براءة صغيرة تسير على قدمين تتجسد في كيان ضعيف إلى حد الهزال ، لم يرتكب ذنبا ولم يقترف جرما ، فقد شاء القدر أن يوجد في بيئة قاسية شحيحة ، مثل بلده غانا ، التي تضن عليه بكل ما يوفر له الأمن الغذائي والأمان من المخاطر التي تكتنفه من كل جانب ، لم يعد استغلال الأطفال قاصر ا على تشغيلهم قسرا في الأعمال الشاقة والتي تشمل الزراعة والصناعة والتعدين ، بل وصل إلى حد استعمالهم في المنافسات الانتخابية “غير النزيهة ” بين المرشحين وأنصارهم لإثارة الفوضى وإراقة الدماء .
يعتبر عمل هؤلاء الأطفال من السمات الرئيسية في مجتمع يتصف بقسوة “مفرطة ” في التعامل مع هذه الفئة الضعيفة ، فهو يضع مسؤولية ثقيلة على أكتاف صغيرة ، قد ينوأ بحملها شباب ورجال أكبر سنا وقوة.
ثمة محاذير استباقية نبه إليها الأسقف الغاني تشارلز أجينساري، والتي شدد فيها على تجنب استغلال الأطفال في الانتخابات المقبلة والمقرر إجراؤها في 7 ديسمبر من العام الجاري .
ونصح من أسماهم بالبلطجية وأطفال الشوارع الذين يقوم بعض السياسيين باستئجارهم للتحريض على الفوضى وإراقة الدماء ، بأن يقوموا هم بتشغيل أبناء هؤلاء السياسيين كي يقوموا نيابة عنهم بتلك الأعمال .
بلطجة وأعمال” قذرة”
وتحدث الأسقف بمناسبة الاحتفالات بالذكرى السنوية الـ63 لاستقلال غانا ، محذرا جموع المواطنين من إراقة الدماء أثناء المشاركة في الانتخابات ، حيث قال لجموع المصلين في كنيسة “بيريز دوم ” : ” هذا العام تحل فيه الانتخابات أيضا ، وبما أننا سنذهب للمشاركة ، فلا يجب أن نقتل بعضنا البعض ” ، حسب التقرير الذي نشره موقع “غانا ويب”
وأضاف : ” الأحزاب لديها اختلافات في الرأي ، وهذا ما يجعلهم مختلفين ، ولكن الأحزاب السياسية لها أم واحدة ” موضحا أن رغبة السياسيين الحقيقية هي أن يكون لنا حظ أفضل كغانيين ، لذا وبغض النظر عن الحزب ، فإن بعض منها ديمقراطيات “رأسمالية ” من ذوي الأملاك ، وأخرون ديمقراطيون اشتراكيون ، ولكنهم جميعا يشتركون في أم واحدة .
تابع :” لا نريد هذا العام أن يقدم أحد على سفك الدماء لصالح شخص آخر كي يتولى الحكم ، مؤكدا أن أي شخص يرغب في سفك الدماء من أجل السلطة ، لن ينعم بالسلام والهدوء في بيته .
وحث أطفال الشوارع و البلطجية ، بألا يسمحوا باستغلال السياسيين لهم ، كي يتسببوا في الفوضى بهذا البلد ، قائلا :” إذا حاول السياسيون النيل منكم لاستخدامكم ، عليكم أن تجندوا أبنائهم كي يتدربوا على أعمال البلطجة و يقوموا بتنفيذ الأعمال القذرة لهم . “
وأردف :” أنتم لا ترون أبناء هؤلاء البلطجية وهو يصبحون بلطجية و يؤدون مهاما قذرة ، ولكنهم يستعملون أشخاصا آخرين للقيام بها .
كما طالب الأسقف اجهزة الأمن بضمانات النزاهة والحياد وعدم الانحياز لأي من الأحزاب ونزاهتهم وعدم الانحياز لهذا الحزب أو ذاك ، و أن يتحلوا بالحزم في أداء واجباتهم ، قائلا :” يبنغي على أجهزة الأمن ألا تسمح لنفسها بأن تخضع لاستغلال السياسيين كي يتسببوا في العنف ، فعندما يكسر الناس القواعد ، فيجب على الأجهزة أن يتعاملوا بنزاهة وحزم بدون تفريق أو الاكتراث بمن سيتعاملون معه بالقوة .
