مشهد دائم داخل أروقة المدارس تقف بطلته وهى الأم مع احدى موظفات الشئون التعليمية بالمدرسة وكلاهما يحاول شرح مشكلته، الأم تؤكد أنها المسؤلة الفعلية عن التلميذ والموظفة لا تخجل من القيام بمهامها الوظيفية وتكدير الحالة والتأكيد على الحاجة الى ورقة رسمية ترتبط بتعبير شائع هو ” الولاية التعليمية”

sss

القانون يتعنت مع المسيحيات.. ومسلمات يقعن في فخ القوامة للرجل

رحاب صلاح سيدة عشرينية مطلقة، خاضت معركة لإلحاق طفلها الوحيد بإحدى المدارس في جنوب القاهرة، لم تكن تعلم حينما قررت أن تضم صغيرها إلى مدرسة يقضي فيها وقته ويتعلم، في حين تنشغل هي بالعمل لتوفير المال اللازم للمعيشة، أن إدارة المدرسة سترفض استقبالها، وتطلب منها أن يتولى الأب المهمة بدلًا عنها لأنه العُرف.

تعاني آلاف النساء من التعنت من جانب الإدارات التعليمية بالمديريات والمدارس فيما يخص مباشرة أطفالهن فيما يتعلق بسير الدراسة، والتي تُعرف قانونًا باسم الولاية التعليمية، ومع ارتفاع معدلات الطلاق والتي بلغت في العام 2018 -حسب البيانات الرسمية للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء-، نحو 211.5 ألف حالة غير شاملة أحكام القضاء الخاصة بالطلاق، أي بزيادة 6.7% مقارنة بالعام 2017، فيما كشف تقرير مركز معلومات رئاسة الوزراء عن نفس العام، أن حالات الطلاق في مصر حالة واحدة كل دقيقتين ونصف الدقيقة، كما يقدر عدد المطلقات بأكثر من 5.6 ملايين على يد مأذون، ما نتج عنه تشريد ما يقرب من 7 ملايين طفل، معرضين للتعثر الدراسي بسبب خلافات عدة أبرزها الولاية التعليمية واستخدام أحد الزوجين المنفصلين لها للتنكيل بالآخر على حساب الطفل.

إيمان سامي، ثلاثينية حصلت على أوراق طلاقها الرسمي منذ شهر واحد فقط، تحكي أنها تعاني منذ ثلاث سنوات بسبب انفصالها غير الرسمي، والمشكلات التي تصاعدت نتيجة توتر الأوضاع بينها وبين زوجها، والذي رفض منحها حق الطلاق حتى اضطرت –وفق قولها- لانتزاعه بحكم محكمة عن طريق رفع دعوى خلع، قبل ذلك كان طليقها يتعنت معها في محاولة لما وصفته “تكدير سلمي الخاص والرضوخ لمطالبه”.

أثار زوجها مشكلات كثيرة فرفض التقدم بملف الطفل إلى إحدى المدارس الخاصة التي تقبل التلاميذ في المرحلة التأهيلية من سن الرابعة ونصف السنة، مبررًا أنه سيلحقه بمدرسة حكومية في السادسة من عمره، ورغم محاولاتها المتكررة لإقناعه، إلا أنه أصر على تنفيذ قراره ولم تفلح محاولاتها مع إدارة المدرسة للتقدم منفردة بأوراق الطفل، مبررين أن القوامة للرجل وأنه المسئول عن أطفاله وأمورهم، وفور حصولها على الطلاق الرسمي وانتقال الحضانة إليها، حصلت على حق الولاية التعليمية، فحاولت نقل الطفل إلى مدرسة “انترناشيونال”، لكنها قابلت مشكلة جديدة تتمثل في رفض المدرسة للطفل، لأن والديه مطلقان، تكمل: “لابد من حل لمثل هذه المشكلات، القانون في صفي بعد الطلاق، لكني أقابل تعنتًا كبيرًا من القائمين على العملية التعليمية، أيضًا رفض الطفل بسبب حالته الاجتماعية أمر غير محبب واعتبره نوعًا من التمييز”.

عزيزة الطويل -المحامية والناشطة الحقوقية-، قالت إن الولاية المقصودة هي إدارة شئون الصغير فيما يتعلق بمراحله التعليمية المختلفة، مثل تقديم أو سحب ملفه من مدرسته وتغيير نوع التعليم قبل بلوغه سن الـ15، مضيفة: “الأصل أن الولاية تثبت للولي الطبيعي وهو الأب عند عدم وجود خلافات زوجية، لكنها تؤول إلى الحاضنة بقوة القانون”.

