لو تعلم “بنت الجيران” مافعلته في الأوساط الفنية ووسائل التواصل الاجتماعي من ثورة ضد “المهرجانات”، لما قامت بإغلاق “شباكها” في وجه محبوبيها  حسن شاكوش وعمر كمال، وتركهما أمام طوفان الإنتقادات والمنع من الغناء والتهديد بالحبس.

مرة أخرى يتكرر المشهد مع ارتفاع مشاهدات أو استماع أغاني المهرجانات تنقلب الأوساط الفنية رأسا على عقب، بين تيار مؤيد يعتبره نوع من أنواع الفنون ويسمعه قطاع كبير من الجمهور، وبين معارض اعتبره انحدار للذوق العام وينذر بانهيار قيم المجتمع فيما اعتبره البعض تعبير عن قطاعات من الشعب المصري، وفق لما كفله الدستور لهم من حرية التعبير.

 

مليون مشاهد لـ “بنت الجيران”

حققت أغنية “بنت الجيران”، في نسختها الأولى المطروحة على “يوتيوب” منذ 5 ديسمبرالماضي مليون مشاهدة، فضلا عن تصدرها موقع ساوند كلاود، الأمر الذي لفت الأنظار إليها، ليتبنى التيار المعارض للأغنية عداء مع إحدى الجمل “أشرب خمور وحشيش” واعتبارها جملة تخدش الذوق العام.

بداية اشتعال الهجمة ضد مؤدي الأغنية إحيائهم حفلة عيد الحب في منتصف فبراير الجاري، بإستاد القاهرة الدولي وتفاعل الجمهور معها، الأمر الذي استفز “التيار المحافظ” لدفع “أولي الأمر” من نقابة الموسيقين والمصنفات الفنية من اتخاذ عدة إجراءات ومواقف قانونية ضد أغلب مطربي المهرجانات.

حققت أغنية “بنت الجيران”في نسختها الأولى المطروحة على يوتيوب منذ ديسمبرالماضي مليون مشاهدة فضلا عن تصدرها”ساوند كلاود”

 

المهن الموسيقية تمنعهم من الغناء في الحفلات

وقرر نقيب المهن الموسيقية الفنان هانى شاكر، بعدم السماح لمطربى المهرجانات بإحياء الحفلات الغنائية فى المنشآت السياحية والبواخر النيلية والملاهى الليلية والكافيهات، مؤكدا أنه “لا يقبل ما حدث مؤخرًا من تجاوز بالألفاظ فى حفل أقيم بإستاد القاهرة من أحد هؤلاء حسن شاكوش، والتعدى بكلمات تخالف العرف القيمى وتتعدى على الرواسخ الثابتة للمجتمع المصرى، وأنه ومجلس النقابة سوف يعيدون النظر فى كل التصاريح بالغناء أو عضوية النقابة فى ضوء المعايير والقيم التى يقبلها المجتمع”.

وافقه الرأي الملحن الكبير حلمي بكر قائلا “حمو بيكا مش عاوز نقابة، ده عاوز البوليس يقبض عليه” معترضا لون غنائهم.

تلك الحملة لم تكن الأولى من نوعها حيث وجهت نقابة المهن الموسيقية، سلسلة من الانتقادات ضد مغني المهرجانات حمو بيكا. وبدأت النقابة حملة ضده، في مطلع نوفمبر 2018، بالتعاون مع الهيئة المركزية للرقابة على المصنفات الفنية، وزارة الداخلية، ونقابة المهن التمثيلية. وخلال شهر، تمكنت نقابة المهن الموسيقية من منع ست حفلات لبيكا في محافظات مختلفة.

 

بين الفن والأدب ..سجال دائر  

المتابع للأزمة مؤخرا، يري أنها انتقلت من الفضاء الإلكتروني ومناوشات “السوشيال ميديا” إلي صفحات الجرائد والقنوات الفضائية، إلى درجة باتت توحي بأنها القضية الأبرز فى حياة المصريين،بل والعرب نظرا لتفاعل جماهير الوطن العربي، بسبب المساحات الكبيرة ودائرة الاشتباك التي تتمحور حول القضية بين مؤيد يستند على مبادئ حرية الرأي والتعبير، وبين معارض نصب محاكم شعبية،وأصدر الحكم بإعدام المتهمين قبل التحقيق.

في مصر طرح الروائي والأديب إبراهيم عبد المجيد،عبر حسابه الخاص على “فيس بوك”رأي في تلك القضية،معتبرا أنه لا يمكن اعتبار تلك الأغاني بالشعبية واصفا اياها بـ “العشوائيات” محذرا من أن الخطورة ليست فى الأغاني وانما ما يراه البعض بأن هناك تبني من الدولة لها ، مشددا على أن المنع مش حل في هذا  الزمن ،وأن “الحل بناء وطن حقيقي مش عشوائي” .

