغالب طفل قضى حياته في الشارع، ووقع فريسة للاستغلال من غيره، وعندما وصل لسن الشباب تحول لزعيم عصابة، ينتقم من المجتمع بارتكاب جرائمه.
وصل عدد ضحايا “التوربيني” بحسب اعترفات أعضاء العصابة لأكثر من 30 طفلًا
بمجرد أن يخرج الطفل للشارع، تتلقفه عصابات الشوارع، التي تتخذ من الأماكن المهجورة، وجراجات القطارات مكان لممارسة نشاطها، وفي الغالب يتم الاعتداء علي الطفل جنسيًا.
بعدها تبدأ هذه العصابات في استغلال الطفل في جرائم التسول والسرقة، ويعتبر فيلم “جعلوني مجرمًا” الذي قام ببطولته، الفنان فريد شوقي في الخمسينايت، مثالا حيا لما يحدث لهؤلاء الأطفال، وكيف يتم استغلالهم من عصابات التسول والسرقة.
بحسب بيانات وزارة الداخلية ، يتم القبض علي عدد كبير من أطفال الشوارع يوميًا، وعرضهم علي النيابة بتهمة التسول، ويمكن لكل ذوي عينين أن يشاهد أطفال الشوارع وهم يتسولون في شوارع ووسائل المواصلات.
يرتكب أطفال الشوارع جرائم عنيفة، وهم تحت تأثير المخدرات، وتستغلهم العصابات المنظمة في توزيع المخدرات أو السلاح، وبعضهم يقع فريسة سهلة لعصابات الاتجار في الأعضاء البشرية، وتوجد الكثير من القضايا التي تؤكد ذلك.
أما الفتيات فيقعون في الغالب تحت وطأة الاستغلال الجنسي الفردي أو المنظم، يستقطبهم القوادون للعمل في الدعارة، وتوجد عدة قضايا تم نشرها في هذا الصدد، عن استقطاب هؤلاء الفتيات في محطات القطارات بعد هروبهم من أهاليهم، ليتحولوا لفتيات ليل، وبعضهم يقع فريسة لعصابات الاتجار بالبشر، ويتم تهريبهم للعمل في الخارج.
في ثورة يناير
دخل “أطفال الشوارع” دائرة الاهتمام المجتمعي بشكل كبير، في أعقاب ثورة يناير، والفوضى العارمة التي اجتاحت البلاد، ودخلوا في مواجهات حاسمة مع رجال الشرطة والداخلية، واستخدمتهم بعض القوى السياسية المناوئة للنظام لتحقيق أهدافها، دون الالتفات لحقوق هؤلاء الأطفال.
كما أدت الظروف التي يعيش فيها الأطفال داخل دور الأيتام والرعاية، لهروب أعداد كبيرة منهم للشارع، ليتحولوا خلال هذه الفترة لظاهرة تهدد السلم المجتمعي، لذا حرصت الدولة في بعد عودة الهدوء والاستقرار مرة أخرى في أعقاب ثورة 30 يونيو، للبحث عن أسباب هذه الظاهرة وعلاجها، وعمل مسح شامل لهؤولاء الأطفال ومساعدتهم.
برنامج “أطفال بلا مأوى”
كان برنامج “أطفال بلا مأوى” أحد الوسائل التى استخدمتها الدولة ، للقضاء علي ظاهرة أطفال الشوارع، عبر التنسيق بين وزارة التضامن الاجتماعي، وصندوق “تحيا مصر”، ويقدر إجمالي تكلفة المشروع 164 مليون جنيه، ويستهدف 12.772 طفلًا في عشر محافظات، وهي الأعلى كثافة من حيث تجمع الأطفال الذين هم “بلا مأوى”، بهدف الوصول لـ 80 % من هؤلاء الأطفال، بحسب الأرقام التى أعلنتها الحكومة.
بحسب ما أعلنه البرنامج، فإن الهدف منه تقديم خدمات الإعاشة والتأهيل لهؤلاء الأطفال، ودمج حولي 60 % منهم في أسر ودور رعاية اجتماعية ، بالإضافة لتطوير البنية التحتية وزيادة الطاقة الاستيعابية بمؤسسات الرعاية الاجتماعية.
وتفعيل الوحدات الاجتماعية المتنقلة بتشكيل 17 فريق عمل بالشارع، لتقديم خدمات مباشرة للأطفال، والفحص الطبي وتقديم العلاج المجاني لفيروس “سي”، وإنشاء مرصد لرصد ظاهرة أطفال الشوارع.
أسباب زيادتهم
يدفع أطفال الشوارع ثمن ظروف أسرية واجتماعية واقتصادية، ليس لهم ذنبًا فيها، فقط حدد الخبراء عدة أسباب لانتشار هذه الظاهرة في مصر، مثل اليتم أو فقدان أحد الأبوين، ورصدت تقارير حكومية وصحفية، انتهاكات خطيرة تحدث في دور الأيتام، التي تحولت لبزنس لجمع التبرعات باسم الأطفال الأيتام والاتجار بهم.
ونتيجة للانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال بدور الأيتام، يهرب منهم الكثيرون للشارع ويعودن للدور علي فترات ويعيشون مآساة حقيقة.
كما أن التفكك الأسري وضعف الرقابة علي الأطفال، أو إقامتهم لدى الأقارب، والمعاملة السيئة من الوالدين، يؤدي لمخاطر اجتماعية خطيرة جدًا، قد تنتهي بهروب الطفل للشارع، ليواجه مصير مجهول.
وتؤدي الظروف الاقتصادية الصعبة، لهروب الأطفال من أسرهم، لاسيما في صعيد مصر، فيهاجر الطفل منفردًا أسرته للذهاب لعاصمة في القاهرة، لاكتساب لقمة العيش، وهناك يقع فريسة لعصابات الشوارع ولا يستطيع العودة مرة أخرى.
هذا بالإضافة لاسباب مجتمعية واقتصادية آخرى، يدفع ثمنها أطفال الشوارع، الذين تحولوا لقنابل موقوتة تهدد السلم الاجتماعي.