بخطوات ثابتة تسلمت محاربة الصحراء الأمازيغية، “خديجة رياضي” الناشطة الحقوقية بالمغرب، جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في عام 2007، تتويجًا لمجهوداتها الكبيرة، وسمعتها التي تخطت بلدها المغرب، لتصبح أول سيدة عربية تحصل على هذه الجائزة.

sss

تسير، “رياضي”، على خطى، الذين حصلوا على هذه الجائزة، أمثال الفرنسي رنيه كاسيه، أحد كتاب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والأديب المصري طه حسين، والمناضل الأميركي مارتن لوثر كينغ، والزعيم الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا.

وقبل أن تتسلم الجائزة في نيويورك، قالت عنها الأمم المتحدة، إن اختيار “الرياضي” كان بناءً على استفتاء لجنة الخبراء بالأمم المتحدة، والتي تضُم خبراء دوليين وأعضاء منظمات دولية غير حكومية، وتم اختيارها كونها فاعلة في مجال حقوق الإنسان وناضلت من أجل الحرية والعدالة.

محاربة الصحراء

بقسمات وجه حادة وبإصرار يشبه محاربين الصحراء، خاضت الناشطة الحقوقية معاركها، طوال 70 عامًا هو عمرها الآن، ومازالت متواجدة في الميدان، مدافعة عن حقوق الإنسان في بلدها المغرب، وفي محيطاها العربي والأفريقي.

تعرضت المحاربة الأمازيغية لكثير من الاعتداءات والتهديدات، والمضايقات الأمنية، أثناء مشاركتها في ميادين المعارك الحقوقية والمسيرات العمالية، ولم يمنعها تعرضها للضرب بعصا قوات الأمن، من المشاركة في احتجاجات “20 فبراير” المطالبة بإقرار الملكية البرلمانية بالمغرب.

تقول “رياضي” في إحدى الحوارات عن التهديدات التي تتعرض لها:” نعيش دوما تحت التهديد، إنهم يشنون حملات كاذبة وحملات شتائم ضدي في الصحافة التي أنشأتها السلطة وتشرف على تمويلها”.

و يقول عنها مدير تحرير جريدة “أخبار اليوم” المغربية “لا تُمحى من الذاكرة صورك وأنت ملقاة فوق الأرض، وعصي رجال الأمن تنزل على جسدك، لا يمحى من الذاكرة تجندك الدائم ورفاقك، في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان خلف كل قضية عادلة، وخلف كل معتقل رأي، وأمام أي إحساس بالإهانة.”

وبالرغم من كل المضايقات للناشطة التي وصلت لحد التهديد بالقتل، مازالت “محاربة الصحراء” تقف في ميدان المعارك، تنادي بالإفراج عن المعقلين والشباب، الذين قادوا الحراك الذي اجتاح المغرب عامي 2016 – 2017، للمطالبة بتغير الدستور وإقرار الملكية البرلمانية، واحترام حقوق الإنسان.

لاسيما أن صفتها العالمية، بعد حصولها على جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، حولتها لأيقونة حقوقية في محيطاها، ليعبر صوتها حدود المغرب، لدول الجوار الجزائر وتونس وموريتانيا، ودول القارة السمراء، ليكون صوتها العالي المدافع عن المعتقلين، حافز قوى لاستمرار نضالهم في غياهب سجون الأنظمة المستبدة الصامتة.

مسيرة مناضلة

ولدت محاربة الصحراء عام 1960، في مجتمع مغلق جنوب المغرب، لأسرة أمازيغية بسيطة، بدائرة إغرام بإقليم “تار ودانت”، وحصلت على شهادة البكالوريا من مدرسة عمر الخيام الثانوية عام 1978.

والتحقت بعدها بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي سنة 1983، وعملت مهندسة في المديرية العامة للضرائب بوزارة المالية، وتزوجت وانجبت طفلين اثنين، وعاشت حياتها بشكل طبيعي كأي سيدة مغربية.

ولكن هذه السيدة كان بداخلها سخط عنيف، على ما تعيشه وتراه من تفرقة بين الرجل والمرأة، في مجتمعها العربي المغربي، المقيد بالعادات والتقاليد الشرقية، ليحولها هذا السخط لمقاتلة في ساحات معارك، لا تملك فيها إلا صوتها ومبادئها، التي ترفض الانكسار.

بدأت نشاطها الحقوقي، من خلال عملها كناشطة نقابية في الاتحاد المغربي للشغل، وعضويتها في حزب النهج الديمقراطي، وهو حزب يساري راديكالي، تعلمت خلال هذه الفترة الكثير من المناضلين اليساريين الذين سبقوها، لتبدأ أولى معاركها ضد التميز بين الجنسين، والحقوق العمالية.