 الروائي والأديب إبراهيم عبد المجيد:أغاني المهرجانات “عشوائيات”وليست “شعبية”والخطورة ليست في الأغاني وانما تبني الدولة لها

وكتب عبد المجيد قائلا :”طول عمر الفن الهابط موجود . لكن الخطورة حين تتبناه الدولة او رجالها او فضائيتها خصوصا انها دولة مركزية في ايدها كل حاجة . الفن الهابط شغال وحيفضل لكن مكانه لازم يكون بعيد عن عمل الدولة” مضيفا “كمان فيه نا س كتير هنا فاهمين الفن الشعبي غلط . الفن الشعبي مش هو اللي تسمعه ناس زحمة وكتير . الفن الشعبي هو المستوحي من تراث الشعوب . زي محمد طه ومتقال وفاطمة عيد ومحمد رشدي وغيرهم كتير . بالطريقة بتاعتكم دي حيبقي عبد الحليم زمان كان احسن مغني شعبي . الشعب تراث مش زحمة.

وأضاف”كل اغاني اللي بتسموهم شعبيين دول او اغاني مهرجانات لا ليها علاقة بتراث شعب ولا معني المهرجان كاحتفال . هي اغاني عشوائيات عبارة عن شتيمة ومكايدة . مكانها مطرح ماخرجت . وممكن الملاهي الليلية الرديئة كمان مش الحلوة” .

وتابع عبد المجيد “بالمناسبة لو الاعلام مثلا يعني بيغطي حفلات الاوبرا كنتم حتشوفوا قد ايه الزحام . يعني مش الشعب كله مع الاغاني العشوائية دي ولا حاجة . دا نوع من الغناء زي غيره له جمهوره زي غيره ولو الحفلة اللي اتعملت في الاستاد دي كانوا دعوا ليها نسمة عبد العزيز عازفة الماريمبا ومنال محي الدين عازفة الهارب ويحيئ خليل ملك الجاز ومعاهم شيرين وعمرو دياب مثلا كان حضر بدل المائة الف مائتي الف مادام الدولة عاملة تسهيلات في السفر واوتوبيسات من الاقاليم واللي عملوه دا . طيب هل معني دا أني مع قرار نقابة الموسيقيين في محاصرة الغناء دا . طبعا لا . لا مع النقابة ولا مع الفتوي بتحريمه لكن مع اللي مش حيحصل وهو النهضة الحقيقية اللي عرفتها مصر في يوم من الايام . نظام مباني محترم وشوارع حلوة وحدائق فيها فر ق موسيقية جميلة وتعليم محترم واعلام بيقدم فنون رفيعة من الاغاني والموسيقي والباليه من مصر والعالم وافلام سينما كتير الوحش فيها قليل . وهو دا الحل مع اغاني العشوائيات دي . ودي مجرد امثلة . المنع مش حل في الزمن دا . الحل بناء وطن حقيقي مش عشوائي “.

في المقابل يرى الناقد الفني طارق الشناوي، أن هذا النوع من الغناء يجب درسه وفهم طبيعة جمهوره، وليس منعه وبذل مجهود ضائع في ملاحقة أصحابه، قائلا “هناك ملايين يستمعون للمهرجانات من بينهم مرتادي الفنادق 7 نجوم،  سواء تتفق معه كنوع فني أو لا”.واستشهد الشناوي بأغنية “السح الدح امبو للمطرب أحمد عدوية في الوقت الذي كانت فيه أغاني طربية لنجوم عمالقة”، مؤكدا على ضرورة خلق مناخ صحي متنوع لكي تتفجر المواهب الغنائية.

في المقابل يرى الناقد الفني طارق الشناوي،أن هذا النوع من الغناء يجب درسه وفهم طبيعة جمهوره، وليس منعه وبذل مجهود ضائع في ملاحقة أصحابه

الفجوة بين حرية الإبداع في الدستور والقانون

التناقضات ليس فقط بين التيارات المحافظة والمجددة في الغناء، فهناك فجوة بين الدستور والقانون فيما يخص الإبداع الفني وكفالة حريته، فبحسب المادة 67 “حرية الإبداع الفنى والأدبى مكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك.

ولا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بسبب علانية المنتج الفنى أو الأدبى أو الفكرى، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن فى أعراض الأفراد، فيحدد القانون عقوباتها.

وللمحكمة في هذه الأحوال إلزام المحكوم عليه بتعويض جزائي للمضرور من الجريمة، إضافة إلي التعويضات الأصلية المستحقة له عما لحقه من أضرار منها، وذلك كله وفقاً للقانون”.