وأشارت “الطويل” إلى أن العام 2017 شهد إصدار طارق شوقي -وزير التربية والتعليم-، للكتاب الدوري رقم (29) بشأن الضوابط الحاكمة حال وجود نزاع بين الوالدين، وحدد الكتاب صاحب الحق في الحضانة بالترتيب: الأم ثم المحارم من النساء مقدمًا فيه من يلي الأم على من يلي الأب، مردفة أنه لا تنتقل الولاية التعليمية لغير الحاضن إلا بصدور حكم قضائي واجب النفاذ أو صدور قرار قضائي في أمر على عريضة، بعدها تعلن المدرسة والإدارة التعليمية، لينفذ الحكم فور وروده”.

وأضافت أن الولاية التعليمية للأم لا تخل بحق الأب الطبيعي في مباشرة أمور أبنائه الدراسية بما لا يسبب أذى للطفل، فلا يجوز ترويع الطفل أو الإخلال بأمنه، أما في حالة سفر الأب والعلاقة الزوجية قائمة فيجوز للأم الولاية التعليمية بتوكيل من الأب، وتستطيع خلاله نقل الصغير من مدرسة لأخرى أو تغيير نوع التعليم أو غيرها من الأمور، مشيرة إلى بعض حالات التعنت التي تقابلها الأمهات في بعض الدوائر القضائية، حيث يرى القاضي أن الولاية تكون للأم الحاضنة فقط في حالة الطلاق الرسمي.

وأردفت: “هناك تعنت واضح في بعض الدوائر ضد المسيحيات، وما لهن من وضع خاص، فالقاضي يقر أن الحضانة للمطلقة وبناء عليه يحكم بالولاية التعليمية لها، إلا أنه ليس هناك طلاقًا لدى المسيحيين إلا بشروط محددة، وبناء عليه يرفض القاضي منح الحضانة للأم مسيحية الديانة، وفي إحدى القضايا التي عملت عليها قمت برفع دعوى ولاية تعليمية وسبقها دعوى طلاق لعلة الزنا وتقدمت بالأوراق للقاضي لكنه لم يأخذ بها، ورفض الولاية التعليمية لذات السبب”.

شريف شلندة –حقوقي ومحامي بالنقض-، قال إن تنظيم الولاية التعليمية يخضع للفقرة الثانية من المادة (54) من قانون الطفل رقم 126 لسنة 2008، والتي تخول حق الولاية التعليمية على الطفل للحاضن وعند الخلاف على ما يحقق مصلحة الطفل الفضلى يرفع أي من ذوى الشأن، الأمر إلى رئيس محكمة الأسرة بصفته قاضيًا للأمور المستعجلة الوقتية، ليصدر قراره بأمر على عريضة دون المساس بحق الحاضن فى الولاية التعليمية، والحاضن هنا لم يحدد فمن الممكن أن يكون الأب أو الأم، مضيفًا أن الولاية التعليمية في القانون لم تتطرق لمسألة الأديان، لكنها في النهاية تخضع لتقدير القاضي، وهناك بعض القضاة الذين يتعسفون في استخدام سلطتهم، بسبب الجملة الأولى من نص المادة المذكورة، فذكر كلمة “خلاف” تجعلها مطاطة للغاية، ويلجأ القاضي لطلب إثبات وجود الخلاف، كما أن بعض القضاة اتخذوا اتجاهًا مخالفًا لنص المادة ويرفضون الولاية التعليمية للأم ويقولون أن الأب هو الولي الطبيعي وهو تفسير فقهي شرعي بالنسبة لهم لا يصرحون به في منطوق الحكم لكنه إيمان مترسخ داخلهم.

وأضاف المحامي بالنقض أن حضور الطفل الإلزامي يوم الجلسة أمر مهين لطفولته، فرغم أن الأم تكون في أغلب الحالات حاصلة على حكم بالطلاق رسمي، أو حكم بالحضانة، إلا أن القاضي يصر على مثول الطفل أمام المحكمة، لإثبات أنه في حضانتها، وهو ما يؤثر في الصحة النفسية للطفل لاحقًا.

إيمان بيبرس رئيس جمعية نهوض وتنمية المرأة، قالت إن القانون رقم 12 لسنة 1996 منح الولاية التعليمية للحاضن سواء أكان رجلًا أم امرأة، ويعتبر من القوانين التي أنصفت المرأة، فقبله كان الآباء يتعنتون ضد طليقاتهم ويقومون بأفعال انتقامية كنوع من التنكيل بها، فكان المتحكم الوحيد وقتها، مضيفة أن أغلب الشكاوى التي تستقبلها الجمعية تكون بسبب تعسف المديريات والإدارات التعليمية، التي تتعنت في تنفيذ القانون رغم صدوره، وصدور قرارات وزارية سابقة بتقديم تسهيلات مناسبة.

وأضافت “بيبرس” أن السبب الرئيس في تعنت الإدارات هو الخوف من حدوث مشكلات بسبب الخلافات بين الأبوين، كما أن الفكر الذكوري المتأصل في المجتمع، يجعل من الصعب التسليم بقدرة المرأة على تولي شئون أطفالها منفردة، إضافة إلى أن جهل كثير من النساء بالقوانين، يؤدي إلى عدم معرفتهن بما لهن وما عليهن.