ويقول المقربون منها:” إنها على يقين بأن تحرير المرأة في المجال السياسي، يمر عبر تطبيق القوانين، وإشراكها في عالم الشغل يمر عبر فرض احترام الالتزامات أمام المؤسسات، إذ أن التفاوتات في الأجور والامتيازات بين الجنسين شاسعة جدًا”.

ربما تكشف هذه الكلمات، مفتاح شخصية “رياضي”، التي تسلحت بأسلحة العلم والقانون، لفهم ما يدور حولها من متغيرات، لتتمكن من تغيير أعراف وتقاليد، ونظرة راسخة لا تؤمن بحقوق وحريات النساء في مجتمعها المغلق.

بعد سنين طويلة من الكفاح، والعمل في مجال حقوق الإنسان، والدفاع عن المرأة وحقوقها، تولت في إبريل 2007 رئاسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، لتكون ثاني أمرأه تتولى رئاسة جمعية أو منظمة حقوقية في بلدها، وهو انجاز كبير اقترن أسمها به.

كان نشاطها خلال هذه الفترة مزعج للسلطة، ليتحول مقر الجمعية بالرباط، لخلية عمل للدفاع عن النشطاء ومعتقلي الرأي، وتبنت مطالب الحراك الشبابي والشعبي في عام 2011، أثناء ثورات الربيع العربي، التي وصل صدها للمغرب.

 

معارك حقوقية

مازالت صورها وهي ملقاة على الأرض، وعصا قوات الأمن تنهال عليها عالقة في أذهان من حولها، فتعرضت لمضايقات أمنية وشخصية لا حصر لها، وأشهرت السلطة أسلحتها الإعلامية في وجها ووجه أسرتها، لتنال منها بالسب والقذف والتشهير.

لم تواجه محاربة الصحراء السلطة فقط، بل خاضت معارك ضد التيارات الإسلامية، الرافضة لأفكارها المتحررة المطالبة بالمساواة، وكان أهم هذه المعارك في عام 2012، أثناء الندوة التي نظمتها الجمعية الحقوقية بمناسبة مرور 33 عامًا على تأسيسيها.

دار موضوع الندوة حول “الحريات ودور الحركة الحقوقية في المغرب”، طالبت خلالها “رياضي” من الدولة المغربية، ضمان واحترام كافة الحقوق الفردية، ومنها الحرية الجنسية وحرية الاعتقاد وحرية تملك الجسد.

 

وتقف “رياضي” على مسافة واحدة من الجميع، ممسكة بيدها علي جمر مبادئها وأفكارها، التي تجرعت من أجلها الكثير من المعاناة والاتهامات لشخصها ولأسرتها.

واختارت الأمم المتحدة لحقوق الإنسان،” رياضي”، في عام 2013 لمنحها جائزتها السنوية، لتكون أول أمرأه عربية تفوز بها بهذه الجائزة، التي سبقها إليها عظماء في مجال حقوق الإنسان والحريات، أمثال مارتن لوثر كينغ وروزفلت والمناضل الأفريقي نيلسون مانديلا، لتكتب اسمها بالذهب في سجل العظماء.

أعطت الجائزة صفة عالمية ودولية للمناضلة خديجة رياضي، فتركت رئاسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ليخلفها رفيقها في حزب النهج الديمقراطي أحمد الهايج، للتفرغ للدفاع عن المعتقلين السياسيين في السجون المغربية، والمهمشين والفقراء الذين يعانون من وطأة الظروف الاقتصادية.

ولأنها لا تعرف المستحيل، فقط كانت أحد الذين قادوا الحراك، الذي اندلع في الريف بشمال المغرب عام 2016، بعد مقتل بائع سمك صادرت السلطات بضاعته، وواجهت السلطة هذه الاحتجاجات بحركة اعتقالات واسعة للنشطاء والسياسيين، الذين تعرضوا للقمع والتعذيب في المعتقلات، وحكم على بعضهم بالسجن لمدة وصلت 20 عامًا.

تقول “الرياضي” في إحدى المقابلات الصحفية:” إن المحاكم المغربية، هي أدوات في يد الدولة، لأن القضاة ينطقون بأحكام بدون الاعتماد على أية براهين، وأنه يكفي أن تنزل لتحتج على النظام، أو تكتب أرائك على وسائل التواصل الاجتماعي ليتم اعتقالك ومحاكمتهم في المغربي”.

ومازالت “رياضي” تشغل ساحات المعارك في المغرب، لا تملك السيدة الذي تخطى عمرها 70 عامًا قوة أو سلطة، ولكن تملك أفكار ومبادئ بالحرية والحق والمساواة، للتحول لأيقونة مضيئة وسط الصحراء المغربية.