عانت معظم دول أمريكا اللاتينية على مدار عقود من البطالة والفقر والاضطرابات السياسية، وتفشي العنف وتجارة المخدرات، ما أوجد مجالا خصبا لأنشطة الجماعات الإرهابية العابرة للقارات، خاصة مع تنامي مشاعر معادية للولايات المتحدة داخل القارة منذ سنوات طويلة، وتصاعُد هذا العداء في ظل وجود الإدارة الأمريكية الحالية، برئاسة دونالد ترامب، التي تعتبر مواطني تلك الدول خطرا على الأمن القومي والرخاء الاقتصادي الأمريكي.

sss

تنبه «حزب الله» اللبناني مبكرا إلى هذه النقطة، فعمد إلى تكثيف حضوره الخارجي في أمريكا اللاتينية خلال الأعوام الأخيرة، ونشط بقوة في منطقة تدعى Tri-Border Region أو المثلث اللاتيني، حيث تلتقي حدود الأرجنتين والبرازيل والباراجواي، وهي منطقة فوضوية واسعة لا تصل إليها يد القانون وتنشط فيها عصابات المخدرات التي تغسل أموالها في أنشطة مشروعة.

أمريكا اللاتينية

واجهت بعض بلدان أمريكا اللاتينية منذ عقد التسعينيات من القرن الماضي، عددا كبيرا من الحوادث الإرهابية، حيث شهدت الأرجنتين واحدة من أكبر الهجمات في تاريخها، وذلك في 17 مارس 1992، حين استهدف تفجير مبنى السفارة الإسرائيلية في العاصمة بوينس آيرس، ما أسفر عن مقتل 29 شخصا وإصابة 242 آخرين.

تفجير سفارة اسرائيل

 

بعد ذلك بعامين، وقع أكبر حادث إرهابي في تاريخ البلاد، وهو تفجير «جمعية الصداقة اليهودية- الأرجنتينية» بالعاصمة أيضا، عام 1994، الذي وقع على يد انتحاري بعبوة ناسفة، وهو الحادث الذي أسفر عن مقتل 85 شخصًا، وجرح أكثر من 300 آخرين.

اقرأ أيضًا: «الإرهاب» في العالم (ملف)

وحمّلت الأرجنتين آنذاك جماعة «حزب الله»، إلى جانب إيران، المسؤولية عن التخطيط والتنفيذ للهجوم، الذي عدّه البعض مؤشراً قويا على ما وصفوه بدور إيران في دعم الإرهاب في القارة، استنادا إلى أن «حزب الله» كان – ومازال- يستهدف توسيع نفوذه في أمريكا الجنوبية، بسبب قربها الجغرافي من الولايات المتحدة، ما يُسهل عليه تنفيذ عمليات ضد أهداف أمريكية، في حال نشوب مواجهة عسكرية بين طهران وواشنطن.

تحالف «الشيعة والشيوعيين»

يؤكد باحثون أن اتهام الأرجنتين لـ «حزب الله» استند إلى ارتباط الحزب بعلاقات وثيقة مع عدد من النظم الحاكمة في أمريكا اللاتينية، التي وفّرت مظلة للحماية القانونية والأمنية لأنصار «حزب الله» المتواجدين على أراضيها، خاصة مع سيادة حالة من العداء للولايات المتحدة في تلك الدول.

تحالف «الشيعة والشيوعيين»

 

إرهاب عابر للأفكار

من جهة أخرى، طالبت رئيسة لجنة الدفاع في البرلمان البيروفي (أي بيرو)، في نوفمبر 2016، بالكشف عن حقيقة تورط «حزب الله» في التعاون مع بعض الجماعات الشيوعية في أعمال العنف التي وقعت في مقاطعة «لابامبا»، وهو ما يمكن اعتباره نوعا من الإرهاب «العابر للأفكار».

إرهاب عابر للأفكار

 

في أكتوبر 2016، حذر رئيس المركز الوطني لمكافحة الإرهاب «نيكولاس راسموسن» في تقرير للجنة الأمن الداخلي في مجلس الشيوخ الأمريكي من أن مهربي «حزب الله» يرسلون إرهابيين إلى بيرو للتحضير لتنفيذ عملية إرهابية في بعض دول أمريكا اللاتينية. وليس هذا فحسب، بل سبق أن القت السلطات الحكومية القبض على عضو «حزب الله» «محمد غالب حمدار» في بيرو في أكتوبر 2014، بعدما عُثر في شقته على بقايا مواد متفجرة، يُشتبه في أنه كان يعتزم استخدامها في تنفيذ هجمات إرهابية.