رغم ذلك تنص المادة (178) من قانون العقوبات المصري رقم 58 لسنة 1937 على: “يُعاقَب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من نشر أو صنع أو حاز بقصد الاتجار أو التوزيع أو الإيجار أو اللصق أو العرض مطبوعات أو مخطوطات أو رسومات أو إعلانات أو صورًا محفورة أو منقوشة أو رسومًا يدوية أو فوتوغرافية أو إشارات رمزية أو غير ذلك من الأشياء أو الصور عامة إذا كانت خادشة للحياء العام”.

تقرير: 11 انتهاك ضد مبدعين

بحسب التقرير السنوي لمؤسسة حرية الفكر والتعبير خلال عام 2019 تصدرت نقابتا المهن الموسيقية والمهن التمثيلية قائمة مرتكبي الانتهاكات بأربعة انتهاكات للأولى وانتهاكين اثنين للأخيرة، من بين 11 انتهاكًا رصدتهم مؤسسة حرية الفكر والتعبير على مدار العام في 9 وقائع مختلفة ضد مُبدعين. ولحق بهم جهاز الرقابة على المصنفات الفنية بانتهاك واحد. تنوّعت الانتهاكات ما بين: شطب، منع من القيد بالنقابة، إلغاء عضوية، وإيقاف عن العمل.

 

روشتة دبلوماسية لعلاج الأزمة

المثير للأمر أن سمعة “بنت الجيران”  لم تعد حديث الفنانين والجمهور فقط، بل امتد لرجال السلك الدبلوماسي، حيث قال السفير حسام زكى، الأمين العام المساعد بجامعة الدول العربية،”أغاني المهرجانات موجودة من عشر سنوات في السوق المصري، ولها خصائص معينة وهي غير ملزمة لأحد انه يسمعها غصب عنه”.
وعلق زكي عبر حسابه الشخصي بـ “فيس بوك”، وكتب:” مشكلة  هذه الاغاني (كما مشكلة الاغاني الشعبية عموما ) انها تلجأ لعبارات ومصطلحات بنت بيئتها تماما وهي بعيدة عن رشاقة الكلمة المستخدمة من الشعراء النمطيين، بعضها فيه اسفاف واضح طبعا،لذلك تصدم الاذن لمن لايعتاد عليها مثل “السح الدح امبو ” التي صدمت مصر في مطلع السبعينات وانتشرت اننشار النار في الهشيم.”

وتساءل الأمين العام المساعد “هل تلك الاغاني واقع؟ نعم..هل يجب أن تساعد الدولة في نشرها في المجتمع؟ أكيد لا”

وتساءل الأمين العام المساعد “هل تلك الاغاني واقع؟ نعم.  هل يجب ان تساعد الدولة في نشرها في المجتمع؟ اكيد لا” موضحا “علي سبيل المثال اغنية عدوية (وعدوية نفسه) كانت ممنوعة من الاذاعة المصرية. لماذا؟ ببساطة لانها علي انتشارها هي تعكس ثقافة هامشية fringe culture وليس الثقافة الاساسية mainstream في المجتمع. والدولة لا يجب ان “تشجع” علي نشر  مثل هذه الثقافة. هي تدرك وجودها وتعرف ان لها جمهورها لكنها لا يجب ان تستخدم ادواتها المتاحة لها في نشرها لانها لا تريد نشر كلامها او مفاهيمها او او الخ.

وعلق زكي على قرار منع النقابة قائلا “اعتقد بكل أمانة أنه قرار متسرع وغير مدروس، فالانترنت جعلت مثل هذا القرار غير ذي مضمون.. قرارات “موضة قديمة”. لانها تشبه الماسك بمفاتيح بوابة علي سور مهدوم يعتقد انه يحرس المكان بينما الواقع ان الجميع يدخل ويخرج من فوق السور المهدوم”.
واستطرد “القرارات مجدية فقط في قطع ارزاق المتعيشين من هذا اللون من الغناء. وهذا مؤسف طبعا. لكن الأغاني مستمرة واللون لن يندثر.. بل علي الأرجح ممكن أن يزداد مكون الإسفاف فيه طالما هو بعيد عن الإذن العامة في المجتع”.
واعتبر ادبلوماسي أن “المنع الكامل خطأ تماما كما المساعدة في الترويج والنشر.. (وهذا ينطبق علي اوجه الفن عموما)، وأن والحل دائما يكمن في فتح المجال لمكونات الفن العادي الذي يعير عن الثقافة الاساسية في المجتمع، وتشجيعه وإتاحة ادوات الدولة والقطاع الخاص له قدر الإمكان”.