عمالة الأطفال في غانا من السمات الرئيسية في مجتمع يتصف بقسوة “مفرطة ” فهو يضع مسؤولية ثقيلة على أكتاف صغيرة
ونصح اللجنة الانتخابية ، بضرورة أن تكون حكما محايدا جدا هذا العام في الانتخابات وأن تنصت باهتمام للمشاركين ،حتى تتحقق المساواة للجميع .
كما دعا وسائل الإعلام على تحري الحقيقة في تغطياتها و أن يتجنبوا التهويل وألا يعملوا على تصعيد التوترات .
و :” لا نريد وضعا يمنعنا من النوم ، ينبغي أن ننام و يجب ألا تحرمنا الانتخابات من النوم ” ، موجها حديثه للأبناء غانا ” يجب أن نستعد وعليكم أن تذهبوا يوم الانتخابات و تدلوا بأصواتكم ، لأنكم إذا لم تشاركوا في الاقتراع ، عندئذ لا تقررون من يحكم ، فليبارك الرب وطننا غانا وينعم عليها بالقوة .
انتهاكات خطيرة
ويتعرض أطفال غانا لكثير من الانتهاكات الجسيمة التي لا تقتصر على استغلال براءتهم في الانتخابات ، ولكن هناك جرائم أخرى تشمل العنف ، والاعتداءات الجنسية ، والتمييز على أساس النوع والعمالة في سن مبكرة.
ومن الصعب ضمان مستوى صحي جيد للحفاظ على حياة الأطفال في غانا ، حسب منظمة “هيومانيوم” الحقوقية والتي يوجده لها فروع في سويسرا وفرنسا ، لافتة إلى أن ما يزيد على ثلث الأطفال يعملون إجباريا لدعم حاجات أسرهم ، ويعمل معظمهم في مزارع الكاكاو، التي تشكل النشاط الاقتصادي الأساسي بالبلاد ، كما يواجهون ظروف عمل خطيرة ومنهكة تدعو إلى الأسف .
وقالت أنهم يتعرضون للعديد من الأمراض المعدية وعلى رأسها الإيدز والسل والملاريا ، إلى جانب عدم توافر طواقم طبية كافية لرعايتهم خاصة حديثي الولادة منهم ، في حين يشكل الفقر واحدا من التحديات الكبيرة التي ترمي بثقلها على كاهل هؤلاء الأطفال .
الأمراض المعدية وعلى رأسها الإيدز والسل والملاريا تنتشر بين الأطفال و30% منهم يواجه أزمة هوية
وأكدت المنظمة أن مجتمع غانا مازال أبعد كثيرا عن احترام المساواة بين الجنسين ، ونتيجة لذلك تتعرض الفتيات الصغيرات للإقصاء من مجالات عديدة ، فمستقبلهن و عملهن محدد سلفا ، ونادرا ما يندمجن في مجالات ذات أهمية اجتماعية وسياسية ، فضلا عن إهمال حقهن في التعليم .
ونبهت المنظمة إلى أن هؤلاء الأطفال يواجهون مشكلة أخرى تتمثل في “أزمة الهوية ” ، موضحة أنه لا يجري تسجيل قرابة 30% من المواليد رسميا ونتيجة لذلك يحرمون من حق الهوية الرسمية أو الجنسية ، مما يشكل أمامهم صعوبات كبيرة لذا فإنهم يعتبرون “غائبين ” في عين المجتمع .
ويجري استغلال أغلبية الأطفال في هذه الدولة الإفريقية في أنشطة خطرة مثل رش المبيدات الحشرية في إنتاج الكاكاو والصيد واستخراج الذهب ، وغيرها من أنشطة العمل القسري .
وكان عمل الأطفال شائعا في خدمة المنازل بمناطق أكرا وأشانتي ، كما يعملون في المدن والمناطق الحضرية كحمالين ، بينما يمارسون أعمالهم في سن صغيرة ربما تبدأ من ست ستوات .