وأعلنت البرازيل في عام 2012 عن رصد عملاء لـ «حزب الله» على صلةٍ بهجمات على مبانٍ تابعة للحكومة الإسرائيلية في الهند وجورجيا، كما تم الكشف عن وجود علاقات تحالف بين الحزب وأخطر عصابتين في البرازيل، وهما: «القيادة الحمراء»، و «القيادة الأولى للعاصمة»، حيث يساعدهما «حزب الله» في الحصول على الأسلحة، مقابل أن تؤمّنا له التنقل في المنطقة الحدودية بين باراجواي، البرازيل، والأرجنتين.

الكشف عن وجود علاقات تحالف بين حزب الله وعصابتي «القيادة الحمراء»، و«القيادة الأولى للعاصمة»

وتمّ الكشف عن تورط دبلوماسي إيراني بارز –بحسب مصادر رسمية-في زرع قنبلة خارج السفارة الإسرائيلية في عاصمة أوروجواي «مونتيفيديو» في 7 يناير 2015، وعقب ذلك تم طرد هذا المسئول. وعلى خلفية هذا الحادث، تمّ استدعاء سفير طهران في أوروجواي إلى مقر وزارة الخارجية لشرح سبب اكتشاف وجود دبلوماسي إيراني بالقرب من قنبلة عثر عليها بالقرب من السفارة الإسرائيلية في مونتيفيديو، وجاء هذا الحدث عقب اغتيال إسرائيل للقيادي في حزب الله «جهاد مغنية».

وكشف معهد «بازل» السويسري، المختص في مكافحة الجرائم المالية عبر العالم، في أغسطس 2019، عن قائمة لبعض دول أمريكا اللاتينية، ترتبط العمليات الإجرامية لعصابات غسل الأموال فيها بتمويل الإرهاب. وجاءت باراجواي في القائمة ضمن «أسوأ البلدان» في المركز الـ14 عالميا، والأرجنتين في المركز 22، والإكوادور 29، وكولومبيا 43، وفنزويلا 49، وبيرو 58 ، والبرازيل 76، وتشيلي 194، وأوروجواي في المركز 118.

كشف معهد «بازل» السويسري، عن قائمة لبعض دول أمريكا اللاتينية، ترتبط العمليات الإجرامية لعصابات غسل الأموال فيها بتمويل الإرهاب

«داعش» في أمريكا الجنوبية

نشط تنظيم «داعش» في أمريكا الجنوبية بقوة خلال السنوات الأخيرة، خصوصا بعد إعلانه عن قيام «دولة الخلافة» بقيادة أبو بكر البغدادي. واستخدم التنظيم مزيجا من أدوات «القوة الناعمة» والصلبة، لاستقطاب عناصر جديدة من شباب الجاليات العربية والإسلامية في القارة، ضمن مخطط واسع النطاق، تحسبا لاحتمالية نقل قيادة التنظيم برمته إلى إحدى دول القارة البعيدة عن الأنظار.

أبو مهداف الأرجنتيني ميسي سابقا

في إطار سياسة «القوة الناعمة»، أعلن «داعش» في 2014 عن تنصيب اللاعب الأرجنتيني نجم نادي «برشلونة» ليونيل ميسي «أميرًا» على أمريكا الجنوبية وما حولها، تعبيرًا عن سعادة التنظيم بتسجيله هدف الفوز على إيران، كما دعاه إلى الانضمام لصفوف «الجهاد» ولقّبه بـ«أبو مهداف الأرجنتيني»!

ميسي

 

وفي مايو 2018، ألقت السلطات الأمنية البرازيلية القبض على أحد عشر شخصًا بتهمة التخطيط لتشكيل خلية لتنظيم «داعش» في مدينة ريو دي جانيرو، كانوا يحملون أسلحة نارية بدائية الصنع، وكذلك تم رصد محاولة تجنيد متشددين لإرسالهم للقتال في سوريا.

