دخلت اتفاقية “الحد من العنف” ، بين الولايات المتحدة وحركة “طالبان” حيز التنفيذ، تمهيدا لتوقيع اتفاق سلام دائم في 29 فبراير الجاري، وذلك بالتزامن مع نشر تقرير الأمم المتحدة حول الضحايا المدنيين للحرب في أفغانستان التي استمرت 18 عاما، في حين شهدت السنوات العشرة الأخيرة مقتل وإصابة أكثر من مئة ألف مدني.

بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان (يوناما)، قالت في تقريرها إن  الصراع في أفغانستان أسفر عن مقتل أكثر من 3403 مدني وجرح 6989 آخرين في عام 2019، كما بلغ عدد المدنيين الذين قُتلوا أو جُرحوا في حوادث متصلة بالنزاع في أفغانستان خلال السنوات العشر الماضية وحدها أكثر من مئة ألف ضحية.

وألقت (يوناما) باللوم على حركة طالبان وتنظيم داعش، وغيرها من الجماعات المسلحة في التسبب في 49٪ من الضحايا، قائلة إن القوات الموالية للحكومة، بما في ذلك التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، مسؤولة عن 43٪ الضحايا، أما البقية فقد وقعوا في تبادل لإطلاق النار وحوادث أخرى مرتبطة بالنزاع.

تاداميتشي ياماموتو رئيس بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى أفغانستان قال: “لم يفلت أي مدني تقريبا في أفغانستان من التأثر شخصيا بطريقة ما بالعنف المستمر”.

حركة طالبان التي تسيطر على عدد من المناطق في جميع أنحاء أفغانستان، رفضت التقرير الذي قال إن الحركة مسؤولة عن معظم الإصابات، وزعمت في بيان أن بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان تشن حملة لدعم “قوات الاحتلال” الأمريكية.

وكانت هناك زيادة بنسبة 21٪ في الخسائر في صفوف المدنيين التي تسببت فيها “طالبان” بحسب التقرير، الذي قال إن الخسائر في صفوف المدنيين بسبب قوات الأمن الأفغانية وحلفائها الأمريكيين، زادت هي الأخرى بنسبة 18٪ مقارنة بالعام الماضي. 

حيث شهد عام 2019 رقم قياسي في أعداد القنابل التي أسقطتها الولايات المتحدة على أفغانستان، أكثر من أي سنة أخرى منذ أن بدأن وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” في تسجيل هذه البيانات في عام 2006. 

7423 قنبلة وصاروخ ألقتها المقاتلات الأمريكية على أفغانستان في 2019، وفقا لإحصاءات القيادة المركزية الأمريكية، بزيادة تقارب ثمانية أضعاف عن عام 2015. 

اتفاق الهدنة

تقرير (يوناما) يأتي بالتزامن مع بدء سريان الهدنة لتمهيد الطريق أمام الولايات المتحدة لتوقيع اتفاق سلام مع طالبان في 29 فبراير، بهدف إنهاء الحرب الأفغانية المستمرة منذ 18 عاما.

تاداميتشي ياماموتو: لم يفلت أي مدني من العنف في أفغانستان

من خلال الموافقة على وقف الأعمال القتالية لمدة سبعة أيام، سيكون بوسع الولايات المتحدة وحركة طالبان وضع أفغانستان على الطريق المؤدي إلى اتفاق لتحقيق السلام الغائب عن البلاد منذ ما يقرب من عقدين.

لكن محللين يقولون إن التوصل إلى اتفاق بين إدارة ترامب وممثلي طالبان، الذي استغرق نحو عام ونصف العام، سيكون الجزء السهل.

وهناك توقعات بأن يزداد الأمر تعقيدا، حيث تبدأ المفاوضات بين طالبان ومسؤولي الحكومة الأفغانية حول الدور المحتمل للجماعة الإسلامية المتشددة في الحكومة والشكل المستقبلي للدولة الأفغانية.

إذا نجحت الهدنة التي ستستمر لمدة سبعة أيام، فسيوقع الخصوم القدامى على اتفاقية أوسع لم يتم الكشف عن تفاصيلها، لكن يُعتقد أنها تتضمن جدولا زمنيا للانسحاب التدريجي للقوات الأمريكية.

في المقابل، ستوافق طالبان على وقف الجماعات الإرهابية الدولية من العمل في أفغانستان، والدخول في محادثات مع الحكومة الأفغانية واللاعبين السياسيين الآخرين.

تلك المحادثات بين القوى الأفغانية المتصارعة هي التي ستحدد ما إذا كان البلد الغارق في الصراع منذ عقود عديدة، يمكنه تحقيق سلام دائم.

الساحة السياسية في أفغانستان ستشهد تطورات غير مسبوقة إذا وقعت الولايات المتحدة وحركة طالبان الاتفاق، أحدهما هو أن طالبان، من خلال التزامها بالجلوس على طاولة الرئيس الأفغاني أشرف غني وغيره من القادة الأفغان، ستعترف بشرعية الحكومة التي لطالما رفضتها باعتبارها دمية في يد الغرب.

الأمر الآخر هو أن الولايات المتحدة، بذلك، ستكون قد اعترفت بأنها لا تستطيع هزيمة طالبان عسكريا وأنها مستعدة لدعم عملية سلام يمكن أن تؤدي إلى سيطرة قادة المتشددين على الحكومة الأفغانية.

(يوناما): طالبان وداعش مسؤولة عن سقوط 49٪ من الضحايا المدنيين

وهو ما قد يعتبره البعض هزيمة للولايات المتحدة، التي كلفتها حرب أفغانستان نحو تريليون و70 مليار دولار، بحسب مجلة “فوربس” الأمريكية، إضافة إلى مقتل أكثر من 2400 جندي أمريكي وإصابة عشرات الآلاف بجراح وتشوهات وإعاقات دائمة.

أزمة سياسية

في الوقت نفسه، من الممكن أن تشكل التوترات السياسية الداخلية في أفغانستان بسبب نتيجة الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل، تحديا لمبادرة السلام الأمريكية.

لجنة الانتخابات الأفغانية كانت قد أعلنت أن الرئيس الحالي أشرف غني هو الفائز في الانتخابات التي أجريت قبل حوالي خمسة أشهر، لكن الرئيس التنفيذي للحكومة الأفغانية عبد الله عبد الله، الذي حل في المركز الثاني، رفض النتائج، قائلا إنه تم التلاعب بها لصالح غني وهدد بتشكيل حكومته في كابول. 

وفي تصعيد للأزمة أصدر عبد الله عدد من القرارات  التي اعتبر نفسه فيها رئيسا جديدا، وطلب استبدال العديد من حكام المقاطعات.

ويثير التنافس السياسي أسئلة حول ما إذا كانت القوى السياسية الأفغانية ستكون قادرة على تشكيل فريق موحد للانخراط في مفاوضات طال انتظارها مع طالبان لإنهاء العنف في البلاد.