اقرأ أيضًا: كو كلولكس كلان.. «دواعش أمريكا»

يقول جورج تشايا، المؤرخ وخبير شؤون الشرق الأوسط: «يتمثل خطر الجماعات الإسلامية على أمريكا اللاتينية في عنصرين؛ أولهما الأهمية الإستراتيجية، خاصة التيار الشيعي الذي تغذيه إيران في قارتنا؛ حيث عضدت قاعدتها العملياتية انطلاقاً من تنامي الفكر الشافيزي (نسبة للرئيس الفزويلي الراحل هوجو شافيز) في فنزويلا خلال حقبة التسعينيات، لتتعاظم لاحقاً قدراتها العملياتية في منطقة المثلث الحدودي (باراجواي والبرازيل والأرجنتين)، يضاف إلى ذلك النشاط القوي لقطاعات اكتسبت زخماً على الساحة السياسية المحلية مثلما حدث في البرازيل وتشيلي، وبالطبع تواضع الأداء الجماعي في أمريكا اللاتينية للتعاطي مع هذا التهديد».

جورج تشايا: يتمثل خطر الجماعات الإسلامية على أمريكا اللاتينية في الأهمية الإستراتيجية خاصة التيار الشيعي الذي تغذيه إيران في قارتنا

يضيف الباحث: «أما العنصر الثاني فهو أن أمريكا اللاتينية لا تزال تتكون من ديمقراطيات هشة غير متكاملة، مقابل الشمولية الثيوقراطية الذي يبني عليها الإسلاميون تطلعاتهم لتصدير نموذج الثورة الإسلامية، ما يضع دولاً عدة في أمريكا اللاتينية بمواجهة أفراد ومنظمات إسلامية أصولية (مؤيدة للنظام السوري والجماعات الإرهابية الموالية لإيران مثل حزب الله)، يجعل كل ذلك أمريكا اللاتينية بالكامل أرضاً قابلة للاختراق أو عدواً يجب إنزال الهزيمة به».

ويرى متابعون أنه إزاء تمركز شبكات إرهابية «أصولية» في عدد من بلدان أمريكا اللاتينية، علاوة على الفراغ الأمني، فإن القارة ستظل ساحة معركة، وأنها بصدد تهديد لن يستمر قائماً على المدى البعيد فحسب؛ بل إنه قابل للتوسع في المستقبل القريب. فالانتصارات العسكرية المتوالية لـ «حزب الله» كممثل للثيوقراطية الإيرانية في كل من سوريا والعراق، تجعل المنطقة تحوز قيمة إستراتيجية للحصول على الموارد المخصصة لمهاجمة أهداف بعينها على أراضي القارة.

ويرى بعض المراقبين أن «حزب الله» يخطط بدعم لوجيستي من «الحرس الثوري»، لارتكاب عمليات إرهابية في القارة اللاتينية ضد المصالح الأمريكية، في حال تحول المواجهة بين طهران وواشنطن إلى سجال عسكري، وتالياً فإن عناصر «حزب الله» والحرس الثوري يمكن لهما التسلل إلى الداخل الأمريكي عبر الحدود، أو وسط قوافل المهاجرين غير الشرعيين بنوع خاص، كما فعل عدد منهم اندسوا وسط المهاجرين لأوروبا الأعوام الماضية، ليشكل الفريقان مجموعات عمليات مسلحة لـ «انتقامات إيران».

مراقبون: «حزب الله» يخطط بدعم لوجيستي من «الحرس الثوري»، لارتكاب عمليات إرهابية في القارة اللاتينية ضد المصالح الأمريكية

مناخ خصب

يحذر المحللون من أن دول أمريكا الجنوبية قد تمثل مناخا خصبا لتنامي الجماعات الإرهابية في المستقبل، على المدى البعيد، حيث يمكن لهذه الجماعات العابرة للقارات أن تقوم باستقطاب بعض العناصر من مواطني هذه الدول، وذلك نظرًا للظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها بعض بلدان أمريكا اللاتينية، كما أنها تعتبر بعيدة عن الأنظار، الأمر الذي يتوافق مع سعي التنظيمات الإرهابية لإيجاد ساحات جديدة تستطيع من خلالها الاستمرار في القيام بعملياتها بعيدا عن الأراضي التي نشأت فيها.

مصادر:

لماذا يستهدف الإرهاب أمريكا اللاتينية؟

طرق انتشار التنظيمات الإرهابية في أمريكا اللاتينية

هل يصل إرهاب «حزب الله» إلى أمريكا اللاتينية؟

معهد «بازل» يكشف عن دول أمريكا اللاتينية الشهيرة بتمويل الإرهاب وغسل الأموال

حزب الله وأمريكا اللاتينية، أحمد عبد العزيز الجنيدل